أجد الخبر "مثيراً جداً" ليس لأنه يدعم "نبوءة محمد" ولكن لأنه قد يساعدنا على الكشف عن "مصادر محمد" في التحضير لرسالته ومصادر "معدّيه" في العناية به. ولأفصل قليلاً:

هذا الإنجيل الذي قد يرقى إلى القرن الخامس أو السادس، إن هو إلا متأخر جداً عن الأناجيل القانونية ورسائل القديس بولس التي ترقى إلى القرن الأول الميلادي. لذلك، ففي أحسن الأحوال سوف يُضاف هذا الإنجيل، عند المسيحيين، إلى الأناجيل "الأبوكريفية" الأخرى، ولن تفرقه كثيراً بعد ذلك عن "إنجيل بارنابا". وهذا كله لا يفيدنا بشيء جديد حقاً في اكتشاف تاريخ المسيحية الأولى. فالقرن الخامس أو السادس هما قرنان متأخران جداً بالنسبة لرسوخ الديانة المسيحية، فالمسيحية - كما هو معلوم - أصبحت الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية منذ أوائل القرن الرابع الميلادي ( أيام الامبراطور قسطنطين المتوفي سنة 337).

هذا الانجيل إذاً لن يسعفنا بشيء خطير عن المسيحيين، ولكنه خطير كل الخطورة بما يتعلق بالإسلام، لا لأنه يثبت صحة "نبوءة محمد" (فهذا لا يستطيعه إنجيل مكتوب في هذه القرون المتأخرة) ولكن لأمر آخر يتعلق بصياغة الإسلام نفسه. إذ تصوّر معي - عزيزي القاريء - أن مثل هذا الانجيل كان متداولاً في الجزيرة العربية وعلى تخومها في القرنين الخامس والسادس (بين سنة 400 وسنة 600 ميلادية). فهذا قد يعني بأن مثل هذا الانجيل كان بيد بعض من اعتنوا برسالة محمد، وحضروا الرسول العربي الكريم للاضطلاع بهذه المهمة التاريخية الجسيمة.
تصوّر معي بأن مثل هذا الإنجيل كان بحوزة "الراهب بحيراء" أو بحوزة "ورقة بن نوفل" و"السيدة خديجة"، ثم قل لي ماذا قد يعني هذا.
هذا قد يدعم الكثير من تصوّرات الشيخ الدكتور "خليل عبدالكريم" في كتابه "النص المؤسس ومجتمعه" . وهذا يدعم الرأي القائل بأن "نبوة محمد" لم تكن تماماً كما رسمتها القصص "الرسمية" الاسلامية من نزول " شبه فجائي" للوحي في "غار حراء" جعل الرسول يرتجف من هوله. فأن يكون "كتاب مقدس" في يد "معدّي الرسول" في ذلك الوقت(خصوصاً ورقة بن نوفل والسيدة خديجة)، يدعم خروج نبي من نسل "اسماعيل" بشهادة "المسيح"، يعني بأن هناك من "اعتنى بالبحث عن هذا المرتجى المأمول" وحاول إعداده بكل ما يلزم كي يعلن نبوته. هنا علينا أن نتساءل من جديد حول دور "ورقة بن نوفل" و"السيدة خديجة بنت خويلد" في هذا الإعداد، ولنا أن نتساءل من جديد أيضاً حول دور "الراهب بحيراء" في تحضير رسالة محمد. ولنا أن نتساءل ثالثة حول هذا الإصرار "القرآني" في خطابه لأهل الكتاب بأن "كتبهم تصدّق رسالته". إذ يبدو أن "الرسول الكريم" كان أكيداً من أن "كتب اليهود والنصارى" تشهد له ولصحة رسالته. فمن أين جاء هذا التأكّد وهذا الإصرار على هذه النقطة في الخطاب القرآني؟ أعتقد أنه جاء من خلال "كتب مقدسة أخرى" كانت بحوزة "محمد ومعدّيه" (الراهب بحيراء، ورقة بن نوفل، السيدة خديجة) تحتوي على مثل النص المنقول لنا عن هذا الانجيل المتأخر. ومن يدري، فلعلنا نقع من خلال هذا الانجيل على نسخة من هذه الكتابات القديمة التي عوّل عليها "الرسول ومعديه" إبان خروجه.

أمام هذا الإنجيل قد نعيد التساؤل أيضاً حول أمور ثانوية بالنسبة للمسيحية الأولى، و حول بعض "الهرطقات الآريوسية" التي تسربت إلى الجزيرة وازدهرت على تخومها . فمن المعلوم أن "بشرية المسيح" ليست قضية ابتدعها الإسلام، ولكنها مسألة قضت مضجع المسيحية طوال القرن الرابع حتى نصف القرن الخامس من خلال ما صار يعرف باسم "هرطقة آريوس". السؤال الأعمق، هل نستطيع أن نربط "هرطقة آريوس" بنوازع إيمانية "يهودية - مسيحية" نمت وترعرعت في "عمّان" في مرحلة الحرب اليهودية الرومانية (67 - 70) على يدي بعض "اليهود- المسيحيين" الذين ارتبط اسمهم "بالقديس يعقوب" والذين تباين إيمانهم مع "بولس الرسول" في مطلع "ستينيات القرن الميلادي الأول" عندما نزع هذا الأخير إلى "فتح الرسالة المسيحية" باتجاه "الهيلينيين"؟

هناك أسئلة تاريخية إذاً ما زالت دون إجابة عن هذه المرحلة بما يتعلق بتاريخ المسيحية من ناحية، ولكن الأخطر - كما قلنا أعلاه - هو تلك الأسئلة التي نستطيع أن نطرحها بما يتعلق "بمصادر الإسلام الأولى" مع الإصرار "المحمدي" (في القرآن) بأن "المسيح" شهد بصحة رسالة "خاتم النبيين وسيد المرسلين" (عليه وعلى آله الأطهار أشرف الصلاة والسلام )، فهل كان بين يدي "محمد" (من خلال ورقة بن نوفل والراهب بحيراء مثلاً) "إنجيلاً" مثل هذا الذي يحدثوننا عنه؟ قد يكون !

واسلموا لي
العلماني