فارس اللواء
باحث عن أصل المعارف
المشاركات: 3,243
الانضمام: Dec 2010
|
الرد على: المناورات الإيرانية وإغلاق مضيق هرمز
المناورات الإيرانية.. رسائل ومفاعيل
عندما لوح الغرب بفرض حظر نفطي على إيران تبعه "تبرع عربي" سخي بتعويض النقص عالمياً إثر الحظر, ظن أصحاب التهديد والكرم أن إيران قد تنحني هذه المرة وتنصاع للابتزاز والتهويل وتستجيب للمطالب الغربية بالنأي بنفسها عن المسألة السورية التي سفهت بصمود السوريين وقواتهم المسلحة أحلام الغرب وبعض المحيط العربي والإسلامي، أحلام تمثّلت بالسعي لإسقاط النظام واستبداله بنظام عميل يصالح إسرائيل ويُقاد غربياً من قبل مجموعة من عملاء المخابرات الغربية من فرنسيين وأمريكيين وصهاينة. لكن إيران، وكالعادة، ردّت على السلوك العدائي على طريقتها التي يحاول الغرب ألا يفهمها, ونظمت مناورات عسكرية مركبة شاركت فيها أساساً أسلحة البر والبحر، وكان لسلاح البر دور خاص فيما يتعلق بالشواطئ وحراستها أو الإسناد البري للعمليات البحرية, وقد أظهرت إيران في المناورات هذه جديداً في مواضيع ثلاثة:
۱- في موضوع التسليح، أظهرت أسلحة بحرية وصاروخية وجوية جديدة.
۲- في موضوع الأداء، أظهرت تنسيقاً عالي المستوى بين أسلحة الجيش الثلاثة وهذا أمر يعرف أهميته المختصون، ونذكر فقط للتدليل على أهميته بأن لجنة فينوغراد الإسرائيلية رأت بأن أحد أسباب الإخفاق الإسرائيلي في حرب تموز ۲۰۰٦ هو تدني مستوى التنسيق بين الأسلحة.
۳- في موضوع الهدف من المناورات، أظهرت وضوحاً سعيها لامتلاك القوة اللازمة والفاعلة لإقفال مضيق هرمز بأسرع ما يمكن.
وإذا كان الموضوعان الأول والثاني من طبيعة عسكرية محضة أو أبعد من ذلك بقليل, ولا يمكن استبعاد توقعهما من قبل المراقبين, فإن المسألة الثالثة تعتبر من المسائل البالغة الأهمية على الأصعدة المحلية والإقليمية والعالمية. وذلك بسبب الأهمية الخاصة لمضيق هرمز من شتى النواحي ونذكر ببعض وجوهها:
ـ تمر في مضيق هرمز ٤۰% من صادرات النفط العالمية, وتتكل أوروبا بصورة خاصة عليها.
ـ تنتشر على الشاطئ الجنوبي للخليج وفي الدول العربية القائمة هناك قواعد عسكرية أوروبية وأمريكية من الكويت إلى البحرين فقطر والإمارات. ما يجعل إغلاق المضيق بمثابة تحويل للقوى الغربية في الخليج من قوة تهديد لإيران إلى قوة محاصَرة باليد الإيرانية.
ـ يعمل في الخليج الأسطول الخامس الأمريكي بحرية شبه تامة، وبذهنية أن الخليج هو بحيرة أمريكية ويكون حصاره تغييراً للتوصيف بحيث يصبح سجناً للبحرية الأمريكية. وبالتالي، يكون حصار الخليج عبر إغلاق المضيق ـ المدخل الإجباري الوحيد إليه يحمل رسالة قوة وتحد إيراني للغرب في قوته وهيمنته, وأهمية هذه الرسالة تتمثل بالقول إن الهيبة الردعية لأمريكا ولحلفائها باتت مشوشة وغائبة عن الذهن الإيراني إلى الحد الذي لا يجعل لها أهمية تردع الإيراني عن التحدي، وهذا الأمر يعتبر صفعة قوية في المفهوم الإستراتيجي والعسكري توجه إلى الحلف الأطلسي بالجملة ولدوله وعلى رأسها أمريكا بالمفرق.
وبعد نجاح المناورات ميدانياً، خرج المسؤول الإيراني ليعلن بأن إقفال الخليج "الفارسي" بات أمراً سهلاً لقواته، وأن الاستمرار في إحكام إقفاله بات ممكناً وبالقدرات العسكرية المتاحة, وتكون إيران قد حققت أهدافها من المناورات وأبلغت رسائلها بوضوح كالتالي:
ـ إن سياسة التهديد والوعيد الغربية, أو اعتماد الغرب لـ"إستراتيجية الضغط لمنع الحركة والنمو" الإيراني هي سياسة عقيمة ولن تغير مسار السياسة الإيرانية. وبالتالي، فإن الموقف الإيراني في المنطقة عامة ومن المسألة السورية خاصة هو موقف نهائي لا رجعة فيه, وهو دعم الشعب السوري في خياراته وتمسكه بالحركة الإصلاحية التي يقودها الرئيس الأسد, ورفض أي تدخل أجنبي ـ مهما كانت مصادر هذا التدخل وأنواعه ـ وأن إيران تمتلك من القوة العسكرية ما يمكنها من التصرف لإجهاض أي تدخل أجنبي في سورية.
ـ إن لجوء الغرب إلى العقوبات الاقتصادية وحظر النفط الإيراني سيقابله وبالتأكيد "حظر إيراني لنقل ٤۰% من صادرات العالم النفطية"، وسيكون الألم والضرر الذي سيحل بالغرب أعلى درجة من الألم الذي يحل بإيران. وهنا، لن تكون قيمة عملية لسخاء عرب أمريكا في الخليج ووعودهم بتعويض النقص في حال الحظر على نفط إيران. فالكل سيصبح في الخسارة سواء.
ـ على دول الخليج أن تفهم بأن كل أساطيل الغرب وقواعده العسكرية المنتشرة على أراضيها, لن تتمكن من حمايتها إذا انخرطت في عمل عدائي ضد إيران سواء في ذلك كان العمل بتقديم التسهيلات للمعتدي أو الانخراط بالعمل العدائي تنفيذياً وبشكل مباشر, وإن إمكانات إيران العسكرية قادرة على تجويف الوعود الغربية بالحماية لهم. وبالتالي، إن أمن الخليج لن يكون اليوم ولا غداً إلا قراراً إقليمياً يتخذه أهل الخليج بأنفسهم في تفاهمات وعلاقات مبنية على الثقة بعيدة عن الكيد والتعامل مع الأجنبي.
أما في مفاعيل الرسائل، فإننا نرى فورية في الأثر، وكانت في دعوة إيران من موقع قوة "مجموعة ٦+۱ " إلى مفاوضات صريحة وعملية حول الملف النووي الإيراني, (وهنا نذكر بأن السبب المدعى به ليتخذ ذريعة لحظر النفط هو الملف النووي الإيراني, رغم أن السبب الحقيقي اليوم هو الموقف من سورية التي شكلت هزيمة الغرب فيها كارثة إستراتيجية لم تحدد أبعادها بعد) ولأن الغرب فهم كما يبدو الرسالة التي حملتها المناورات وعلم أنه لن يكون بمقدوره أن يفرض الحظر على نفطها وإلا غامر بمصالحه النفطية أو دفع الأمور إلى حرب لا يعرف أحد مداها، وهي ستحرق النفط وتعقِّد الأمور وتزيد في مشاكله الاقتصادية, ولأنه فهم الرسالة، فإننا رأينا مسارعة الإتحاد الأوروبي للترحيب بالدعوة الإيرانية, ولا نتوقف عند المفاوضات بذاتها عما إذا كانت ستعقد أم لا، أو إذا كانت ستنتج أم لا (الأرجح ستبقى عقيمة)، بل إن الأساسي من الأمور يتمثل في نجاح إيران في الرد, وثباتها على مواقفها في خياراتها الإستراتيجية وفهم الغرب لذلك واستيعابه للرسالة, وهذا ما سيفاقم أزمته في سورية التي انقلبت اليوم إلى مقبرة لطموحات وأحلام الكثير من عرب وإقليميين وغرب وصهاينة.
|
|
02-15-2012, 08:38 PM |
|