{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
أزمة الحداثة الغربية وإبداع الحداثة الإسلامية مراجعة لكتاب: روح الحداثة
فارس اللواء مبتعد
باحث عن أصل المعارف
*****

المشاركات: 3,243
الانضمام: Dec 2010
مشاركة: #10
الرد على: أزمة الحداثة الغربية وإبداع الحداثة الإسلامية مراجعة لكتاب: روح الحداثة
سابعاً: التضامن الحداثي والرؤية الإسلامية

أما مبدأ التضامن الحداثي فقد وقع -كما يرى طه عبد الرحمن- في أزمة انفصال خطيرة، نتجت من أنَّ التطبيق الغربي لروح التعميم، من أركان روح الحداثة، يقصره على الآدميين، ولا يتعدى به إلى غيرهم من الكائنات، بل إنه يقطعهم عنها محدثاً انفصالات جوهرية ثلاثة، وهي: "الانفصال عن التراث" حين ألغيت حرمة التراث بزعم تحرير إرادة الإنسان حتى يشرع لنفسه بنفسه.

و"الانفصال عن الطبيعة" حين ألغيت حرمة هذه الطبيعة ونـزعت القداسة على العالم قصد إرادة السيادة على الكون، وهكذا لم يبق جانب من الطبيعة لم تمسه وسائل التقنية بهدف تحرير قدرة الإنسان على الإنتاج وتلبية حاجاته. و"الانفصال عن الحيز" حين ألغيت حرمة الحيز بنوعيه الجغرافي والفيزيائي عن طريق الشركات العالمية ووسائل الاتصال، وكان القصد تحرير قدرة الإنسان على الحركة حيثما أراد سياحة أو سباحة.

ولزم من هذا أنَّ تضامن الآدميين الذي تجلى فيه هذا التطبيق كان تضامناً ضد غيرهم من الكائنات؛ إذ أفضى إلى آفات ثلاث هي: "آفة التزلزل"، و"آفة الخوف"، و"آفة التشرد".

فآفة التزلزل جاءت من أنَّ الانفصال عن التراث أطْلَق عقلَ الإنسان من عقاله، ولكنَّه أغرقه في بحر من الظنون والشكوك التي لا تنتهي. وآفة الخوف مردها إلى ما نتج عن إلغاء حرمة الطبيعة والثورة عليها، حين لم يستطع الإنسان أن يضمن لنفسه ما يدفع به الأخطار التي تتولد من التقدم المخيف في مجال التكنولوجية النووية، والهندسة الوراثية، والصناعة الكيماوية وغيرها، فهذه الأخطار تهدد الحياة والبيئة والأرض جميعاً.

أما آفة التشرد فنتجت عن إطلاق تعامل الإنسان الحديث من قيوده، وانفتاح باب التواصل مع أي شيء، ولكنه لم يستطع أن يزوده بما يحفظ مركزيته وخصوصيته، بل أضاعه في فضاء واسع من المعلومات وأفقده إحساسه بدوره الإنساني.

في حين أن التطبيق الإسلامي لهذا الركن يجعل التعميم يسع الموجودات كلها، محوّلاً الانفصالات القاطعة إلى انفطامات واصلة، ذلك أن مبدأ التراحم الذي يتجلى فيه هذا التطبيق الثاني تتفرع عليه واجبات رحمية كونية، تقضي كلها بإيجاد عالم تكون فيه العلاقات بين الأحياء والأشياء جميعاً علاقات بين أقرباء؛ أقرباء فيما بينهم وأقرباء من الرحمن الذي يتجلى عليهم، لا بقهره وإنما برحمته، فيتفكرون في مظاهر رحمته ويتشبهون بأخلاقه، وتكون الواجبات فيما بينهم، لا واجبات الأجانب، وإنما واجبات الأقارب.

وبفضل هذا التوجه يضمحل همّ القضاء على التراث؛ لأن أحد مقاصد التراث هو أن يزود الإنسان بقوة الماضي، متمثلة في حفظ ذاكرته بِعدِّها قيمة تجلب للإنسان الثبات الذي لا تزلزل معه، كما يضمحل همّ القضاء على الطبيعة التي من مقاصدها تزويد الإنسان بقوة المستقبل بحفظ ذريته بوصفها قيمة تكسب الإنسان الأمن الذي لا خوف معه، ويضمحل همُّ القضاء على الحيز الذي يزود الإنسان بقوة الحاضر بحفظ هويته حفظاً يحقق الإقامة التي لا تشرد معها.

وهكذا، تكون مسؤولية المسلمين في زمن الحداثة –كما يرى طه عبد الرحمن- أعظم من أي وقت مضى، لأنهم يملكون من أسباب التعقيل الموسع، القادرة على التصدي لانحرافات العولمة، ما لا يملكه غيرهم، فضلاً عن أن مسؤولية العولمة تقع عليهم أكثر مما تقع على هؤلاء، ولو أنها ليست مما كسبت أيديهم، وذلك لظهورها في الزمن الأخلاقي الذي خلق لهم من دون سواهم، ولا خوف عليهم من زحفها ولا من هولها متى سارعوا إلى النهوض بهذه المسؤولية؛ فهمّة الإنسان أكبر من أن تقهرها قوة العولمة، وعُدَّة المسلم أقوى من أن تقهرها عظمة المسؤولية.

ويختم طه عبد الرحمن كتابه بسؤال جوهري: "لم الاشتعال بالتطبيق الإسلامي لروح الحداثة، وقد انتقلت الإنسانية من طور الحداثة إلى طور "الما بعد حداثة." ولا يقل هذا السؤال أهميّة عمّا سبق سرده من واقع الحداثة وتطبيقاتها، لهذا فإنّ إجابات المؤلّف كانت أكثر حسماً، كونها إعادة تفعيل للمفاهيم والمضامين والآليات التي تضبط الفعل الحداثيّ، وتذكرّ بالاستنتاجات التّي أصّل لها المؤلف في مهاد كتابه، ولا سيّما، في الجانب التنظيري منه.

ويقف المؤلف في هذه الخاتمة عند عدد من المفاهيم التي ينبغي أخذها بالحسبان، عند الترجيح بين عناصر الحداثة، وعناصر الما بعد حداثة، واتخذت هذه المفاهيم طابعاً تحذيرياً من الوقوع في المغالطات، أو التهويل، أو قلب الحقائق، فتطبيق "روح الحداثة" يقتضي دفع ما يترتب على سؤال المشروعية الحداثية، بالحلول في فكرة التجاوز والارتقاء نحو فضاء مفهومي عالمي للحداثة يكتسب مشروعيته من الفكرة الإسلامية المبدعة التي تدمج في أعطافها ليس البشر وحدهم، بل كلّ الموجودات التي يتضمنها العالم.
03-04-2012, 10:12 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
الرد على: أزمة الحداثة الغربية وإبداع الحداثة الإسلامية مراجعة لكتاب: روح الحداثة - بواسطة فارس اللواء - 03-04-2012, 10:12 PM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  الحضارة الغربية هي أعظم حضارة في تاريخ البشرية ... العلماني 30 2,221 09-22-2014, 02:54 AM
آخر رد: Dr.xXxXx
  الولايات المتحدة والولع بالمؤخرة الايرانية.. المخابرات الغربية وصناعة دولة الملالي أسير الماضي 0 401 08-12-2014, 11:14 PM
آخر رد: أسير الماضي
  الولايات المتحدة والولع بالمؤخرة الايرانية.. المخابرات الغربية وصناعة دولة الملالي أسير الماضي 0 374 08-12-2014, 11:03 PM
آخر رد: أسير الماضي
  حوار حول مواضيع الفرض الثقافي للثقافة الغربية ، كشف كذبة الحرية في الغرب ، سرقة الغر الــورّاق 0 646 01-03-2013, 02:22 PM
آخر رد: الــورّاق
  مراجعة فكرية حول مصطلح الفلول wahidkamel 1 922 08-29-2012, 09:44 PM
آخر رد: فارس اللواء

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS