مرحباً
في هذا الموضوع سنستعرض شرطين مهمين لمن يفكر في الديانات وما تعدنا به في نهاية رحلة حياتنا. بالتأكيد لو كنت تؤمن بوجود اله وتؤمن بوجود اديان وتسأل نفسك اي منها اتبع؟ فمن الضروري ان تسأل نفسك: هل ما تعدك به هذه الاديان متفق مع العقل او غير متفق معه؟ دعنا قبل كل شيء نبدأ باساس فلسفي لرحلتنا البحثية.

ارسطو ظن ان لكل متحرك غاية. والغاية هي الكمال الاخير للحركة اي اخر مرحلة يصل اليها الشيء المتحرك. وحينما اقول متحرك فانا لا اقصد الانتقال من مكان الى اخر. ففي الحقيقة الفلاسفة العرب لم يكونو موفقين في اختيار لفظ حركة لترجمة ما يعنيه ارسطو، فما كان يقصده ارسطو من لفظ حركة اي عملية process او تغير تدريجي او تحول او صيرورة...سمها ما شئت. الان لما اعرف ان هناك غاية من وجودي ومن تغيري المستمر في رحلة حياتي فان افضل ما يمكن ان اعمله هو ان اساير هذه الغاية ولا اعارضها. اذ من غير المنطقي ان اسير باتجاه خرابي واعارض رحلتي باتجاه استكمال امكاناتي وباتجاه الغاية التي يمكن ان ابلغها. يعبر ارسطو عن هذا بجملة مجازية: ان افضل ما يمكن ان تعمله السكين هو ان تقطع. لان السكينة الغاية من وجودها هو القطع فهذا هو افضل ما يمكن ان تعمله ... اي ان تعمل باتجاه الهدف من وجودها. يعتبر ارسطو الاخلاق هي ان تساير الهدف من وجودك واللا اخلاق هي ان تعارضها.

لحد الان عرفت ان هناك غاية من وجودي وانني يجب ان اسير باتجاهها ولكني لا اعرف حتى الان ماهي هذه الغاية. دعني انظر الى بعض الاديان واقارنها بالاسلام.

الخلاص في الاسلام هو الدخول الى الجنة والعيش فيها والاستمتاع بخيراتها وبرضوان الله وهذا هو غاية ما سيبلغه الانسان والا فان مصيره سيكون النار. يسمي القرآن هذا الخلاص بالفوز العظيم يقول:

"تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم"
"قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم"
" والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري تحتها الانهار خالدين فيها ابدا ذلك الفوز العظيم "
"ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقران ومن اوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم"
"لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الاخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم"

ربما تبدو كل هذه الوعود مغرية بما تتضمنه من جنان تجري من تحتها الانهار وفواكه طيبة وحور عين ورضا من اله يهدد بالنيران ولكن هل هذه هي الغاية من وجودي؟ وهل هذا هو اقصى ما يمكن ان ابلغه من امكانيات كانسان؟

في البوذية تجد ان مفهوم السعادة والبؤس تلعب دور محوري في فهم اسباب وجودنا والغاية منه. فحياة الانسان كلها بؤس وآلام. حتى السعادة التي نشعر بها احيانا هي سعادة مؤقتة حـُشرت بين المين فسرعان ما تزول سعادتك وتعود بائساً من جديد. فطريق الخلاص في البوذية هو الهروب من البؤس باتجاه السعادة الدائمة المطلقة التي تعبر البوذية عنها بالنيرفانا.

وحينما تنظر الى وعد الجنان نجد انه كمال مادي مؤقت. فحينما تأكل انت تشعر بلذة وتشعر بكمال مؤقت ولكن هذا الكمال سرعان ما يزول لما تتجد عندك رغبة الاكل وتشتهي تناول الطعام وقد تشتهي الحور او الخمر او انهار الالبان والعسل او التمتع بمظهر الجنة. هذا معناه ان الكمال في الجنة ليس هو اقصى ما يمكن ان ابلغه لانه يزول باستمرار. فمعنى ان تأكل الى الابد وتشرب الى الابد هو انك ستشعر دائما بنقص تحاول استكماله ماديا عبر الطعام والشراب وهذا ليس كمالاً بل هذا هو النقص كل النقص.

اضف الى هذا فان كمال الانسان في رحلته يجب ان يكون كمال نفسي على الاقل. فالسعادة مثلا لاتبلغ بوجود طعام وشراب لان السعادة هي حالة فكرية وليست حالة جسدية تنتج من شعورك بلذة حينما تأكل تفاحة او تشاهد امراة عارية.

ما يعدنا به اله الاسلام ليس هو الكمال الذي يمكن ان ابلغه كانسان وبالتالي فانه ليس الطريق المناسب لي لان الاخلاقي هو ان اتبع طريق كمالي النفسي وليس ان احصل على مدد لانهائي من الطعام والشراب. لو ان رجلاً في حياته اكتشف مغارة مليئة بالذهب والمال فهل نقول عن هذا الانسان انه اكتمل ووصل الى الغاية التي يجب علينا كلنا ان نصل اليها؟

فتبين لنا ان الشرط الاول في تحديد الدين الصحيح هو الا يتعارض مع رحلتي نحو الكمال بعد ان عرفنا ان الكمال نفسي مثلما انه مادي. وان توفير المشتهيات لايعني انك صرت كامل بل يعني انك بقيت ناقص الى الابد. الكمال معناه الا تحتاج الى مرأة عارية لكي تشعر بالراحة النفسية ولاتحتاج الى نخيل واعناب ورمان لكي تشعر بالسعادة. ممكن ان يعترض معترض قائلاً ان المعاد الاسلامي نفسي ايضا لان الله ممكن ان يغير نفسية الانسان ويرفع ما في قلبه من غل او يقول ان ما يريده المؤمن هو ان يرضى الله عنه او ان الجنة فيها ما لاعين رأت ولا اذن سمعت...الخ. والجواب على الاول هو ان اي تغيير في تكويني الجسمي او النفسي هو تغيير في هويتي وبالتالي فالذي سيتمتع بالجنة ليس انا وانما غيري لانني انا هو ما انا عليه بهذا الشكل النفسي وبهذه الحالة الفكرية فاذا غيرتها فمعناه انك حصلت على شخص اخر...هذا ليس انا. الكمال يجب ان يبلغه الانسان بنفسه اي هو الذي يتغير باتجاه الكمال ... لا ان تجري الالهة له عملية جراحية مدعومة بغسل دماغ لجعله مناسب للعيش في الجنة. اما رضوان الله وعجائب الجنة فهذا خارج عن ذات الانسان فكونك راض عني او غير راض لاعلاقة له بكوني قد اكتملت او لم اكتمل بعد.

....يتبع