{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 1 صوت - 5 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
غسان تويني - في ذمة الله !
العلماني غير متصل
خدني على الأرض اللي ربّتني ...
*****

المشاركات: 4,079
الانضمام: Nov 2001
مشاركة: #6
الرد على: غسان تويني - في ذمة الله !
المعلم الشمس وحده يرحل مرتين
نبيل بومنصف
قبل عقد كامل من استشهاد ابنه البكر جبران، سأله محاوره السري في احاديث المجلد الذي غدا دستور الصحافيين "سر المهنة واسرار اخرى": كيف قدرت ان تتغلب على المحن؟ وما هو سرك؟
اجاب: "لا اعرف. ما اعرفه هو اني كنت مدركا ضرورة ان اتغلب من اجل الذين تغلبت في سبيلهم، حيثما كانوا وصاروا. واكون مكابرا اذا قلت انني لم اتمن، في لحظات ضعف لعلها منتهى القوة، لو اذهب معهم، وان الاجمل ان اكون حيث سيكونون. ربما العزاء هو شعوري ببقائهم وحاجتي الى ابقائهم بكل وسائل الابقاء. السؤال الذي نطرحه دوما: هل يكبر الاموات ام يتأبدون في السن التي ذهبوا فيها؟ مثلا اذا اردت ان احكي مع عزيز او حبيب غاب هل اجده مضافاً الى سنيه كذا سنة (ولو استعادها من عمري!) ام انه لا يزال هو اياه كما كان يوم لم يكن كائناً، وانا صرت الشيخ الذي يخاطبه من شيخوخته؟ ولماذا لا يكبر معي (...)".
قطعاً لم يخطر ببال السائل، ولا اي قارىء، ان المعلم أعد مع "الاسرار الاخرى" السر الاخير الذي اخذ نفسه اليه في السنوات الثلاث الاخيرة من حياته. سر لن يقوى احد على كشفه لانه بدأ مع صمت قلم سيد الاقلام و"رحيله الاول" الى عالم الغيب وظل متمادياً الى رحيله الثاني وانتقاله الناجز الى عالم من سبقوه من الاحبة.
اعدنا المعلم، لكل شيء الا لهذه اللحظة. فكيف لنا نحن من حظينا بتفيؤ "شمس النهار" ان نجرؤ على رثاء؟ ثم ان الرثاء يكون للعاديين، فكيف يتعامل صحافي مع غياب المعلم الخالد قاهر كل العادي؟
هو على جاذبيته الآسرة وسخريته اللاذعة التي لم تفارقه لحظة حتى في عز المصائب الاسطورية التي ألمّت به، كان يثير فينا الرهبة حيا مشتعلا بالحياة. فكيف حين صار ايقونة تكاد تكون مقدسة لدينا، نحن التلامذة الذين نلهث منذ عقود لنظفر منه بعلامة، مجرد علامة، حسن سلوك في مسار "الصحافة الرسولية"؟
وما حاجتنا الى العودة الى كاتدرائيته الفكرية والصحافية ومقالاته وافتتاحياته التي كانت تملأ علينا صباحات الاثنين و"تقود " حياتنا كما حياة اللبنانيين الى كل ما يفوق معرفتنا الصغيرة الخجولة امام هول محيطه المعرفي؟ لنا جميعا في "النهار" في يومياتنا مع المعلم الشمس، دستور حياة لا يقف عند حدود "المدرسة " الدائمة بل يتجاوزها الى البعيد الأبعد.
معاناة مرعبة، لا اقل، كان المثول اليومي في حضرة الفاحص، عند صياغة الخبر وملاحقة الوقائع وكتابة التحقيق وجمع المعلومات وتدبيج المقال. كيف لك ان تقوى على الفحص وانت في حضرة اسطورة الكلمة والحضور، ذلك الذي يأسرك بصوته المغناطيسي الساحر قبل ان تقع فريسة ضعفك وجهلك امامه، مهما تراءى لك انك تبحر جيدا في سلم مواصفات استثنائية وأمام قامة بهذه السطوة والمهابة والسحر؟
أسوأ ما يصيبك ان تمثل امامه الان في هذا الاختبار الصارم القاسي مرغما على الكتابة عمن تعجز عن الكتابة عنه. كيف لنا ونحن لا نرى الصحافة و"النهار" الا عبر شمسها ان تحدق في غيابه ورحيله ونكتب عنه راحلاً وغائباً؟
لكنه علمنا ان الشمس حتى حين تغيب يصنع الصحافي من مغيبها الفجر الآتي. ألم يتحدث عن "الصحافي الشمسي" نسبة الى كتاباته ذات التعبير الشمسي الصارخ الذي لا يعكس الا الوضوح. هو القائل "كلما كتبت مقالة اشعر بانني ما كتبت الا نصف المقالة التي كنت اريد ان اكتبها. النصف الثاني هو "الليل". احس انه ليس للمقالة. يبقى لي انا، لذاتي المستترة. افترض ان ثمة بين القراء واحدا سيقرأ الشيء الاخر ويقول لي: انا فهمتك. وحين يقول لي ذلك افترض انه قرأ غير المكتوب ولو كان شرط "الليل" الا ينجلي (...)".
وفي ذلك الليل، ليل 24 ايار 2009، كان المقال الاخير. اي بداية الرحيل الاول. توقف قلمه مذذاك عن الكتابة، وجف الحبر، ولكن على الورق فقط. وان حيينا لن نحيى لنكنه سر السنوات الثلاث التي عاشها في عالم سره الاخير، كأنه في قرار اتخذه في غفلة منا جميعاً واستبق به الرحيل الاخير.
"في رأيي ان اول الصحافيين واعظمهم هم الانجيليون الاربعة. انهم اهم "مراسلين" او "ريبورتر" في التاريخ. لا يضاعيهم ربما الا افلاطون في حواراته، اذا صدقنا (ولكن كيف نصدق؟) انه يروي مناقشات سقراط مع اشخاص حقيقيين".
يقول ذلك بنزعته الفلسفية التي يضفيها على المهنة "الرسولية"، ولكن ماذا عن القليل المعبر من يومياتنا في حضرته؟
أبسط القواعد واشدها بلاغة كانت في قوله الدائم "لا احمل كل يوم علبة نياشين (اوسمة) لاوزعها على كل من جاء بخبر او كتب تحقيقا مجلا او مقالا براقا. هذا عملكم". ويقول مقرعا كسلنا البيروقراطي بنبرته المتهكمة اللاذعة "اذا كنت تكتب سياسة ومررت قرب حريق أفلا تتولى التغطية؟ وهل الصحافة مراتب ودرجات ام هي كل الحياة؟".
يأتي احدنا مزهوا بـ "سكوب" تصيده من مصدر مجهول ويطمح الى نيل اشادته او على الاقل ما يوازيها فيبدأ الاستجواب عن صدقية المصدر وهل حصل تقاطع مع كل صاحب علاقة في المعلومة (لم يكن يستعمل ابدا هذه اللفظة الطارئة بل يصر على الخبر). واذا لم تكن كل الاصول مستوفاة يصر على وجوب ان تنسب المعلومات الى مصدر واضح يكاد يكون معلوماً. كان يقول "هل كنت موجوداً بين المتحادثين لتزعم انك تكتب محضراً ؟ اذن كن صادقا مع القارىء وقدم الخبر منسوباً الى مصدره". كان التعقيد اللغوي في صياغة الخبر يغضبه فيتولى بنفسه اعادة الصياغة خصوصا في خبر "المانشيت". وبخطه الصغير المائل دوماً يملأ الورقة من فوق الى تحت بكم هائل من الجمل الاستدراكية حتى ليكاد النص الاصلي يضمحل تماماً امام روائعه التي تذكرك في كل لحظة انك محظوظ وانك ايضا أمام شيء استثنائي دوما عليك تحمل تبعته.
عشرون عاماً من زمنه فقط كنت من بين المحظوظين وسيستحيل علي كماً على جميع كبارنا وابناء جيلي والشباب الذين عشقوه الا نسقط في خوف عظيم من افول شمسه وغياب قامته ومعها اسطورة شجاعة مذهلة اختصرها ذاك الوجه الآسر بين حدي عظمة لم يجاره فيها الا عمالقة يفتقدهم لبنان والعالم ومآس لم يقو عليها الا من كان اسمه يصيبك برهبة التهيب.
06-09-2012, 01:11 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
غسان تويني - في ذمة الله ! - بواسطة العلماني - 06-09-2012, 01:06 AM,
الرد على: غسان تويني - في ذمة الله ! - بواسطة العلماني - 06-09-2012, 01:11 AM
RE: غسان تويني - في ذمة الله ! - بواسطة vodka - 06-09-2012, 04:54 PM,
RE: غسان تويني - في ذمة الله ! - بواسطة Narina - 06-26-2012, 10:29 PM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  غسان بن جدو هل يستأهل كل هذا الضجيج ...اعتبره مذيع وصحافي أقل من عادي بسام الخوري 4 1,424 05-25-2011, 08:04 AM
آخر رد: نوار الربيع
  صار عنا علي نور الله , وحجي نور الله وناقصنا عيسى نور الله بسام الخوري 2 1,698 12-02-2010, 12:14 AM
آخر رد: Free Man
Heart نايلة تويني christ ومالك مكتبي mouslem يتزوّجان «مدنياً» في قبرص بسام الخوري 3 3,707 07-29-2009, 02:49 AM
آخر رد: بسام الخوري
  غسان بن جدو - ضد التيار ...youtube بسام الخوري 4 1,043 03-22-2008, 06:36 PM
آخر رد: بسام الخوري
  ذكرياتي مع غسان تويني سيناتور 1 756 03-05-2008, 01:58 AM
آخر رد: سيناتور

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS