من مسخرات الدهر وإذلالاته… الطائفة التي تبنت القومية العربية وجعلتنا نسجد لشعاراتها بالقوة وجعلت من شعارات الوحدة العربية ما يعادل الدين الجديد للشعب السوري هي نفسها الطائفة التي تريد اليوم اجتزاء المجتزأ وإنشاء دويلة صغيرة في زاوية هذا المجتزأ!

نظام بشار يرتكب جرائماً بالأكثرية السنية تحت شعار حماية الطائفة العلوية من الأكثرية (شعار للاستهلاك العلوي فقط)، وباقي الطائفة العلوية تستعمل نفس الشعار تماماً كي تنشئ لها دولة مستقلة. لست أدري ما هو الفرق إذاً بين أحلام النظام وأحلام الطائفة!

غداً، إذا وافقت أمريكا بضغط من اسرائيل على إنشاء مثل هكذا دولة (التجزيء مهما كان شكله حلم اسرائيلي بلا شك) فلست أدري ماذا سيكون الفرق بين القتل والتدمير الذي نعيشه اليوم والقتل والتدمير الذي سنعيشه البلد كي تستطيع الأقلية العلوية انتزاع دولتها الحلم! أم أنك تظن أن تجزيء البلد يمكن أن يمر دون رفض من الأكثرية يا سيد عدنان؟

يا حبيبي... مع كامل تقديري لاعترافاتك بجرائم بشار، وإقرارك بحقيقة حافظ الأسد التي لا أنازعك عليها أبداً، واعترافك بالتبعية المؤسفة لغالبية الطائفة لابنه بشار بالرغم من كونه مجرد مجرم، أنا لا أرى في "حلم" الدولة هذا مشروع إنقاذ للأقلية العلوية أو للبلد، بل مشروع لإدخالها في صراع قد يكون أسوأ من صراعها الحالي بكثير.

ورغم أني أنتمي إلى الأقلية الشيعية، الأضعف والأقل مالاً وعدداً، والتي دعمت حافظ وتدعم بشار اليوم (مع كامل أسفي على هذه الأقلية الجاهلة)، ورغم أنني أشاركك الخوف من انتقام الأكثرية العشوائي من الأقليات، وأشاركك الخوف من عدم تمكن الثورة من إنشاء دولة علمانية، إلا أن التفكير باجتزاء البلد بالنسبة لي هو كمن يفكر بقطع يده لمجرد أن أصابها جرح بليغ.

أنا أيقن بأن مشكلة البلد ليست (ولم تكن يوماً) في الأكثرية. إنها في هذا الذاكرة الجمعية التي تعيشها الأقليات عن الظلم والإرهاب الديني والسيناريوهات المظلمة التي نتخيلها في حال تغير الأوضاع وانطلاق الإرادات. نحن نرضى بأن نشد الأحزمة على الجراح دون أن نتحقق من كونها شفيت أم لم تشفى. ونرضى بأن نرزح تحت حكم الديكتاتوريات دون أن نفتحص مجتمعاتنا كي نتحقق من إمكانية العيش بسلام بدون جلادين فوق رؤوسنا جميعاً.

هذه النظرة السوداوية إلى المستقبل هي ما يتحكم بوعينا ويحملنا على اتباع سلوك وحشي مع أبناء وطننا. وإن لم نتخلص منها ومن الحلول الغير معقولة من مثل إنشاء دول خاصة بنا فإن طبيعتنا هذه سوف تقتلنا.

أنا علي يقين بأنه حتى لو تم إنشاء مثل هكذا دولة فسيتعامل معها الشرق الأوسط بأسره مثلما يتعامل مع اسرائيل. ستكون دولة لقيطة مبنية على أساس ديني. ومهما حاول مؤسسوها "الطيبون" تغيير واقعها ستظل دولة عنصرية تضع العلوي بالدرجة الأولى وسواه بالدرجة الثانية.

إن السبب الوحيد الذي يضمن لدولة مثل اسرائيل، بالرغم من كل قوتها، الاستمرار والديمومة، هو إيمان الغرب بها على أنها أرضية ظهور المخلص العظيم يسوع المنتظر. فما هي الأرضية التي سيقبل الغرب على أساسها حماية الدولة العلوية؟ هل ستكتبون للغرب أسطورة ثانية بظهور مساعد لليسوع من دولة العلويين مثلاً؟

أسجل رفضي لهذا الحلم... ووقوفي في وجهه