الزملاء .
لي بعض الوقفات . و لكني لن أتطرق إلى تقييم الثورات العربية لأني أزمع ذلك بالفعل في شريطي عن الثورات العربية ( المجاور ) مع تحذير أنه شريط غير مسلي أبدا
.
1- كون الإنسان شاعرا كبيرا لا يعني أن يكون مفكرا سياسيا بنفس القدر ، هناك رباعية شهيرة لصلاح جاهين أتذكرها من زمن طويل ، يقول فيها : " الفيلسوف قاعد يفكر سيبوه ـ لا تعملوه سلطان و لا تصلبوه-ما تعرفوش إن الفلاسفه يا هوه - اللي يقولوه بيرجعوا يكدبوه - عجبي " . مشكلة الشعراء و حتى الروائيين و القصاصين ، أن إنتاجهم الأدبي لا يحقق لهم دخلا مرتفعا ، و بالتالي يلجأون إلى الكتابة الصحفية مستغلين اسمائهم الشهيرة ،و النتيجة عملاق أدبي و قزم سياسي . نحن نلحق الكتابة السياسية بالأدب و هذا خلط لا يليق .
2- استخدمت كثيرا تعبير " ضبط الساعة " في ردودي على بعض الأصدقاء الذين يناقشون قضايا أصبحت تاريخا أو out of date ، لو لم أقرأ تاريخ هذا المقال لأعتقدت أنه كتب عام 1990 او 2000 أو 2010 أو حتى 2011 كحد أقصى ، أما أن يكون مارس 2012 فهذا دليل أن هناك ساعة تحتاج للتغيير لأنه لا يمكن ضبطها نهائيا . هذا المقال يتجاهل الواقع الفعلي نهائيا ، كمن يقدم له طبق طعام بالفعل فيشرع في طلب المنيو !.
3- هناك تعبير ثاني أريد أن أستخدمه هنا هو " تغيير الموضوع " أو change the subject ، كمن يجد ملفا أمامه لا يفهمه فيستبدله ببساطة بملف آخر !. هذه الآلية يبرع فيها الأمريكيون ، فعندما يطالب الفلسطيني باستقلال و دولة يخرجون له ملف الديمقراطية !. ما أمامنا شيء مشابه ، لقد استبدل الكاتب ملف الثورة السورية كمنتج عملي أمامنا جميعا ، بملف آخر بمواصفات الثورة القياسية في القرن 21 ، كما لو كان التاريخ نوع من الطعام تطلبه من الرستوران و ياتيك هوم دليفري . لا أريد مناقشة الملفات التي تأتي من تحت الطاولة ، فذلك عمل غير مجدي ، رغم أن ذلك ممتع لمن يريد أن يناقش النظريات كمتعة في وقت الفراغ ، و ليس السياسي الغارق في مواجع مجتمعه و مشاكله ،و الذي يعرف أن السياسة هي فن الممكن الواقعي .
4- النتيجة العملية لهذه الحوارات " الزفلطونية " غير " الزحفطونية " خاصة متألق النادي الوحيد ، هي رفض الثورة السورية لأنها بالفعل ذات مكونات سنية طائفية ، بالإضافة إلى جرعات الحرية و الكرامة التقليدية . شخصيا أعتقد أن السياسي غير المفكر المثالي ، فالسياسي يبدأ من الواقع و يتحرك خلال المتاح بالفعل وصولا إلى أهدافه المثالية ، كوني علماني ليبرالي لا يعني أن أرفض الواقع المصري مثلا و ألعن الجميع و انعزل خلف حائط التنظير الذي يشبه في حالتنا هذه الأفيون ،و لكني سأنزل و اختار مرشح الإخوان كي امنع وصول حازم أبو اسماعيل السلفي لرئاسة مصر . نفس هذا الموقف يواجه السوري و غيره ، الإختيار بين بدائل واقعية ، النظام كما نعرفه جميعا أو الثورة كما هي بمواصفاتها التي فرضها الظرف التاريخي . أما أن نهرب من الإجابة خلال تغيير الموضوع فهو نوع من تهريج المثقفين العرب .
5- أريد أن يكون واضحا للزملاء الذين يتناقشون في القضايا كما يحبونها و ليس كما هي ، أن الوضع في مصر و تونس مختلف كلية عن سوريا ، فسواء أعجبنا ذلك أو لا فالثورة قد نجحت في البلدين في تحقيق الهدف المباشر لها ، و نحن الآن في مرحلة الشرعية الدستورية في تونس و قريبا من ذلك في مصر ، اما في سوريا فالثورة مازالت في شرنقة الدم كما أطلق عليها ،و ننتظر خروجها إلى الحياة فقد تكون أسعد حظا من مصر و تونس . فقط على من يناقش قضايا البلدين أن يدرك الفرق ، فمن الغريب أن اجد زميلا عربيا يشرح للفوضويين في الشوارع كيف يهاجمون مؤسسات الدولة و البرلمان بينما ممثلي الشعب داخله بالفعل كنواب " الثورة " ، هو يعتفد انه ينصح سوري يقاتل النظام و ليس مصري يقاتل الفوضى ، و ذلك كما أراه نوع من الحول السياسي .!
.................
بالمناسبة أين العلماني ؟.
أريد بالفعل ان أسمع رأيه فخلال متابعتي المتباعدة لم اعرف موقفه ، فهو مرة يحذر من اقتراب الثورة لسوريا و مرة يحذر من يحذر من ثورة سوريا !.
هذه هي الثورة كما هي بكل مواصفاتها .. مع او ضد .