العلماني عزيزي،

أنت لا ترى هناك شيئا لتنتاقشه حتى نضعك في موضع لا تحبه. وحتى ترى أن الآخر المختلف عنك فكرة، وحتى ترى أن الآخر المختلف عنك نظير، حتى ذلك الوقت فإني سأتمتع فقط بلفت النظر إلى عوار ما تطرح من فكر، لا سيما الكيل بمكيالين.

قال شو، مافيها شي عبدالناصر يكون مستبد، لأن الله مستبد.. عزيزي على فرض أن كلامك صحيح فهو لا يبرر لعبدالناصر الاستبداد، لأن الله رب وعبدالناصر عبد، باختصار شديد، وانقل عنها.

عزيزي، ما يهمك أنت ليس بناء سوريا ولا هدمها، ما يهمك فقط هو أن لا تقع في "مخالب" الخصوم المبدئيين. لأنك عزيزي لا تختلف عنهم في نقطة جوهرية لا تريدون الإنتقال منها، وهنا يشترك معك ومع من هو في مثل رأيك بعنف كل الإسلاميين تقريبا.

أنتم يا عزيزي منهجكم هو إن قالوا كذا رددنا بكذا، وإن ردوا بكذا قلنا لهم كذا، وهذا ينفع في قاعات المحاضرات لكنه لن ينفع أبدا في نهضة الأمم.

للحظة التي أكتب فيها كلامي، لم أجد من كلا الفريقين من يقدم طرحا عمليا مبني على معاناة مع الناس، بكيفية حل المشاكل الآنية اليومية والتفاعل معها، وحتى يحصل هذا الأمر فلن تقوم لنا قائمة، بل سنستمر في هذا السجال الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. وكله مبني على التخندق حول الفكرة والشللية المترافقة معها.

أشك يا عزيزي أنك تقرأ شيئا مما أكتب لك، أو مما كتبته، أو مما أرشدتك إلى قراءته، لأنك تبني وجهة نظر مسبقة مبنية على التعميم والتنميط، فأنت تتصور الإسلام في ثوب سلفي ولحية وزبيبة صلاة ومسواك، ونظرة حادجة غاضبة تدعو بالويل والثبور وعظائم الأمور، وهو أمر مفهوم عند أصحاب النزعات الأقلياتوية ولا أفهم سبب وجوده عندك. لأن التنميط مريح، ولأن التنميط يزيل تأنيب الضمير، ولأن تحويل الخصم إلى وحش فرانكشتاين يعفي عن مناقشة ما يطرح أو العمل معه للوصول إلى شيء ما.

نيجي لموضوع الوطن.

نحن لا نتحدث عن المفهوم الجغرافي لمفهوم الوطن، نحن نتحدث عن مفهومك السياسي للوطن، والذي هو مفهوم ضبابي سهل أن يجره كل إلى حيث يريد، لا سيما وأنه لم ينبت طبيعيا في منطقتنا، بل تساقط علينا ضمن ما تساقط من مفاهيم في فترة الغزو الفكري والسياسي والعسكري الغربي. لذا لا جذر له ولا صدى في منطقتنا، مهما حاولت وحاول قبيلك ممن يرى رأيك.

كل ما هنالك أن الذي يتم تفعيله هو الصدى الغرائزي لمفهوم الوطن، وهذا أمر يشترك فيه الإنسان مع غيره، لا أكثر ولا أقل.

أرشدتك لمفهوم الدولة، لأنه سهل المتابعة الفكرية والسياسية، ليس للفت نظرك أنك إسرائيلي التابعية. أما عن ذلك، فهل تظن فعلا أنك مواطن إسرائيلي؟ وهل إسرائيل أو غيرها من الدول مجرد كيانات تنظيمية إدارية بحتة؟
الدول أكبر بكثير مما كان البعض يلقن، بزعمه أن الدولة عبارة عن حوّيطة أرض، وشوية ناس فيها، وناطور عم يحكم هالعالم، أو ما اصطلح عليه بسلطة وأرض وشعب. الدولة هي كيان تنفيذي لفكرة سياسية، ونحن نعلم ما هي الفكرة المولدة للدولة الإسرائيلية ومدى نأيك عنها.

عزيزي في شي مهم،

لا بديهيات عندي حين تناقشني، لا أنت ولا من هو من ضمن الإسلام السياسي، مع كلا الطرفين ستضطر أن تعيد شرح المفهوم بشكل يقنعني، وإلا فإني سأشكل عليك به دوما، فإما أن يعجبك هذا وتعتاد عليه، وإما أن تتجاهلني فيسمع بذلك قائنا، وإما أن تشرح الأمر بشكل يزيل اللبس فيه.

ما دفعني إلى الحديث من جديد معك ليس رغبتي بتسجيل نقاط لي أو لك، هذا أمر لا يهمني، لا سيما في مثل هذا المكان الذي لولا الثورات العربية لكان على ما تركناه عليه. ما دفعني للحديث في هذا الشأن من جديد هو إصرارك العجيب على وضع العصي في دواليب التغيير بحجة الخوف من الإسلام السياسي، وكأن الناس ينبغي عليها أن تصبر للأبد تحت حكم آل الأسد لأن العلماني يخشى من الإخوان المسلمين أو من غيرهم. على أنني أحفظ لك وأحمد فيك الجانب الإنساني الذي ينبغي أن يقف المرء عنده محترما له، فأنت عزيزي خلافا للأقلياتويين تجرّم آل الأسد بصراحة.


قال الأولون، لكل مقام مقال. وأقول أن المقام اليوم مقام هدم وليس بناء، فنحن مبتلون بأبنية رثة خربة ملأى بالهوام والجرذان وسائر الضرار. وإنفاق الوقت في التجادل كيف سيكون أمر الفيلا التي سنبنيها يوما هو من ترف المقال. الوقت اليوم ينبغي تسخيره لهدم العفن الموجود وإزالة بقاياه كافة، وهذا ما ينبغي التعاون فيه، أما البناء الجديد الذي سيأتي إن قدر للثورة في سوريا وغيرها النصر، فحينئذ فليتنافس المتنافسون، وسوف تعمل الناس معا مع الذي سيحل لها مشاكلها المتجددة، ومع الذي يقبل عليها ويعيش معها ومن أجلها، أكان ذلك إسلامي أم عالماني، وحين يأتي ذلك اليوم هلمّ فلتأتي أو من يرى رأيك ويبني في سوريا أو غيرها ما يريد، وحينذاك، حين يحل مشاكل الناس بطروحاته فستترك الناس سواه حتى لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وستقبل عليه، وهذا شأن الناس دوما.