ناديا وجوزفين

يصدف ان اسمها يبدأ بحرف النون وهو قبل الحرف الذي يبدا به اسمي ، اعتبرتها غنيمة وجائزة ترضية عن كل الاحلام المعطوبة ، تلك الاحلام التي رافقتني مسافة الطريق من عمان الي دمشق وشاميات في البال يأخذن العقل بجمالهن ، تفكيري كان كيف لي ان احصي ضحايا غزواتي النسائية وهل ساحتفظ بمخزون من الانوثة المهدورة عند اقدامي ام ان الاسراف فرض وواجب؟ !!
نكون في كلية الهندسة الميكانيكة والكهربائية وعدد البنات لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة ، ولذا اعتبرت نفسي محظوظا بأن نتشارك انا وهي في الورش والمعامل والمختبرات بحكم الابجدية ، وانتقلت العدوى الي باقي المحاضرات واصبحنا بكل بساطة صديقين بدرجة الاحترام ، طارت من رأسي كل الافكار الشيطانية وحلت محلها صداقة متينة هي اقرب للاخوة منها الي شيء اخر ، وكان الزملاء يطلقون علينا لقب طنجرة وغطاها واحيانا يطلقون مثل اقل تهذيبا .
وناديا هي سريانية من قرى حمص ، سمراء بعض الشيء ونحيفة الي حد ما وعلى جانب عينها اليمنى هناك ازرقاق ربما يعود الي سقوط طفولي تمت معالجته بوسائل بدائية كالكحل مثلا . وتسكن مع عائلتها التي فقدت الاب قديما مقابل الكلية في " الطبالة" وهي اقرب ما تكون الي مخيم لاجئين منها الي اي عمران دمشقي .
امتدت الصداقة الي " جوزفين" صديقتها وبنت نفس زقتها ولكنها في شعبة اخرى ، وجوزفين بنت الثامنة عشر بدينة جدا عفوية جدا صاحبة اكبر قلب عرفته ، عندما تمشي تخالها تهرول ، وتلبس دوما نلك الجاكيت الصوفي الاخضر الطويل ذو الازرار المفتوحة فيعطي لهرولتها رونقا. لا تهتم باناقة ولا بجمال ولا يهمها ذلك ولا تكترث حتى عندما كنت افسو عليها مازحاً كانت تجيبني من اطراف طيبة قلبها ، فمرة كان بين اسنانها بقايا بقدونس فمازحتها بين رهط من الزملاء ، شوه يا جوزفين ابوكِ رابطك امس في حقل؟ اجابت نعم وان الله يحب ان يرى اثار عشبه على اسنان بقرته.
لا اريد الاطالة فهي ستكون سيرة ذاتية تتنافى مع عنوان هذا الموضوع ، المهم ان الصداقة امتدت الي البيوت فكثيرا وبين المحاضرات نذهب الي بيت ناديا او جوزفين للغداء او اكل تبولة او للاستراحة الخالصة ، وامتدت الصداقة الي باقي افراد الاسرتين
في مثل هذه الايام ، عندما تلبس الارض حلتها الخضراء بتواطىء مع الفصح المجيد ، لا امتلك الا بنطلونين وقميصين ، واحدهما كشّر عن كوعه ايذاناً بالهريان من عند الكوع ويبدو انه كان واضحاً في اعلانه هذا ، جاء هذا على لسان جوزفين وهي تقول يبدو ان قميصك ملّ منك فهو يريد الانتحار .
وجاءت دعوة من ام ناديا عن طبخها لطبخة محاشي ، تناولنا الغداء واوصلتني ناديا وجوزفين الي موقف الميكروباص وكان بيد احداهما كيس فقالت جوزفين تفضلّ هذه هدية العيد .اصعد الميكرو اجد قمبصين جميلين وبلا خجل ابتسم
تذكرت ذاك القول " يؤثرون على انفسهم ولو بهم خصاصة"

مشتاق لهما