أذكر أني في تعليق لي على أحد ردودك قلت أنه لولا أني أرى اسمك و أنك صاحب التعليق لظننت أني أنا صاحبته.

و ها أنت تربط بين فيلم "الأرض" و الصورة كما ربطت أنا حين رأيتها ذات يوم
فهذا الفيلم رائع و المشهد محفور في ذاكرتي جيدا فالخيل كانت تجر المليجي و رغم كل آلام الجر و الجروح كان يغرز أظافره و يتشبث في الأرض. مشهد عظيم و مفعم بالمعاني.
و مشهد السيدة الفلسطينية يعلن بقوة و وضوح الشمس الساطعة موقف التمسك بالأرض و الهوية حتى النهاية. و هنا أتذكر قول درويش "خذوا حصتكم من دمنا و انصرفوا" . أذن لهم بحصة من السماء و الفضاء و الدم لكن الأرض لالالا.
و كون المرأة هي التي تعانق الشجرة و تتمسك بها يجعل تأثير الصورة مضاعفا فلو كان في الصورة رجل لكان الأمر اقل تأثيرا اذ أن الرجل معروف في العرف الشعب بقوته العضلية و أنه صاحب القول و القرار. لكن عندما نجد المرأة فهذا يعني أن الجنسين (المجتمع الفلسطيني كله) موقفهما واحد و المرأة لا تقل تمسكا بهذا الموقف عن الرجل.
كما أن المرأة هي التي تعيد انتاج الحياة و كذلك الأرض. وان كان المثل الشعبي يقول "الام بتلم" أي أنها تلم كيان الأسرة و تحميه من التفكك و الضياع فان الأرض تلعب نفس الدور و تحفظ كيان المجتمع و هويته و استمراريته التاريخية.
المرأة كما نلاحظ ليست صبية يافعة بل امرأة ناضجة ليعني لنا ذلك أن هذا موقفا نهائيا و استراتيجيا و خرج عن حكمة و عمر انتماء و تاريخ. كذلك كان موقف المليجي.
و رغم أن آلة القمع و الموت (كما خيول و سياط الاقطاعي في الفيلم) تقف بالمرصاد للمرأة و حياتها ألا أن المرأة تحتضن الشجرة بكل ثقلها و دون تردد أو خوف أو أي انفعال الا واحد عبر عنه الشاعر سميح القاسم في قصيدة "خطاب من سوق البطالة":

ربما أفقد – ما شئت – معاشي
ربما أعرض للبيع ثيابي وفراشي
ربما أعمل حجّاراً
وعتّالاً
وكنّاس شوارع
ربما أخدم في سوق المصانع
ربما أبحث في روث المواشي عن حبوب
ربما أخمد، عرياناً وجائع
يا عدو الشمس..
لكن لن أساوم
وإلى آخر نبض في عروقي
سأقاوم..

ربما تسلبني آخر شبر من ترابي
ربما تطعم للسجن شبابي
ربما تسطو على ميراث جدي
من أثاث
وأوان
وخوابي
ربما تحرق أشعاري وكتبي
ربما تطعم لحمي للكلاب
ربما تبقى على قريتنا كابوس رعب
يا عدو الشمس
لكن لن أساوم
وإلى آخر نبض في عروقي
سأقاوم.

ربما تطفئ في ليلي شعله
ربما أحرم من أمي قبله
ربما يشتم شعبي وأبي، طفل، وطفلة
ربما تغنم من ناطور أحزاني غفلة
ربما زيّف تاريخي جبان
وخرافي مؤله
ربما تحرم أطفالي يوم العيد بدله
ربما تخدع أصحابي بوجه مستعار
ربما ترفع من حوالي
جداراً وجداراً وجدار
ربما تصلب أيامي على رؤيا مذله
يا عدو الشمس
لكن، لن أساوم
وإلى آخر نبض في عروقي

سأقاوم.

يا عدو الشمس!
في الميناء زينات وتلويح بشائر
وزغاريد وبهجة
وهتافات وضجة
والأناشيد الحماسية وهج في الحناجر
وعلى الأفق شراع
يتحدى الريح واللجّ
ويجتاز المخاطر
إنها عودة يوليسيز
من بحر الضياع
عودة الشمس وإنساني المهاجر
ولعينيها وعينيه، يميناً، لن أساوم
وإلى آخر نبض في عروقي
سأقاوم

يا عدو الشمس
إني سأقاوم..


و ليكن صباحك مفعما بالأمل و المقاومة