عجيب أن يتم وضع الحصان خلف العربة ليجرها إلى الأمام.

"أوطان" يريد الزميل العلماني من الناس أن تترك كل شيء من أجلها، ومن أجل بنائها ورفعتها.

ثم حين نسأله ما هي هذه الأوطان، يتهمنا بالرجعية وإعادة اختراع العربة ومدري شو.

هذه الأوطان التي يأسف عليها العلماني الزميل ليست إلا قرارات دولية، ليس لها في نفوس من "ينتمون" إليها شيء إلا بقدر قشرة رقيقة من مناهج الإجتماعيات التي أعطيت لهم سلقا، ثم تمّ اختزالها بشخوص استبدادية دكتاتورية سامت الناس سوء العذاب.

ثم يلوم العلماني الناس أنها تركت هذا النعيم المقيم، ولجأت إلى الإسلام.

فعلا، صحيح لا تقسم، مقسوم لا توكل، وكول حتى تشبع.

كلمة الوطن، عامّة فضفاضة، يفلسفها كل كما يريد، ورأي العلماني بالوطن ليس بالضرورة رأي غيره، لا بيننا ولا بين الأمم الأخرى. فالوطن عند الأمريكي ليس هو عند الفرنسي، لكن العلماني يريد أن ينتزع مفهوما للوطن يجعله مسطرة للناس سواء العاكف في والباد. ومن يخالف فيه فإنما يعيد اختراع العجلة.

كلمة الدولة، وهي التي قد تكون أقل تنازعا بيننا، هي مفهوم حقوقي يشكل شخصية اعتبارية يمكن محاسبتها قانونيا وتجاريا وجزائيا، وقد يكون أكثر حصافة أن نلجأ إليها بدل اللجوء إلى مفهوم مضلل مائع ضبابي عام، يعني الكثير من حيث أنه لا يعني شيئا.

الزميل العزيز العلماني لا يرى السوء إلا في الإسلاميين كما يبدو، فلم أجده قد ذكر اسما واحدا من أرباب الإشتراكيين العرب الذين أوصلونا إلى حيث نحن اليوم، بدءا من ذلك الرمز الهمام الذي شرع العسكرتاريا، أعني جمال عبدالناصر، والذي جعل الاستبداد أصلا لا فرعا، والذي اتكأ على ميراثه كل مستبد مجنون، مرورا بآل البعثين، العراقي منه والسوري وغيرهما، الذين دعوا للتقدمية والوحدة والاشتراكية، وترك المواريث العتيقة، وانتهاء باليمينيين العرب، الذين يشكلون الممالك الرجعية القديمة ويبررون لها.

طبعا كل من ذكر هم خصوم مرحليين يمكن التحالف معهم، وليسوا كالإسلام العدو القديم الذي برز في غفلة من الزمان في جزيرة العربان ولا بد من الحرص من عدم عودته.

أثقلنا عليكم، والشيء بالشيء يذكر، ولا فائدة من حوار فلا بد مما سبق، فحالنا وحالهم كحال حماميز الله، أما أمر حماميز الله فقد زعموا أنه كان هناك رجل قد أدب ابنه وعلمه وفهمه، وكان اسم ولده عبدالله. وفي يوم في مجلسه نادى ابنه يا عبدالله، فما رد عليه. ثم قال يا عبدالله، فما رد أيضا. ثم قال يا ولدي يا عبدالله، فأجاب نعم يا أبت. قال لم لم ترد ابتداء، قال كلنا عبيد الله فلم أدر أي عبدالله أردت.
فكان أن أعجب رجل من الجلساء بهذا، فقام بتلقين القصة لابنه حمزة. ثم بعد أيام كان في مجلسه ونادى يا حمزة، فما رد حمزة. ثم قال يا حمزة، فما رد أيضا. ثم نادى يا ولدي يا حمزة، قال نعم يا أبت. قال ما معك أن ترد ابتداء، قال كلنا حماميز الله، فلم أدر أي حمزة أردت.

و سامحونا.