الزملاء المحترمون ..

لنتعامل مع هذا الشريط كورشة عمل ، كل يعرض ما يراه حول القضية المطروحة ، مؤكدا ألا موقف محدد أتخذته بعد ، وما أسهل أن أغير أفكاري بمجرد أن أجد أمامي ما هو أفضل و ماله قدرة تفسيرية أعلى.
هل مصر على الطريق الصحيح ، مع تقديري لمن يرى أنها على الطريق الصحيح .. أقول بثقة تامة .. بالقطع لا . هذا ما يراه الجميع تقريبا مع اختلاف في تفسير ماهو الخطأ ،و من المسئول و بأي قدر . يبقى السبيل إلى تصحيح الخطأ . هل آلية الديمقراطية أم التدخل الجراحي ،ولو كان الآخير فمن هو الراغب و من هو القادر ؟.
حسنا .. سأتوقف عند آلية الديمقراطية .
هناك قول شائع نردده جميعا لأسباب مختلفه هو ؛ أن علاج الحرية يكون بمزيد من الحرية ،و أن الديمقراطية تصحح مساراها بشكل تلقائي ووفقا لآلية الليبرالية النشطة و الفعالة ، فقط ارفعوا أيديكم عن شعوبنا الحرة الواعية و ستصنع المعجزات . أتذكر أن آخر مرة استخدمت مثل هذه التعبيرات مبتكرا
" الشعوب تتعلم الحرية بممارسة الحرية " على الفيس بوك نلت عليها أكبر عدد من الليكات . خلال الأيام الأخيرة طرحت نتائج انتخابات الجزائر ،و التي أدت إلى نجاح القوى المدنية على حساب المتأسلمين ، و التي لم يكن ممكنا تحقيقها دون إلغاء العسكر لنتائج إنتخابات عام 1992 م ، رغم ذلك يراها بعض الزملاء تأكيدآ على رؤيتهم الثاقبة حول تصحيح الديمقراطية لنفسها دون تدخل خارجي !!. عموما الحديث عن النجاح الحتمي للديمقراطية أصبح ما يطلق عليه أستاذنا نعوم تشومسكي
" حدود الفكر الذي (لا يمكن) التفكير خارجه " ، و لكن هل هو حدود الفكر الذي (لا يجب) التفكير خارجه ، هذا سؤال آخر . سأذهب من أجله إلى أستاذ آخر هو "جون ستيوارت ميل" الذي يرى أنه يجب مناقشة المسلمات المتفق عليها و ليس فقط القضايا المختلف حولها ، هذا النقاش يسعى كي لا يصبح الفكر دوجما ، بما يقضي على ملكة التفكير ذاتها ، ولو كانت الفكرة صحيحة فهذه المناقشة تؤكدها و ترسخها وربما تضيف إليها ، فالتفكير السديد دائما متحرك و لا يكون أبدآ في مكان .
أوه يا بهجت .. تريد أن تخدعنا من جديد ، تريدنا أن نناقش ما تأكدنا منه جميعا خلال التويتر و الفيس بوك ، و تعلمنا على يد شباب التحرير أنه بحرق بعض الوزارات و القضاء على القوات المسلحة المصرية ستصبح الدنيا ربيع و الجو بديع و نقفل على كل المواضيع .. للأسف هذا غير صحيح .
دعنا ننظر بتركيز و عمق إلى القضية في سياقها التاريخي و العالمي .
اقتباس: نشأ مفهوم الحرية نتيجة التقدم الذي أحرزته فصائل متطورة من بني الإنسان ( و ليس بشكل طبيعي ،و ليس لكل البشر )
، و انبثق هذا المفهوم في البداية من أجل تقييد سلطة الحاكم من قبل المحكومين، و ظهرت بعد ذلك الأنظمة الديمقراطية، فأصبح القائمون على السلطة وكلاء عن الشعب، و تتمثل إرادتهم إرادة الأمة مدة إنابتهم عنها .
الحرية يا أصدقائي مغامرة في التاريخ ، قام بها جزء محدود من الجنس البشري في أوروبا ( الأنجلوساكسون ) بعد تجربة قصيرة في اليونان القديمة ، هذه التجربة نجحت و انتقلت إلى الشعوب الأوروبية الأخرى ، حتى جرى عولمتها . الديمقراطية هي أداة الحريات الليبرالية كما عرفها الغرب ،و لكنها ليست في التقاليد الإسلامية ،ولا في التقاليد الشرقية بل ولا حتى في التقاليد الغربية حتى 200 أو 250 سنة . الديمقراطية لابد أن تكون علمانية ،وهي لا تنفصل عن الرؤية الهيومانية ، التي ترى الإنسان هو مرجعية القيم ، وهي لا تنجح بشكل آلي وفقا لحتمية تاريخية كما يعتقد حسنو النية ، بل لابد من أن تتوفر شروط موضوعية لنجاحها ، هي مثل زهور التيوليب لا تنبت كالحشائش على الجسور بل في مناخ بعينه و خلال الرعاية الفائقة . الديمقراطية هي جزء من الحداثة التي تم نقلها إلى مجتماعتنا بشكل قسري ، و لذلك علينا ألا نثق في نجاحها بشكل حتمي بل لابد أن نراقبها جيدآ في كل خطوة ،و ليس برفع ( عقولنا ) عن الشعوب ، كما يطالبنا أصدقائنا حسنو النية ، فعقولنا البشرية تلك هي التي صنعت حضارة العالم و مازالت ،و لا تملك شعوبنا غيرها كي تعيش على هذا الكوكب .
الحرية تعني ببساطة الخيار بين بدائل ، و كي نختار لابد أن نعرف ، لهاذ فالمعرفة شرط مبدئي للحرية ،ومن لا يعرف ليس حرا ولا يمكن أن يكون . من يتحدث عن وعي الشعب الأمي كاذب و من يتحدث عن ذكاء أرباع المتعلمين واهم ، يقول " جون ستيوارت مل " نبي الليبرالية في كتابه " عن الحرية "
اقتباس::" لا يجوز منح الحرية قبل أن يصبح الشعب ناضجا و مدركا لصالحه، يعي حرية المناقشة و يعرف معنى المساواة ،و إلا وجبت عليه الطاعة المطلقة لحاكمه ."
و نظرآ لخطورة هذه المقولة و ما يترتب عليها ، دائما أحذر من سوء استغلال مثل تلك القضايا الثقافية ، عملآ بالمثل العربي " قول حق يراد به باطل " و في حالتنا لتبرير حكم الطغاة .
إذا لدينا موقفان و ليس موفقا واحدآ ، كلاهما له وجهاته و يستند على أسس . يبقى أن النظرة الواقعية للتاريخ العربي الحديث تؤكد على فشل الديمقراطية الكاملة الفجائية في مجتمعاتنا العربية . هذا ليس الربيع العربي الول بل سبقه ربيع جزائري أتي بالإسلاميين إلى السلطة ،و رفضه الجيش و خاضت الجزائر حربا اهلية ، وهناك الموجة الثانية التي دمرت العراق و اوصلته إلى نموذج المحاصصة الطائفية و الإرهاب ، و تركت لبنان وحيدآ في مواجهة بطش حزب الله و تظام سوريا ، و قسمت الفلسطينيين إلى كيانيين ، احدهما تحتجز فيه جماعة حماس الإخوانية مليون فلسطيني عنوة تحت سيطرتها منذ سنوات بلا أمل في خلاص ، وهاهو الربيع العربي الثالث ، مصر السلفية الضائعة المقبلة على مجاعة ، تونس درة العرب تحولت إلى إمارة طالبانية أو في طريقها ، ليبيا بعد ثورة الناتو مقسمة متقاتلة ، اليمن الشيطان وحده يعلم ماذا هناك ، وسوريا تدفع ثمن تغيرات عظيمة ولا تحصل سوى على الدمار .
هل الديمقراطية نجحت في قلب الأوضاع في غزة أم في الصومال أم في السودان ، هل نجحت في أفغانستان دون تدخل الناتو ؟.أين دخل الإسلاميون دولة و أمكن إخراجهم منها ؟.أين دخل الإسلاميون دولة دون أن يقسموها و يفقروها و يحيلونها إلى ميليشيات ، ودون أن يدفعوها إلى الإحتراب الداخلي ؟.
دعوة دعوهم يجربون و سيكتشفهم الشعب و يلقون بهم ، يذكرني بكل مآسي التاريخ ، عندما عملت الحماقة لصالح الفاشست ، يذكرني بغزة المأسورة ، بألمانيا النازية التي دمرها تخاذل أبنائها في مواجهة قطعان النازي ، يذكرني بمصر الأصولية التي يحكمها قتلة الرؤوساء و رؤوس الإرهاب العالمي .
مصر في حاجة لجراحة كما يرى العفيف .. و لكن هل هناك الجراح . وهل هو راغب او قادر ؟.