مدارات - رؤية عامة للمشهد السوري
تاريخ النشر: الخميس 8/3/2012م
بقلم : عدلي صادق
يتواصل القتل العشوائي للسوريين، بأسلحة النظام الثقيلة، ولا شعاع أمل في الأفق، يسر خاطر الشعب المظلوم، الرازح تحت نير الجرائم اليومية. أما الاميركيون فيلائمهم استمرار النـزيف السوري، إذ يرون فيه مجرد عنصر إرباك وإرهاق لإيران في المجابهة معها، في الوقت الذي يحاولون فيه، رفع الحرج عن موقفهم، من خلال إدانات لفظية وتلميحات سخيفة ومتناقضة، من شأنها تشجيع النظام على المُضي قُدماً في الحل العسكري. وفي ثنايا هذا الموقف، بدا أن واشنطن تريد نظاماً يزيد في «مكارم» أخلاقه، عن نظام بشار الأسد، الساهر على استقرار أمني لإسرائيل، وله حرية الطنين الفارغ بالكلام عن «الممانعة». والاميركيون في الوقت نفسه، لا يقبلون بتسوية تترك علاقة بشار الأسد بالإيرانيين دون تغيير. هكذا يتحدث المحللون الاميركيون. أما روسيا، حليفة نظام الأسد القوية حتى الآن، فهي تصفي مع الغرب، حساب خديعته لها في ليبيا، لذا فإنها ستظل تلوّح بالفيتو وتزود النظام بالسلاح والذخائر وتعارض أي تدخل عسكري في سوريا. وينسجم الموقف الروسي، مع السياق الذي يريده بوتين، وصولاً الى مكانة حاسمة للروس في التعاطي الدولي مع شؤون العالم.
الإيرانيون من جانبهم، يتحسبون من «خطر» انهيار النظام السوري، ويرونه بداية تغيير دراماتيكي لغير صالحهم، في المنطقة بأسرها، بدءاً من لبنان. فمن منظورهم الطائفي، يعتبرون سقوط النظام السوري، انفتاحاً للبنانيين السنة، على نظرائهم في سوريا، ما يتيح للقوى المعارضة لحزب الله، الاستقواء بجوارها الجغرافي. فضلاً عن ذلك، يُعد فشل مهمة جامعة الدول العربية في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، مع غياب الإجماع في مجلس الأمن، عنصري ضغط نفسي على الجماهير السورية، قوامه الغياب التام للخيارات الدولية. وحتى في حال استصدار قرار من مجلس الأمن يجيز تدخلاً ما، فإن الأمر عندئذٍ سيُلقي بظلال ثقيلة على الثورة السورية لا ذنب لها فيه، لأن فشل المجلس في إدانة الجرائم الإسرائيلية في فلسطين، وفي اصدار موقف متوازن، ينصف الشعب الفلسطيني، يفتح باب المقارنات، وسيعطي النظام السوري صفة ليست فيه، وهو أنه مستهدف من الأميركيين لصالح «أصدقاء» مفترضين، سيكونون هم السوريون الذين لم يعتنقوا سوى فكرة الحرية!
* * *
النظام السوري يقتل مطمئناً الى المناخ الدولي المستنكف عن مواجهته فعلياً، ولا يكترث بتخرصات الغرب وتهديده ووعيده اللذين يتخذان شكل التوقعات. هو الذي يلقى الدعم من الخارج، إن اعتبرنا كل خارج معيباً. ودول مجلس التعاون الخليجي، التي اتخذت موقفاً نبيلاً لاعتبارات عدة، في مقدمها رفض استمرار نظام «الرافضة» في قتل السوريين من الأغلبية السُنية، لم تحظ بتأييد اميركي على هذا الصعيد. وبالطبع، يستغل هذا النظام حقيقة العلاقة المميزة بين أقطار الخليج والولايات المتحدة، لكي يندلق في اتهامات لحكومات الأقطار العربية الخليجية بالتبعية للأميركيين، بقطع النظر عن كون الأميركيين أنفسهم لا يحبذون في الواقع، سقوط النظام السوري.
ثورة السوريين تخوض الغمار وحدها، وليس من نصير فعال، من «الخارج» بينما النظام الذي يتلقى دعماً خارجياً، يتهم الناس بخارج استعماري يستهدف «نضالات» النظام ومواقفه الاستراتيجية المزعومة. فالسوريون الذين يطلبون الحرية، لم يكونوا هم الذين قرروا في كل المحطات العسيرة، الانحياز للولايات المتحدة وخدمتها، سواء في الانضمام الى تحالف حفر الباطن، وإحكام الحصار على العراق توطئة لاحتلاله، واجتياح لبنان لتخليص النظام والقوى الانعزالية من سيطرة الحركة الوطنية اللبنانية المتحالفة في منتصف السبعينيات مع الثورة الفلسطينية، وتنفيذ المجازر في المخيمات الفلسطينية، وقتل القادة الوطنيين اللبنانيين، ومحاولات شق الثورة الفلسطينية واغتيال قادتها.
في هذا الخضم السوري، ينفرد نظام مجرم، بمواطني البلاد. وفي خطابه ينكر وجودهم أو يتجاهلهم، إذ دأب في نصوصه الفائحة فاقدة الدلالة، على الحديث عن عنصرين لا ثالث لهما في الصراع: قوى الأمن (أي الجيش النظامي بقضّه وقضيضه) و»عصابات إرهابية» ولا ذكر للشعب الذي يتظاهر في كل أرجاء البلاد مطالباً بسقوط النظام. كأن الأطفال والنساء الذين يُقتلون، من «العصابات الإرهابية» أو كأن ضباط الجيش الذين ينشقون، وآخرهم العميد فرزات، كانوا رؤساء عصابات إرهابية، وليسوا ضباطاً محترمين ملتزمين ورفيعي الرُتب، في الجيش النظامي!
حتى تسمية «العدو» بـ «عصابات إرهابية» تحمل في مضمونها رياء للغرب إذ تحاول أن تحاكيه وهو يتحدث عن شر الإرهاب. وكأن النظام السوري المستبد الفاسد المتخلف، أتاح للسوريين ما أتاحه الغرب لشعوبه، لكي يتحدث مثله عن إرهاب مقيت!
السوريون يثيرون الإعجاب في إصرارهم على مواصلة الطريق الى الحرية. وقد نجحوا حتى الآن، في فرض حقيقة لا مراء فيها، وهي استحالة أن يظل الحاكمون يحكمون، بعد أن غرقوا في دم شعبهم. إن انكسار الثورة، لو وقع ـ لا سمح الله ـ سيجعل سوريا تواجه الأسوأ، بحكم حقيقة استحالة استمرار الحاكمين في الحكم، إذ ستنشأ وتعم، مجموعات المتطرفين، التي تتغذى من آلام ذوي الضحايا، وستضرب هذه المجموعات عشوائياً في كل مكان وزمان!
www.adlisadek.net
adlishaban@hotmail.com