نظرية المؤامرة والقوى الخفية ليست بالشيء الجديد على الإنسان.

فهذه النزعة البدائية إلى تصور أن كل ما يحدث في الدنيا لا بد وأن يكون وراءه فعلة فاعل عاقل، سواء كان إله أو بشراً، حسناً أو سيئاً، هي أول وهم طرأ على خيال الإنسان العاقل (Homo sapiens) منذ أن "عانى" من مجموعة القفزات الأولى في تطور الجملة العصبية قبل ٥٠ ألف سنة.

ووصلنا إلى القرن ٢١ ولا زالت الغالبية العظمى من بني البشر أناس غير قادرين على التحكم بهذه النزعة.

فمنهم من تأخذه هذه النزعة إلى الدين. ومنهم من تأخذه إلى الإيمان بالجن والسحر والخرافات. ومنهم من يتمتع بشيء من الذكاء والفضول، فيستعملها ليذهب إلى الإيمان بالمؤامرات وقوى ما وراء الستار والمنظمات السرية التي تتصل بشكل أو بآخر بكائنات غير بشيرية، فضائية أحياناً وملائكية أحياناً أخرى، طيبة أحياناً وسيئة أحياناً أخرى.

يجتمع مرضى هذه النزعة في كل مكان، في المقاهي والمدارس والجامعات ومكاتب العمل ومواقع الإنترنت. يجتمعون معاً على تأليف قصة على بابا والأربعين حرامي كي تشبع جوعهم الفطري إلى متحكّم خفي وراء هذا العالم المرئي.

وبما أن المسألة بالنسبة لهم جدية للغاية لدرجة أنهم يظنون أن مصيرهم متعلق بها، فهم يخصصون لها جهوداً تراكمية مخيفة تبذلها أجيال بعد أجيال في نحت قصص المؤامرات والمخططات ما فوق البشرية. مما يجعلها بالفعل قصصاً طويلة جداً، وبحاجة إلى الكثير من الصبر للقراءة والاطلاع. فهي تتصل بالتاريخ وبالمستقبل وبالمكتشفات العلمية وبقراءات غريبة للنصوص المقدسة وبتفسيرات هوليودية لكل المبهمات من مكتشفات الحضارات البائدة.

وهم يلتصقون بهذه الروايات التصاقهم بأهلهم وأحبائهم، ويجعلونها جزءاً من زادهم الروحي، وتدخل معهم أحياناً حتى في مصرد رزقهم. وبعبارة أخرى، تصبح هذه الروايات جزءاً مهماً من هوياتهم.

وها نحن ذا…