الزميل السلام الروحي؛

أعتقد أنك متأثر نوعاً ما بقراءات شيعية للتاريخ، وليست قراءات موضوعية محايدة. وأصدقك القول بأنك تذكرني بنفسي منذ سنوات طويلة حين رأيت نظرة مختلفة لهذا التاريخ من خلال الشيعة.
ولكن بحقيقة الأمر فإن كلا النظرتين غير موضوعية للتاريخ، فلا يوجد عند الشيعة نظرة محايدة بل يحاولون أمام السنة إظهار هكذا نظرة، فالتشيع مذهب أيديولوجي بالنهاية.
فالذي تنتقده الآن هو أفضل ميزات عمر، فعمر ليس بالعالم دينياً ولكنه أسس لدولة وفرض بعد فترة القلاقل التي عهدها عصر محمد وما بعده صورة أخلاقية للأمور. فحظر شريعة المتعة السيئة الذكر. للأسف فنظرتك للأمور ليست تاريخية/فكرية/موضوعية، بل تتبنى وجهة نظر خصم على حساب آخر.

سأعطيك مثالاً آخر، كثيراً ما يتم انتقاد المذهب الكاثوليكي بأمور عدة، ولكن من ميزاته بفترة ما هو منع التعدد وتحريم الطلاق والصرامة بتطبيقه، وما لا تعرفه مثلاً أن هذه العقيدة الصارمة بمنع الطلاق أتت بعد حوالي 12 قرناً من المسيحية، في القرن الثاني عشر، ولم يتم تبنيها إلا في مجمع الثلاثين في القرن الخامس عشر. وكان الهدف الأساسي منها وقف استغلال المطلقات من قبل الشباب العزاب وتهاون الكهنة بذلك مما أدى لمآسي عديدة. يمكننا انتقاد الكاثوليكية من وجهة نظر بروتستانتية مثلاً، وهذه وجهة نظر أيدلوجية.
ولكن الناظر للأمر بموضوعية لا يخضع للأمر من الوجهة الأيدولوجية المعادية بل ينظر للأمور من الحسنات والسيئات، ولا يمكننا إنكار الهدف التاريخي الموضوعي من منع الطلاق لدى الكاثوليك، وتأسيس عقيدة الاعتراف.

عمر وعثمان وغيرهم من صحابة "السنة" كما يراهم الشيعة، هم صناع تاريخ إسلامي، فالإسلام لم يصنعه محمد لوحده بل هو أول وأهم أركانه وليس الوحيد لا لدى السنة ولا لدى الشيعة (لدى الشيعة عقائد تجعل العقيدة مستمرة في الوحي منذ محمد للإمام الثاني عشر)، بل التاريخ الإسلامي والإسلام نفسه صيرورة تاريخية مستمرة، والناظر الموضوعي للتاريخ يراه من هذا المنظور.
السنة لا علاقة لهم بعمر، وأكيد لا علاقة لهم بمعاوية، بل اليوم معاوية أقرب لنظام بشار منه لنظام سني سلفي آخر.
معاوية كان متحرراً منفتحاً ولكنه ديكتاتورياً ككل حكام عصره، بل يا ريتنا وصلنا بسوريا لما وصلناه أيام معاوية بالنظر لعصره.
المهم أنت متأثر جديد، سني متشيع، أو قارئ للتشيع، يعتقد بأن ما يقوله الشيعة "حقيقة" بينما هو ليس كذلك.
الشيعة يحرفون ويخرفون أيضاً، وهم لديهم ثأر ومشكلة مع السنة. فإما إن أردت النظر بشكل عملياتي وموضوعي للتاريخ أي بالعقل، فعليك النظر للأمور من منطلق تاريخي من ناحية ومن رؤية منفتحة.
فحتى لو كان عمر قد حرم ما حلله محمد (هذا أمر فقهي أتركه لذوي الاختصاص) فحتى بهذه الحالة علينا نحن العلمانيين أن ننظر هل فعله لذلك كان مفيداً وجيداً أم لا؟ أنا أرى أن ما قام به عمر تاريخياً ثوري بل وعلماني، ويأتي من عقلية منفتحة لا تقبل بالأمور لمجرد أن محمد أفتى بها أو قال بها، فهو ليس سلفياً بهذا المعنى، ولم يعبد النص، بل حكم بحسب الحالة والظروف التاريخية. فكيف ننتقده وهو مفكر، لا مقلد. وكيف نجد بما أمر به سيئة، وهو قام بذلك بالانتصار لحق النساء، بأمور كانت عبثية التطبيق، استغلها الناس أقبح استغلال.
فعمر لم يجد بعد أي تبرير لتطبيق ما ينشر الفاحشة ويبررها ويُساء استخدامه ويثقل كاهل الدولة بالأمراض. فحرمه، غير آبه بتحليل سابق له. وهذه صفة قوية من صفات القيادة، أن يستطيع قرار شيء قام به قائد سابق ولكنه استطاع منعه ومنع انتشاره بين الناس، بكاريزميته ورؤيته العميقة للأشياء.

خالص التحيات