لم يُختبر بعد محمد مرسي في منصبه الرئاسي، والقليل الذي صدر عنه منذ فوزه بالرئاسة ليس في صالحه بأي حال، إن كان من حيث فشله الذريع في "إخراج" مشهد افتتاحي يليق بجلال لحظة تاريخية تولد فيها "الجمهورية الثانية" أو من حيث لغته السياسية بالغة الضحالة والشعبوية والطافحة بجلافة ريفية هي مكون أصيل في شخصية رئيسنا المنتخب، لكن كل هذا في حدود الهامش والشكليات، أما متن ومضمون ما سيكونه ويفعله محمد مرسي فما زال في علم الغيب، وليس أمامنا إلا الاجتهاد في توقع ما ينتظر مصر على يديه وجماعته.

والمهم هنا، ونحن بصدد استشراف الحقبة المرسية، أن نتحرر قدر الإمكان من كراهية الإسلام و/أو "الإخوان المسلمين"، تلك الكراهية التي سلبت الكثيرين عقولهم وأسلمتهم إلى ضرب من الهذيان مريع: هل أتاكم خبر التحذير من الخلافة الإسلامية التي يستعد مرسي لإقامتها وعاصمتها القدس؟ وكأن العالم الإسلامي (52 دولة) جاهز لتسليم مقاليد أموره إلى مرسي، وكأن القدس ليست تحت احتلال مدجج بالسلاح النووي!

من وجهة نظري، وبقدر معرفتي بجماعة "الإخوان" وأهدافهم، وفي حدود فهمي لثقافة المجتمع المصري، أرى أن محمد مرسي هو رجل المرحلة، الرجل المناسب في المكان والوقت المناسبين. هذا القادم من قلب الإسلام السياسي والملتحي لحية إخوانية مهذبة هو، بصفته الإسلامية هذه، الأقدر على معالجة التحديات المطروحة على واقعنا، ذلك أن قطباً إسلامياً يتصدر التحول الديمقراطي في مصر ويرعاه سيضفي على هذا التحول شرعية إضافية في نظر الشعب المصري على وجه العموم والمؤدلجين إسلامياً منه على وجه الخصوص. بمعنى ما ستبدو الديمقراطية وكأنها تدخل مصر من الباب الشرعي وليس على يد حاكم "علماني عميل للغرب". أما فيما يتعلق بمظالم الأقباط فالمؤكد أن خطاباً إسلامياً واضحا وحاسماً صادراً عن قيادة الدولة يعترف بحقوق المواطنة المتساوية لجميع المصريين سيكون له أكبر الأثر على وعي عامة المواطنين، وأيضاً على أداء أجهزة الدولة.

حرية الفكر والإبداع ستأخذ مدى أوسع وأعمق وسيتولى منظرو الإخوان وفقهاؤهم التأصيل الشرعي لها وسيجدون في بعض زوايا التراث الإسلامي ما يعينهم. السياحة والبنوك والأداء الاقتصادي بصفة عامة لن يبعد كثيرا عما كان عليه الحال مع حكومة الدكتور أحمد نظيف، وبكل المقاييس والحسابات يتحرك الاقتصاد المصري، الموشك على الخروج من امتحان عسير، نحو النمو والازدهار.

"عقلنة" الوعي الإسلامي (بمعنى استبدال الحجاب بالنقاب مثلاً) السائد عند أوساط شعبية واسعة بفعل التأثير السلفي مترافقاً مع عزل الأصوات والاتجاهات الأكثر تشددا سيكونان من ثمرات الحقبة الإخوانية كما أتوقعها، ودون أن نستبعد أن علاقة قوية متوقعة بين الحكم الإخواني والغرب ستساهم بدرجة ما في تحسين الوعي المشوه بهذا الغرب عند الكثير من المصريين عامتهم ونخبتهم المثقفة.

القادم مشرع على كل الاحتمالات، لكن هذه هي الخطوط العريضة لتوقعاتي، وربما ترون أنني متفائل كثيراَ، وأنا بالفعل كذلك.






.