تظاهرة الإقصاء: أول الرقص حَجَلان!
تاريخ النشر: السبت 14/4/2012م الساعة 10:22ص



عدلي صادق
موقف 'الإخوان' في مصر، من مسألة ترشح عمر سليمان لانتخابات الرئاسة؛ هو أحد المواقف التي قدمت إشارات مبكرة، على ما يلوح في أفق البلاد، من المحن التي سوف يُلحقها هؤلاء بالدولة المجتمع. ليس ذلك لأن سليمان هو سر النجاة أو الأمان، وإنما لأن الإطاحة بمعنى الديموقراطية قبل أن تبدأ، لا تبشر بالخير. بل إن التمسك بفرضية أن وجود الرجل، ضمن قوائم المرشحين، من شأنه إحداث التزوير؛ هو مجرد موقف جزافي، يتجاهل عن عمد، التغييرات التي حدثت، ومنها النظام الانتخابي الجديد ومرجعياته القانونية وضوابطه. وهذا في حقيقته، انعكاس لحرص 'الجماعة' على تركيز الأصوات وعدم تشتيتها، إن لم يكن انعكاس لحرصها على إزاحة منافس قوي.

أن يلجأ 'الإخوان' الى التخوين، والى إلصاق اتهامات للرجل، دونما اعتبار لوطنية المؤسسة التي كان على رأسها، وهي ما تزال قائمة ولا تصح الإساءة اليها، لأنها ظلت على عقيدتها الأمنية بصرف النظر عن مسارات السياسة. وكل ذنب سليمان، في الخطاب 'الإخواني' أنه صعد الى موقعه في نظام ظل سقفه السياسي يحكم في غياب إرادة التغيير الشعبية. معنى ذلك أن هناك ظلماً سياسياً يلحق برجل لم يكن يمتلك القرار السياسي. وهذا أسوأ بكثير من إقصاء الأحزاب الإسلاموية، لأن لذلك الإقصاء تفسيره في الدساتير العصرية، التي تمنع الأحزاب من احتكار رمزيات الأمة وجعلها وسيلة للرواج السياسي. أما الاستناد الى تصريحات إسرائيلية متعمدة، لـ 'حرق' سليمان، فهو التغابي بعينه، لأن إسرائيل لا تحرق عملاءها. وإن كان عمر سليمان من رموز مبارك، فلماذا لا يتمتع 'الإخوان' بالمشاركة في انتخابات تجعلهم يهزمون هؤلاء 'الرموز' الذين لم توجه لهم اتهامات أمام القضاء، فيُلحقون بهم حكماً ديموقراطياً بعدم الصلاحية والإدانة الضمنية؟!

الخطير في موقف حزبين إسلامويين صاعدين، لا يحترم واحدهما إسلام الآخر، ولا إسلام عموم الناس من غير محازبيهم؛ يكمن في الفارق بين أن يفرض هؤلاء الشريعة، وأن يفرضوا 'إصلاحاً' على المجتمع نفسه باعتباره منحرفاً. فالخوف من صناديق الاقتراع، هو المعادل الموضوعي للتحسب من انحراف مفترض في سلوك الشعب. إن ما يلوح في الأفق، هو استبداد باسم الدين وبشفاعة جموع السمع والطاعة. ولو أتيح للمصريين أن يشاهدوا شريط أحداث المستقبل، فإنهم سيتوصلون الى قناعة، بأن الأداء المهني لسليمان، على رأس مؤسسة أمنية، لم يكن أكثر مراعاة للتأثير الأمريكي في المنطقة وفي العالم، ممن أصروا على عدم صلاحية الرجل لخوض الانتخابات الرئاسية. ثم إن سليمان، الذي بدأ عمله في القوات المسلحة منذ بدايات المواجهة مع إسرائيل في النصف الأول من الخمسينيات؛ تدرج في المناصب العسكرية بلغة الشرف، وثابر على التحصيل العلمي العسكري والمدني، الى أن وصل الى منصب رئيس إدارة تخطيط العمليات في القوات المسلحة، ثم نُقل الى الاستخبارات العسكرية، قبل تعيينه على رأس جهاز المخابرات العامة، وهو من خارج الجهاز. أي إن الرجل كان في قلب المؤسسة العسكرية فيما هي تقاتل، وعيب أن يأتي 'أبو حفص' أو 'أبو قتادة' ليجعله غير جدير بمجرد خوض انتخابات رئاسية انفتحت سجلاتها لكل 'أبي طاقية' يرغب في الترشح، فيأتي بعدد من التوكيلات يتعاون في جمعها أهل قريته وأصدقائه وعابرو السبيل!

في موضوع الدستور، أحبطت محكمة القضاء الإداري، المرحلة الأولى من خطة وقف التداول على السلطة، مثلما تفعل 'حماس' في غزة. هم يريدون جعل الحكم أبدياً للقوة الطافية على السطح في هذا المناخ المأزوم. ولو مرّت تشكيلة هيئة صياغة الدستور على ما كانت عليه، لجاءت المرحلة الثانية بعد وقف التداول، وهي مصادرة الدولة نفسها، التي يتوجب أن يضمن لها دستورها، بأن تظل حَكَماً نزيهاً بين الناس، بصرف النظر ـ حسب صيغة نظرية الدولة ـ عن الأشخاص الطارئين الذين يتولون مواقع المسؤولية فيها!

كان ينبغي أن يرحب 'الإخوان' بالمنافسة الشريفة، بين كل الذين لم يجلبهم القضاء الى المحاكم ولم يُصدر بحقهم أحكاماً في قضايا وجرائم بيّنة. لكن نُذر الإقصاء بدت واضحة، وأول الرقص حجلان!