التطور الرابع: عودة السفير الإسرائيلي الجديد إلى القاهرة يعقوب امتياتي خلفاً لـ(إسحق ليفانون) الذي اضطر إلى مغادرة العاصمة المصرية عقب اقتحام المتظاهرين لمبنى السفارة الإسرائيلية في سبتمبر الماضي. وتأكيد امتياي أنه "يتمنى أن تكون فترة عمله في مصر في خدمة السلام بين الدولتين"، مشيراً إلى أن "السلام بين مصر وإسرائيل متين".

وتشكل عودة السفير الإسرائيلي إلى القاهرة مؤشراً على السلوك السياسي للمجلس العسكري والحكومة التي تدور في فلك سياساته، في ظل أول إعلان رسمي من الإخوان المسلمين بتأكيد الالتزام بمعاهدة كامب ديفيد، بما يميط اللثام عن حقيقة صمت الإخوان السابق إزاء الموقف من هذه المعاهدة، وأنه لم يكن مجرد تكتيك يستهدف ترك أمر البت بهذا الموضوع لمجلس الشعب الجديد المنتخب، وبالتالي عدم الدخول في معركة مع واشنطن ليس أوانها الآن، وأن الأولوية بالنسبة للإخوان هي تمرير استحقاق الانتخابات والوصول إلى السلطة من دون عراقيل.

غير أن الأمريكي، وكما عرف عنه لا يريد أن يعطي شيكاً على بياض، فهو يريد أن يشهر الإخوان حقيقة ما التزموا به في السر قبل إتمام المراحل المتبقية من الانتخابات، ليكون ذلك التزاماً واضحاً منهم بمواصلة نفس السياسات الخارجية التي كان يسلكها مبارك تجاه أمريكا وإسرائيل. وإذا كانت هذه التطورات تمثلت في:

1- انقلاب المجلس العسكري على الثورة وأهدافها، بالعودة إلى ممارسة السلطة عبر القمع الدموي ضد الثوار، وقيام وسائل إعلام النظام بالعمل على تشويه صورتهم.

2- اجتماع الأخوان مع المسؤولين الأمريكيين في مكتبهم في القاهرة، وخروج رئيس حزب الأخوان، الحرية والعدالة، بتأكيد احترام معاهدة كامب ديفيد.

3- إجراء رئيس حزب النور السلفي مقابلة مع إذاعة الجيش الصهيوني، والإعلان خلالها عن عدم اعتراضه على معاهدة السلام مع إسرائيل، واستعداده للحوار معها، في سياق تقديم أوراق الاعتماد للإدارة الأمريكية لدخول جنة الحكم.

فإن المستجدات الأخيرة أشارت من ناحية إلى مدى التقدم الذي أحرزته الحوارات الأمريكية مع الأخوان، واستطراداً على صعيد ترجمة الالتزامات التي تعهدوا بها في اجتماعاتهم مع المسؤولين الأمريكيين، ودللت من ناحية ثانية على صيغة وطبيعة التركيبة التي سوف يتشكل منها نظام الحكم في مصر، الذي يشهد إعادة فك وتركيب بإشراف المندوب السامي الأمريكي جيفري فيلتمان، المقيم شبه الدائم هذه الأيام في القاهرة، لإعادة إنتاج الأنظمة العربية على قواعد تضمن بقائها في حضن التبعية لأمريكا تنفذ أجندتها في المنطقة. وهذه المستجدات هي:

1- إعلان جريدة معاريف الصهيونية بأن وزارة الخارجية الإسرائيلية وافقت على طلب سفيرها في القاهرة يعقوب اميتاي إجراء حوار مع جماعة الأخوان، وحزب النور السلفي، ثم مسارعة الخارجية الإسرائيلية إلى نفي الخبر، والزعم بأن "إسرائيل لا تتدخل في ما يجري في مصر، وهي في حالة انتظار لرؤية طبيعة الحكم الجديد".

2- تصريح المسؤولين الأمريكيين بأن صعود جماعة الأخوان، التي فازت بأكبر حصة في البرلمان يمثل" فرصة لوضع السياسات التي أشار إليها الرئيس باراك أوباما، منذ قرابة ثلاثة أعوام في خطاب له آنذاك أقترح فيه تأسيس علاقة جديدة مع المسلمين حول العالم بحيث تكون مبنية على الاحترام المتبادل". غير أن الأهم ما نقلته صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية عن مسؤولين في البيت الأبيض قولهم: "إنهم قبلوا وعود الأخوان بشأن احترام دور القانون والحقوق المدنية، وأنهم بانتظار رؤية حكمهم".

على أن أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية أوضح المقصود، لصحيفة نيويورك تايمز، قائلاً: "إن المحاورين الأمريكيين(مع الأخوان) ليسوا فقط في وضع الاستماع، ولكن يسعون في الوقت ذاته إلى أن يكون واضحاً أن الولايات المتحدة تريد أن ترى مصر الشاملة التي تحترم المرأة والأقليات، وكذلك أهمية الاستقرار الإقليمي (وهذا هو بيت القصيد) وأن واشنطن تسمع تطمينات لذلك، لكنها تريد ذلك على أرض الواقع". وإثر هذه المواقف أعلن الناطق باسم حزب الأخوان(11ـ1ـ2012)عن لقاء مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية وليام بيرنز مع قادة من الحزب في القاهرة، في أول لقاء من نوعه على هذا المستوى، والذي يأتي توقيته بعد فوز الأخوان في الانتخابات واحتلالهم المرتبة الأولى في الانتخابات.

3- قيام المجلس العسكري بتقديم قرض للبنك المركزي المصري مقداره مليار دولار، من أرباحه الإنتاجية، في وقت تسعى فيه الحكومة لاتخاذ الخطوات اللازمة لتحصين احتياطاتها من العملات الصعبة عبر بيع سندات في الخارج، وطلب المساعدة الدولية السريعة، في خطوة وصفت على أنها رسالة أراد المجلس العسكري توجيهها للتذكير بسلطته، وأنه يشكل طوق النجاة للاقتصاد المصري بهدف إعادة تلميع صورته، بعد أن تلطّخت يداه بدماء المصريين الثائرين ضد استيلائه على السلطة ورفضه تسليمها إلى حكومة مدنية.. إن هذه التطورات إنما تؤشر إلى جملة من الدلالات أبرزها: