عزيزي عاشق،

الثورة هي هدم للنظام المتداعي، وحين تقوم بالهدم ولا تنظف فمن الطبيعي أن يأتي المزيد من القوارض والهوام لتسكن هذا الركام، وستكون كمن يعيد إنتاج النظام.

الثورة يتلوها التنظيف، بإقصاء الوسط السياسي القديم عن الساحة، أنتم سلمتم الثورة للوسط السياسي القديم تسليم اليد، ثم راقبتم من لا علاقة له بالسياسة يتم امتطاؤه للرجوع إلى عرش فرعون، وإن لن تتداركوا ما سيحدث قريبا، يوشك أن يأتيكم فرعون أزرق الأسنان أحمر العيون منتفخ الشدقين ينفث النيران، وأول ضحاياه سيكونون الحمير والجمال والبغال الذين حملوه إلى الكرسي.

بعد الثورة والتنظيف، يأتي عمل النهضة، وهو عمل شاق مضن، لأنه يتطلب التغيير الفكري في المجتمع، وهذا أشق أنواع التغيير وأطولهم مدة، لكنه أدومها بقاء وأشدها تأثيرا.

إن أخذنا فرنسا نموذجا، فقد تمت الثورة ببضعة أسابيع، ثم تمت تصفية الوسط القديم عن طريق مدام جييوتين ببضعة سنوات، ثم دخلت البلد في فترة عدم استقرار ونكوص واستمرار حتى استقر أمرها في عام 1871. وخلال الفترة التي سبقت، تقريبا جيلين ونيف، كانت الثورة ترمي بشررها وتشعل الجوار..

ثورة فرنسا هي سبب وحدة ألمانيا وإيطاليا، وانشغال بريطانيا عن إعادة احتلال المستعمرات الأمريكية المستقلة حديثا، لأن نابوليون أجبرها على العودة إلى أوروبا طويلا.

هاي مثل من التاريخ المعاصر.

بدك كمان تشوف ثورة البلشفيك، بتلاقيها نفس الشي.


عزيزي عاشق

لا تحسب المجد تمرا أنت آكله ـــ لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

وإن كنت مفكر عزيزي أن الموجود الحالي في مصر، التي نحبها ونراها أمنا، إن كنت تظنه دولة فهي ليست إلا كيانا مع الأسف. كيانا سياسيا، ليس دولة بحال.

إن كنت تظن أن الدولة هي بلدية مسؤولة عن توصيل الخدمات الصحية وقتل الكلاب الضالة وتوزيع الكهرباء والماء وإقامة المهرجانات، فأراني أخالفك الرأي، ليست هذه هي الدولة.

الدولة لا بد أن يكون لها نظرتين سياسيتين، داخلية وخارجية، مبنية على الفكرة التي أسست الدولة وعقدها، والتي هي متجذرة في الأمة التي أقامت هذه الدولة.

وفي مصر ليس من فكرة متجذرة في الأمة حتى تنبت عليها الدولة، لا إسلامية ولا عالمانية ولا شو ما بدك، في عندك كوكتيل من كل مين إيدو إله، بجوز نسبته لا تتجاوز 5%، وفي عندك عامة الناس تعمل لقوت يومها ولا يهمها من هذا شيء.

فشو يللي بقي عندك بعدها، ما عرفان.

إن رب العالمين أكرمنا جميعا، وسقط الغول المسيطر على دمشق، ساعتها رح يكون لسقوطه صدمة ارتدادية مدوية، تعين مصر على استئناف ثورتها، تنظيف الوسط السياسي، والبدء بالنهضة.