الأخ الكريم نظام الملك .
حديثك عن أخلاق القرية هو الحديث عن قيم الأصالة العربية ،و هي تعبر عن نفسها في مجتمعات مختلفة بأشكال متعددة ، قد تكون أخلاق القرية المصرية أو الحارة السورية أو الشيوخ في بادية العرب أو ... . طلبك هذا يضعني في حيرة ، هناك اعتبارات عديدة ، أهمها أن الجهد و الوقت لابد أن يقابله مردود ،و الثمن الوحيد الذي أتوخاه هو فائدة من يتابعني ، فهل هناك هذا المتابع الآن و هل هو النوعية التي تتوخي الفائدة ؟، هناك أيضا ردود الفعل الكيدية المعتادة ، فهناك من يقوم بدور كدابين الفرح بمعنى الكلمة ، هناك من " سينط " لي في الشريط كعفريت العلبة ، ليمارس تحيزاته و تفاهته المعتادة ، بينما يجري محاباته أو التطنيش عن مداخلاته ، فهل لدي الوقت و الطاقة لهكذا ممارسات ؟، هذه الممارسات السلبية تصل أحيانا إلى حد الحقد الرخيص ، فزميل وقور يهدد أنه يسمح لي بالحديث في كل الساحات - بمزاجه – و يمكنه أن يقضي على بهجت بطعنات قلمه الرشيق !، و لم .. لأني ذكرت عرضا معلومة أراها غاية في التواضع ، أن بيت عائلة والدي في القرية كان متسعا كعادة كل البيوت القديمة ،و كان به حجرة تحمل اسم شاعر نصف مشهور هو " حفني ناصف " والد " باحثة البادية " ملك حفني ناصف ،و كان تلميذا لوالد جدي ( بالمناسبة لهذا الجد ديوان شعر باسمه ) ، و كعادة كانت منتشرة ، كان يأتي " حفني ناصف " ليلازم هذا الجد طوال الصيف في بيته ، و لأن جدي كان بالغ الوفاء لأبيه فظل محتفظا بالبيت كما هو بما فيه حجرة " حفني ناصف " ، كما ترى قصة عادية جدا ، ضربيتها كنموذج للوفاء . فما كان من هذا الزميل سوى أن يستكثر ذلك على مثلي !، معتقدآ أن كل الناس لا يحملون تاريخا يختلف عن الكراسي التي يجلسون عليها ، و رغم أن أحفاد حفني ناصف نفسه ليسوا أفضل مني ولا أكرم مني في شيء ، ماذا لو أخبرت أن والد جدي هذا عرضت عليه مشيخة الأزهر فرفضها ، بل ماذا لو كان بيننا من هو حفيد لشيخ الأزهر أو ابن لرئيس وزراء ، لماذا نعتقد أن زملائنا هنا مجرد حثالة ؟.ماذا لو قلت أن عائلتي من الأشراف و نحمل شهادت موثقة بذلك ،و أن أصولي من القطيف مازالت تحمل اسم " آل حلواني" إلى الآن ،و أن فرعا من القبيلة تعيش في حلب سوريا .. هذا و مثله 10 أو 100 مرة لا أستكثره على أحد ، أما أن يكون الإنسان وضيعا و يفترض أن كل إنسان سواه هو مجرد وضيع آخر فهذا شيء يصيبني بالغثيان . لقد تعاملت مع شيوخ درجة أولى معاملة الندية ، و تعاملت مع رؤوساء و رؤساء للوزارات و كان لي أصدقاء وزراء و محافظين ،ولي أيضا أصدقاء من أبسط المهن و أتعامل معهم بنفس التقدير و الإحترام ، تلك حقوق الأموات علينا ألا نهينهم بسوء أخلاقنا .
يبقى أن خبرتي في هذا المجال محصورة في ريف مصر القديم و بشكل أقل في مجالس الشيوخ في الخليج ، فهل هناك من هو مستعد بتجارب و ممارسات في أماكن أخرى ، مثل الأرستقراطية العربية القديمة ، أو الحارات العربية ... الخ . ذكرياتي هي مثل ذكرياتك عن والدك ،و لكن ربما لأني أكبر سنا فقد عاصرت صغيرا ممارسات كانت طبيعية جدآ و لم تعد موجودة ، بل أذكر عن والدتي و كانت سيدة قوية الشخصية تدير أرضها الزراعية الواسعة بنفسها مواقف عديدة تحمل تلك الأخلاق التي أختفت أو كادت ، ففي مرة أصرت أن أذهب معها ( كإبنها الضابط ) لزيارة فتاة فقيرة كانت تعمل عندها في " الغيط " حاملآ هدية ثقيلة في طرقات العزب المجاورة بينما الطين حتى الركب ، لأن هذه الفتاة يتيمة ولا تريد أن تصغرها في عين زوجها و أقربائه . لن أخبرك أني إلى الان أقبل يد كبار العائلة التي صرت من كبارها بالفعل ، بينما لم أكن أفعل ذلك صغيرا ،لأني أعتقد انك تفعل ذلك ، و لكن ربما الغريب أن خالتي رحمها الله ظلت تقبل يد أخيها الذي لا يكبرها سوى سنوات قليلة حتى وفاتها بينما أحفادها كن متزوجات !.
أؤكد لك أنه ربما ستجد البعض ممن تعرفهم منفتح عقليا مثل صديقك بهجت ،و لكنك لن تجد أحدآ أكثر محافظة أخلاقيا مثله أيضا ، ولا أجد أي تناقض بينهما فكلاهما صورة لتجليات أناقة الضمير . كان جدي الشيخ يقول دائما " أن الأصل يونس " وهذه حقيقة و الأصل هنا ليس المال ولا حتى العائلة الكبيرة بل البيئة الطيبة فقط .
هل تعتقد أن مثل هذا الحديث سيكون ملائما لمشارك مفترض فيه النضج يعتقد أن زملائه هنا تم أسرهم خصيصا لتسليته هو و باقي أصدقاء أحد المشرفين ، هل تعتقد أن مثل هذا الحديث يلائم إنسان يتصيد الأخطاء الكتابية و يعتبرها حجة على جهل الآخرين دون ان يسأل نفسه :" بفرض هذا الجهل ماذا تكسب أيها التافه من إثبات ذلك ؟" . هذا هو السؤال يا صديقي .