سنة ونصف إلا قليلا مرت على اندلاع الثورة السورية وما زلت الأخبار التي تترا كما هي ، شهداء ومعتقلين وانتهاكات فظيعة ضد كل حقوق الإنسان يرتكبها النظام الفاشي بحق الشعب السوري يوماً بعد يوم ، والمعارضة السورية – للأسف – تزداد تشتتاً يوماً بعد يوم ويتلاشى زخمها الثوري بسبب النقص الفكري والثوري لديها ولحد هذه اللحظة لم تستطع لم شمل المدن السورية جميعها للمشاركة في الثورة ولحد هذه اللحظة ما زالت كبرى المدن السورية بعيدة كل البعد عن نيران الثورة بينما النظام تزداد سطوته وقوته تدريجياً .

إنني مدرك تماماً بأن العالم باع الشعب السوري وتركه فريسة للنظام ، بدءً من الإدارة الأمريكية التي تبحث عن مصالحها ولو كانت مع الشيطان نفسه ومروراً بأقرب حلفاء سوريا إيران وحزب الله ، وأدرك أيضاً على الطرف الآخر شجاعة الشعب السوري وصلابته التي أظهرها في هذه الثورة التي أظهرت معادن الكثيرين وكشفت وجوه الكثيرين وكانت بحق ثورة كاشفة ومنشئة ، لكن ورغم هذا كله يتوجب على الثورة السورية وأقصد هنا فصائل المعارضة إجراء تقييم ذاتي للنفس وللثورة ومعرفة الأخطاء والعيوب ووضع المصالح الوطنية أولاً في سلم الأولويات ومحاولة تفادي الحرب الأهلية والتدخل الخارجي والخروج بأكثر الانجازات وأقل الخسائر وهذه المتطلبات بعيدة كل البعد طالما استمرت المعارضة في سياستها الحالية في الثورة ، ولذلك بعد كل هذه الأخطاء أرى بأن تكون الثورة على مرحلتين المرحلة الأولى قد حصلت وبدأت والمرحلة الثانية آتية بعد استراحة المحارب التي ستأخذها الثورة ولذلك أرى في هذا الوقت أن تجري المعارضة مصالحة وطنية مع النظام تجبره على تقديم تنازلات تحت جميع أصناف الضغوطات تتمثل بـ :
1- بفتح مجال الحرية السياسية
2- العفو عن جميع المعتقلين والمنفيين السياسيين .
3- فتح المجال لتأسيس الأحزاب السياسية الجديدة المعارضة .
4- إلغاء بند قيادة حزب البعث للشعب من الدستور .
5- تشكيل حكومة وطنية لإدارة البلاد ومن ثم إجراء انتخابات برلمانية .

نحن ندرك حقارة النظام و " وساخته " و " قذارته " وأنه لن يسلم بهذه الإصلاحات بكل سهولة وسيحاول " تعكيرها " و " التنغيص عليها " بكل ما أوتي من قوة وسيفرغها من مضمونها مع مرور الوقت ، ولكن حينها لن يعذره أحد ولن يقف بجانبه أحد ، وستكون المعارضة قد عادت للبلاد وقد وطدت نفسها جيداً وتلافت الأخطاء التي وقعت بها وخصوصاً بأنها ستكثف من تواجدها في حلب ودمشق وخصوصاً بعد عودة الكثير من المعارضين المنفيين إليها – وربما تكون حلب ودمشق هما رائدتا الثورة الجديدة – وستستطيع قلب النظام بقوتها الذاتية لا المساعدات الخارجية .

أما لماذا هذه الخطوات ، فلأن الثورة ما زالت تراوح مكانها ، والنظام ما زال قوياً صلباً والمعارضة لم تكن على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقها ، فلا يجب أن ننسى من أن سوريا في طليعة الأنظمة الممانعة لإسرائيل واستطاعت أن تسجل إنجازات لم يسبقها إليها أحد تتمثل في تحقيق الإكتفاء الذاتي من القمح ووجود صناعة عسكرية محلية متوسطة ولديها شبكة متطورة من الصواريخ – والتي تصنف كأقوى منظومة لدى الدول العربية – ، كل هذه الأمور يجب المحافظة عليها قدر المستطاع من قبل الثورة السورية لأنها أوراق قوة لأي نظام جديد ، فالنظام لن يسقط إلا بتدخل خارجي ، ورغم أني أتفهم مطلب الشعب فيما لو أقر هذا التدخل لأنه هو صاحب الحق الوحيد في تقرير مصيره ، لكني لن أستسيغ هذا المطلب لأنه يتعارض مع كل المصالح الدينية والوطنية والقومية ، لأن أي تدخل سيكون ثمنه باهظاً جداً وسيخرج سوريا من جميع الحسابات السياسية والقومية العربية ، والمشهد الليبي ومن قبله العراقي ما زال حاضراً في الأذهان .

يجب علينا أن ندرك بأن الثورات العربية وإن كانت تشترك في مطالبها وأهدافها وتطلعاتها إلا أن وسيلة كل ثورة تختلف عن أختها ، وهذا يرجع لطبائع البلدان والشعوب العربية وتاريخها وموقعها ومكانتها ، فكل ثورة لها مدرستها وفلسفتها الخاصة وأتمنى من الشعب السوري أن يستوعب هذا الأمر .