كلما قاومنا الحقائق الواقعية كلما اضطررنا لدفع ثمن باهظ جدا عندما نعترف بها متأخرا و مجبرين .
الأخ السيد مهدي .
مرحبا يا أخي الكريم .
قرأت ما تفضلت به بل و أكثر منه ، قرأت رواية شيعية واسعة عن الطوسي ،و قرأت رواية أخرى كتبها سنيون متعصبون ، و لكني غير مهتم بكل ما هو سياسي في الروايتين ، ما شد إنتباهي هو إحياء معلومات قديمة تجددت عن أثر الفكيين العرب على "كوبرنيكس" خاصة الطوسي ، و سبق أن طرحت موضوعآ معتمدآ على كتاب عبد الرحمن بدوي عن " تأثير العرب على الفكر الأوروبي " .
في قراءة التاريخ لي مقترب مختلف كلية ، فلا أعلق عند الروايات المنعزلة التي تعد بغرض الدعاية الطائفية ، لست مهتما سواء كان ابن العلقمي بطلآ أو خائنا ، أو هل للطوسي دور في إجتياح المغول بغداد ، فتلك روايات أراها كلها مضحكة و مضيعة للوقت ، سقوط بغداد حدث تاريخي لن يغيره أفراد خاصة من الجانب المنهزم ، كذلك فسلوك الأفراد خاص بهم لا يجب أن نرتب عليه أحكاما تاريخية ، لو أخطأ سني فلا يعني هذا إدانة السنة كذلك لو فعل شيعي ، تلك الرؤية المنعزلة الفردية في حد ذاتها مرض حضاري .
أرى ألا نتجاوب مع الأطروحات الكيدية و المشاحنات الطائفية ابتداء ، فتلك حقارات لا تليق بشعوب عظيمة لها تاريخنا العظيم . هل تعلم أني احترمت قرار الفاتيكان بتبرئة اليهود المعاصرين من دم المسيح ، حتى لو وضع أجدادهم دمه في أعناقهم و أعناق نسلهم ، لأنه ليس للأجداد الحق في تحميل أحفادهم أخطائهم و نتائجها ، على الأقل ليس من يؤمن بألا تزر وازرة وزر أخرى !. . لا علاقة للشيعي المعاصر بابن العلقمي سواء كان خائنا أم بطلآ ، كما لا علاقة للسني بقتلة الحسين ، محاولة إيجاد العلاقة هي محاولة غير علمية ، و غير حكيمة ، و غير أخلاقية .
يا صديقي إني ضد الهوية الأحادية الحصرية المتعالية ، كأن يكون الإنسان شيعيا أو سنيا أو مسيحيآ فقط ، كل منا متعدد الهويات قد نلتقي في 4 أو 5 منها و نختلف في 2 أو 3 نشترك فيهما مع آخرين ، هكذا تصنع الحضارة الإنسانية المعاصرة . عندما سألت عن مدى تقبل الآخر بشكل عملي أعلم بالفعل أنه غير صحيح ، فلا توجد عقيدة دينية واحدة تساوي بين متبعيها و مخالفيها أبدآ . لهذا لا يمكن أن نعيش في هذا العالم القائم على العولمة و الذي لا ينتسب لتاريخ واحد بعينه ، لو أصررنا أن نفرض تاريخنا نحن . هذا محال و لهذا فالعلمانية هي مصير حتمي ، كلما قاومنا الحقائق الواقعية كلما اضطررنا لدفع ثمن باهظ جدا عندما نعترف بها متأخرا و مجبرين .