هسبريس – نورالدين لشهب
الاثنين 25 يونيو 2012 - 13:17
اسليمي: حزب العدالة والتنمية مطالب بقراءة ثلاث رسائل سياسية يقدمها سلوك جماعة الإخوان المسلمين وجناحهم السياسي حزب العدالة والحرية

أعلنت اللجنة العليا للانتخابات بمصر يوم أمس الأحد 24 من يونيو الجاري، عن فوز "محمد مرسي" مرشح حزب العدالة والحرية، الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين، بمنصب أول رئيس لمصر بعد ثورة 25 يناير، وذلك بعد تقدمه على منافسه " أحمد شفيق" مرشح "الفلول" (بتعبير المعارضة الوطنية المصرية بشتى تلاوينها)، بنسبة 73،51% من الأصوات مقابل 27،48 %.

ويقدم مسار هذه الانتخابات ونتائجها مجموعة من القراءات السياسية التي تنطلق من أمرين اثنين: أولهما، كون الأمر يتعلق بدولة مصر الأكثر ديمغرافية في العالم العربي والأكثر تأثيرا في خارطته الإقليمية، وثانيهما، لكون مصر تعتبر الدولة التي ظل الملاحظون يراقبون ما ستنتجه حركات الربيع العربي فيها بعد سقوط نظام مبارك.

واعتبر عبد الرحيم المنار اسليمي، المحلل السياسي المغربي، في اتصال مع جريدة "هسبريس" الالكترونية، أن فوز الإسلامي" محمد مرسي" يقدم أمامنا ست صور سياسية كبرى :

التمكين للإخوان المسلمين بعد 84 عاما من الصراع مع النظام المصري

يرى اسليمي أن صعود شخص من جماعة الإخوان المسلمين إلى قيادة الدولة بعد مرور 84سنة على تأسيسها، وهي الجماعة التي لم تكن مجرد حركة دعوية دينية بل هيئة سياسية أنتجت حزبا سياسيا بعد ثورة 25 يناير، إنها حركة تشارك في الحياة السياسية من منطلق "الإصلاح في الأمة وتطبيق الإسلام وتعاليمه" حسب مرجعيتها التأسيسية، وبالتالي سوف يراقب الملاحظون طبيعة العلاقة التي ستكون بين الرئيس الإسلامي "محمد مرسي" وحزبه الحرية والعدالة وحركتهم الدعوية السياسية جماعة الإخوان المسلمين حول بعض القضايا منها قضية العلاقة مع إسرائيل مثلا، التي تعتبر الجماعة أن عدم الاعتراف بها من الثوابت التي لا يمكن تخطيها، والملاحظ بالمقابل أن محمد مرسي في بيانه الأول بعد إعلان انتخابه يشدد على انه سيحافظ على المعاهدات والمواثيق الدولية المصرية مع العالم كله .

الإخوان لا يثقون في الجيش منذ ثورة 1952 لذلك بادروا للتوافق مع تيارات أخرى

أما الملاحظة الثانية التي يقدمها اسليمي، فتتعلق بالمسافة الزمنية مابين نجاح ثورة 25 يناير والإعلان عن فوز محمد مرسي من طرف اللجنة العليا للانتخابات، إذ تبين أن الإخوان المسلمين في مصر بجناحيهم الدعوي والسياسي ارتكبوا خطأ سياسيا لما اعتقدوا أنهم وحدهم يمثلون الشارع المصري دون باقي التيارات الأخرى بما فيها الشبابية، فالإخوان المسلمين وجناحهم السياسي، حزب الحرية والعدالة، باتوا يدركون اليوم إنهم ليسوا وحدهم في الميدان وأن "محمد مرسي" وصل إلى الحكم نتيجة اتفاقات مع تيارات شبابية ونخب فكرية وسياسية لا تقاسمه نفس المرجعية الإسلامية، فهي تلتقي معه في نجاح الثورة وتختلف معه حول الباقي،لكن يبدو هنا أن الإخوان المسلمين وجناحهم السياسي استفادوا من التاريخ لما انقلب عليهم الجيش في بداية الخمسينيات بعد نجاح الثورة، فبادروا حاليا إلى التوافق مع التيارات الاخرى وقبلوا بشروطها المتمثل احدها في تشكيل حكومة ائتلافية بعد الاعلان عن فوز "محمد مرسي".

دولة الشارع ودولة العمق.. من ينتصر؟

إن النسبة المائوية المتقاربة بين مرشح الإسلاميين –مرشح الثورة "محمد مرسي" ومرشح الانقلاب على الثورة –مرشح النظام القديم "احمد شفيق"، هذه النسبة تبين أن في مصر دولتان ،"الدولة الظاهرة" او" دولة التمثل" وهي دولة الشارع والمحتجين من جهة ، و"دولة العمق" او "الدولة العميقة" التي تملك الفكرة والموارد التي تظل قادرة على الاستمرار، وتبين هذه النسبة المائوية المتقاربة، برأي اسليمي، "فكرة مفادها انه من الخطأ الاعتقاد أن قضايا النخبة هي قضايا الشعب، فدولة العمق لازالت موجودة ولازالت قوية في مصر وفي كل دول العالم العربي ،كما أن الشارع ليس بالضرورة موحدا" .

أفول فكرة انقضاض الإسلاميين على "الربيع العربي"

أما الملاحظة الرابعة فتتعلق التوافق الحاصل اليوم بين حزب الحرية والعدالة وشباب الثورة وأعضاء الجمعية الوطنية للتغيير ونخب فكر وإعلام وسياسة وتقديمهم "محمد مرسي" كمرشح للقوى الوطنية والثورية، فهذا التوافق يرى اسليمي، أنه أثناء الضغط على المؤسسة العسكرية، أعاد للثورة المصرية توازنها بعض الانزلاق نتيجة اعتقاد الإخوان المسلمين أنهم فقط وحدهم من قاد ثورة 25 يناير وحسم نتائجها، وهو التوافق الذي أنهى مع فكرة "انقضاض الإسلاميين" في مصر على الربيع العربي .

الحسابات الأمريكية: قلبهم مع الديمقراطية وسيفهم مع "أحمد شفيق"

أما دور المتغير الأمريكي في العملية الانتخابية، فالمسافة مابين إجراء انتخابات الجولة الثانية والإعلان عن فوز محمد مرسي من طرف اللجنة العليا للانتخابات "لا يمكنها أن تخفي الوضع الصعب الذي عاشه الأمريكيون الذين كان سيفهم "الديمقراطي" مع "محمد مرسي" وقلبهم وبضاعتهم مع" احمد شفيق" ،فالأمريكيون مطالبون اليوم بعد فوز "محمد مرسي" بإعادة بناء دورهم في المنطقة العربية التي تشهد وصول الحركات الإسلامية إلى رئاسة الدولة وليس فقط إلى البرلمانات وقيادة الحكومات" يقول عبد الرحيم منار اسليمي.

خطاب مرسي: تقليدي وشعبوي زادته "البيعة" تناقضا بين الديني والمدني

أما الملاحظة السادسة والمتعلقة بتحليل مضمون خطاب "محمد مرسي "بعد إعلان فوزه، يرى اسليمي أن خطاب الرئيس الجديد جاء "متناقضا لجمعه بين الديني والمدني، مما جعل المصريين يقرؤونه متأرجحين بين الطمأنة والقلق، فالكلمات مثل "لا طاعة لي عليكم" و"اعينوني ما اطعت الله فيكم " جعلت منه أحيانا خطابا تقليديا شعبويا ذو حمولات دينية، مقابل حديثه عن الدولة المدنية وتشديده على الإشادة بمؤسسة الجيش وحديثه عن الحقوق والواجبات وعن فكرة الوطن".

لكن المثير للانتباه ـ حسب رأي منار اسليمي ـ هو انه أمام هذا التناقض كانت هناك إشارة سياسية قوية مرتبطة بالمرجعية الدينية لما بادر المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين واعل عن "بيعته" ل"محمد مرسي"،من هنا يبرز التساؤل التالي: هل سيشتغل الرئيس المصري "محمد مرسي" بمرجعية الدولة المدنية ام بمرجعية الدولة الدينية المستمدة في جزء منها من شعار الإخوان المسلمين "الإسلام هو الحل" ؟ وهل سيخدم الإخوان المسلمين الدولة المدنية أم سيأكلونها ؟

ويُشار إلى أن نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية والإعلان عن فوز "محمد مرسي" سيكون لها تأثير على الأحزاب الإسلامية الحاكمة في تونس والمغرب، فرغم أن حركة النهضة التونسية لا تأخذ بمرجعية الإخوان المسلمين لأنها تعتبرها حليفا وليس مرجعية، فإن صعود رئيس إسلامي إلى السلطة يمثل دافعا سيكولوجيا للإسلاميين في تونس لتجاوز مرحلة الاختبار والترقب لما قبلوا برئاسة "المرزوقي" رغم حصولهم على الأغلبية، فالنموذج أصبح موجودا في مصر، وبالتالي من المتوقع أن يدفعهم نموذج "محمد مرسي" في مصر إلى السعي للحصول على رئاسة الدولة في المرحلة القادمة .

وأما في المغرب، يبدو أن حزب العدالة والتنمية ـ حسب رأي اسليمي ـ مطالب بقراءة ثلاث رسائل سياسية يقدمها سلوك جماعة الإخوان المسلمين وجناحهم السياسي حزب الحرية والعدالة في مسلسل الانتخابات الرئاسية المصرية :

الرسالة الأولى: إن الاعتقاد بفكرة التمثيلية الوحيدة للشارع ليست صحيحة وأن فرضية إمكانية تحريك الشارع في أية لحظة ليست صحيحة، لان الشارع تتقاسمه قوى متعددة مع الإسلاميين .

الرسالة الثانية: إن جماعة الإخوان المسلمين في مصر وجناحها السياسي حزب الحرية والعدالة عادت إلى التوازن بعد أن تخلت عن الفكرة العصبية القائمة على مقولة "أنت صالح لأنك معي" و"أنت فاسد لأنك ضدي " أو تقسيم المجتمع فسطاطين: فاسد وصالح .

الرسالة الثالثة: وهي إن جماعة الإخوان المسلمين في مصر وجناحها السياسي حزب العدالة والتنمية أعادت توازنها لما فهمت أن" دولة العمق" موجودة، وان قضايا الشعب ليست هي قضايا النخبة.

الرسالة الرابعة: إن تجربة الإسلاميين في مصر بقدر ما تقدم دعما سيكولوجيا لباقي الحكومات الإسلامية التي وصلت إلى الحكم على ظهر الربيع العربي فإنها ستختبر ميدانيا في التدبير و تحويل الخطاب إلى سياسات عمومية، الذي لازال يشكل لحد الآن خللا في عمل حكومات تونس والمغرب، فبين الانتخابات التشريعية والرئاسية فهم الإخوان المسلمون وجناحهم السياسي أنهم مطالبون بالانتقال من أسلوب "الفضائحية" إلى أسلوب "التدبيرية" ،فالشارع الذي وصل الإسلاميون على ظهره إلى السلطة، يمكنه هو نفسه أن يحتج على الإسلاميين ويبعدهم عن السلطة.