أمين رشدي

الاخوة المؤمنون ان الثورة مستمرة .. الكارهون لحكم العسكر .. الواثقون من قوة حلمهم ...
تحية طيبة وبعد ..

أود ان اذكركم ان الموجة الاولي من الشمولية وقت عبد الناصر كلفت وطننا الغالي الكثير .. كلفتنا اربع حروب .. راح ضحيتها الكثيرون من ابناء شعبنا، بعضهم استشهد في صحراء سيناء وطوتهم الرمال دون ان نعرف لهم اسما او اهلا .. كلفتنا سنين من المغامرات السياسية والعسكرية والاقتصادية تخلفنا فيها عن ركب التطور وعن اللحاق بالعالم ... واهم من ذلك كله كلفتنا تغيرا جوهريا في البنية السكانية لهذا البلد .. مصر كانت بها اقلية يهودية تمثل جزءا عزيزا من تراث البلد (ليلي مراد ومنير مراد انحدرا من عائلة يهودية .. الملحن داوود حسني والذي كان له دور عظيم في تجديد الموسيقي المصرية .. صدناوي وشيكوريل الخ الخ ..) .. مصر كانت بها اقليات اوروبية، يونانية، وايطاليه، وارمنية، وخلافه ... اثروا جميعا حياتنا الثقافية وكانت القاهرة بهم مدينة كزموبولتية من الدرجة الاولي ... نستطيع ان نري بقايا هذا العصر من خلال السينما .. (والتي بالمناسبة ما كان لها ان تصبح من اهم منتجات مصر الثقافية لولا هذه الاقليات) .. نستطيع ان نشاهد الخواجه بيجو .. وياني ... نستطيع ان نستمتع باسماعيل ياسين وهو يقلد كلام اليونانين .. نستطيع ان نستمع لسيد درويش وهو يغني "محسبوكم داس صبح محتاس" ... كل هذه الحياه انتهت .. غادرت كل هذه الاقليات مصر الي غير رجعة تحت وطئة خطاب عبد الناصر الشمولي القومي الرافض للتنوع والاختلاف ... غادر اليهود مصر بعد ان خوناهم .. تستطيعون ان تقرأوا القصة الرائعة "الرجل ذو البدلة البيضاء الشركسكين" والتي تروي وقائع خروج اسرة يهودية من مصر في ستينات القرن الماضي .. وتعطي صورة مضيئة عما كانت عليه القاهره من تسامح وتنوع في ذلك الوقت ...غادر اليونانيون .. وغادر كل من هو مختلف ...

والان .. علينا ان نختار ... نستطيع ان نخدع نفسنا .. نستطيع ان نقول ان الاخوان ليسوا شموليين من نوع اخطر من عبد الناصر ... نستطيع ان نقول اننا سنقف في وجه الاخوان وسنمنعهم بقوة الحلم وقوة التغيير الذي لن يوقفه احد بعد اليوم ... نستطيع ان نخدع انفسنا كما نريد .. ولكن هل انتم مستعدون لدفع ثمن هذا الخداع؟ هل انتم مستعدون لان تفقد مصر اقليتها الوحيدة الباقية .. الاقباط ... هل انتم مستعدون ان يتحول الاقباط في مصر الي ذكري جميلة في تيترات الافلام بعد ثلاثين عاما؟ وهم من الان وحتي قبل وصول التيار الديني للسلطة قد زادت معدلات هجرتهم ولا الومهم علي ذلك....هل انتم مستعدون لتحمل وزر من سيموتون سدي في مغامرات عسكرية غير محسوبة؟ ..

تستطيعون ان توهمون انفسكم انكم قادرون بقوة الحلم الوقوف في وجه اي خطاب شمولي قادم .. ولكني اذكركم بما كانت مصر عليه في الاربعينات .... بالتنوع السياسي .. والغليان في المجتمع ... بالوفد .. بالاحزاب الاشتراكية والشيوعية .. بالاحرار الدستوريين ... بمصر الفتاه .. بالاخوان انفسهم .. بمجتمع به حياة وثقافة .. بمجتمع اقوي واكثر تنوعا ... هل استطاع كل هؤلاء ان يمنعوا الشمولية؟ هل استطاع كل هؤلاء ان يجنبوا البلد هذا المصير المظلم؟ .. ام انزووا في غياهب النسيان بعد سنتين لا اكثر؟ ...

حتي اذا كنتم تؤمنون ان الاختيار الاخر هو امتداد للنظام السابق ... فالنظام السابق لم يكن شموليا .. كان نظاما سلطويا ..... هل تتخيلون ثورة مثل ثورة يناير وقت عبد الناصر ... لم يكن هذا ممكنا .. ليس فقط بسبب القمع .. ولكن لأن الشمولية تخلق شعبا مؤدلجا .. وقاعدة شعبية لا تقبل الخلاف .. اما النظام السلطوي فيمكن اصلاحه من الداخل .. ولن نكون اول من فعل ذلك .. .. ماليزيا واندونسيا وكوريا وغيرها .. كلها امثلة لنظم سلطوية تمكنت من اصلاح نفسها من الداخل .. وتحولت الي نظم ديموقراطية بالتدريج ...

اذا اردتم المقامرة .. والمغامرة .. فلتعلمون ما هي العواقب .. فلتعلمون اي ثمن ستدفعه البلد ... فلتعلمون ان في الكفة الاخري مصر مختلفة .. لن نعرفها ولن تعود الي ما كانت عليه ابدا ..