للزملاء الذين يقتحمون حوارات لا يدرون عنها شيئا .
بعض المعلومات لن تصر .
...................................................
حوار عمر سليمان مع عادل حمودة
2012/4/13, 22:29القاهرة نت
حوار عمر سليمان مع عادل حمودة
نص الحوار الذى دار بين حمودة وسليمان
■ الهجوم الشرس من شخصيات مثقفة ومسلمة ومتنافسة علىّ يعنى أنهم يخشوننى!
■ لقاءاتى مع المشير لا علاقة لها بالترشح.. وكانت من أجل المواقف الخاصة بمساعدة مصر
■ لم نر دولة حكمها التيار الدينى ونجحت.. ومصر ستعانى من العزلة لو فاز الإخوان بالرئاسة!
■ صحف كثيرة هاجمتنى إلى حد الابتزاز.. لكننى رفضت أن أرد عليها
■ أولادى كانوا يرفضون ترشحى ثم عادوا وطالبونى بالترشح لمواجهة التيارات المتأسلمة ولإحداث التوازن بين السلطات
فى صيف 1996 اختفت سفينة صيد مصرية فى البحر المتوسط.. انشقت المياه الليبية.. وابتلعتها.. لكن.. الأنظار توجهت ناحية قرصان بدرجة رئيس دولة هو معمر القذافى.. وما أكد اتهامه معلومات سربها لى قائد بحرى فى الإسكندرية كانت مهمته البحث عن السفينة.
لم أتردد فى نشر ما توصلت إليه من معلومات فى روز اليوسف التى كنت مسئولا عن تحريرها فى ذلك الوقت.. ولكن.. قبل أن يستقر العدد بين يدى القراء أبدى القذافى غضبه مما كتبت.. ووصل غضبه إلى مبارك.. فطلب عمر سليمان أن يرانى.
سألنى عن مصدر معلوماتى.. لكننى طلبت منه إعفائى من هذه الورطة الثقيلة المهينة التى ستشعرنى باحتقار نفسى.. ودون تردد أبديت استعدادى لتحمل ما يرونه من عقاب.. بما فى ذلك تقديم استقالتى ونشرها فى الصفحات الأولى من الصحف الصباحية.
لكن.. الرجل لم يواصل ضغوطه.. وفوجئت به يقبل بتسوية مهنية للخبر.. محطما فى ثوان الصورة المرعبة لمدير المخابرات التى استقرت فى أذهاننا.. منذ عصر صلاح نصر.
فى ذلك الوقت كان نشر اسم مدير المخابرات محرما صحفيا.. أو كان نوعا من انتهاك السرية للأجهزة الخفية.. بل إن المخابرات العامة نفسها كان يشار إليها فى الصحف بجملة « جهة سيادية».. فكلمة مخابرات كان تحظى هى الأخرى بعشرات الخطوط الحمراء.
وعندما نجا مبارك من حادث أديس أبابا تسرب اسم عمر سليمان من الغرف المغلقة إلى الشوارع المفتوحة لأول مرة.. فقد أشيع أنه هو الذى شحن له سيارة مصفحة إلى العاصمة الإثيوبية كانت السبب فى نجاته.
وما إن وضعت وكالة المخابرات الأمريكية أنفها فى القضية الفلسطينية ( فيما عرف بتفهمات تينت نسبة إلى جورج تينت مدير الوكالة) حتى أصبحت السياسة الخارجية فى يد مديرى المخابرات فى المنطقة.. وأصبح وزراء الخارجية مجرد متحدثين صحفيين يلخصون ما انتهت إليه الاجتماعات والمفاوضات ويصرحون بما هو مسموح حولها.
وبهذا الانقلاب الصارخ فى المطابخ الرئاسية لم يعد هناك ما يبرر إخفاء اسم عمر سليمان.. ولم يعد هناك ما يمنع من نشر صورته.. وأخباره.. وسفرياته.
لكن.. بقى صوته بعيدا.. لا يصل إلى غالبية الناس.. فما يقوله لا يخرج من الغرف المغلقة المبطنة بأساليب الصمت.. والمحصنة بوسائل اتصال مؤمنة.. ظل كلامه غير واصل إلا لمن يعملون فى مطابخ السياسة.. ويديرون مصالح الدولة.. ويواجهون خصوم الأمة.. وهو ما جعل صورته صماء.. وربما جامدة.. جافة.. لا يعرف خصالها إلا من وضعتهم الظروف فى دائرته الضيقة.
وبحكم مهنتى الصحفية التقيت به كثيرا.. وتحدثت معه طويلا،وسمعت منه وجهات نظر فى أمور عديدة.
أحيانا كانت اللقاءات بمناسبة أحداث ما فرضتها السياسة.. مثل جمع الفصائل الفلسطينية المتحاربة على هدف وطنى واحد.. وجرى ذلك بعيدا فى أحد فنادق مدينة ( 6 ) أكتوبر.. أو مثل تغطية رحلات مبارك إلى واشنطن فى أوقات كانت العلاقات المصرية الأمريكية تتعرض لمتاعب وهزات.. أو مثل مؤتمرات شاركت فيها جنسيات مختلفة.. خارج القاهرة.
وأحيانا.. كانت اللقاءات شخصية وعابرة رتبتها الأقدار فى إجازات أعياد حين تصادف أن قضيناها فى فندق موفنبيك الشهير فى شرم الشيخ.. كان فيها يجلس وسط عائلته على موائد الطعام.. أو بمفرده فى حديقة المكان.. وقد كنت أرى أن من حقه الانفراد بنفسه أو بأسرته دون تطفل من أحد.. إلا إذا شاء.
وغالبا.. ما كانت هذه اللقاءات استدعاء منه لترميم شروخ فى العلاقات مع دول مؤثرة فى المنطقة العربية ( خاصة ليبيا والسعودية والأردن ) سببها نشر أخبار أو صور عن حكامها.
كان عمر سليمان يبرر استدعاءه لى بعد النشر بأن لدينا ملايين من المصريين يعملون فى هذه الدول.. وعلينا أن نحرص على مصالحهم قبل أى شىء آخر.
وكان اللقاء الأخير معه فى القصر الرئاسى بعد أن أصبح نائبا للرئيس.. عقب الثورة.. وساعتها وضع أمامنا خيارين لا ثالث لهما.. إما الاستسلام لحالة الفوضى المتنامية.. أو القبول بانقلاب عسكرى.
وقد اتاحت لى هذه اللقاءات الممتدة على مدى سنوات طوال رسم صورة مباشرة لشخصيته.. فهو هادئ.. متزن.. متواضع.. متماسك.. صريح.. لا ينفعل.. يستمع جيدا.. يجيد توصيل الرسائل بسهولة.. يكشف لك ما يفكر فيه بأسلوب مستقيم.. ويدلل عليه بكم مناسب من المعلومات تكفى لإقناعك بما يريد.
وحدث أن جاءت مناسبة لشرح وجهة نظره فى تأمين حدود مصر دون توتر أو صدام.. فيما يمكن وصفه بتصوره للدائرة الأولى للأمن القومى المصرى.
الحدود الغربية مع ليبيا تؤمن بسيطرة شخصية على حاكم.. مغامر.. متهور.. غريب الأطوار.. مصاب بجنون العظمة.. فكان لابد من التعامل معه على قدر عقله.. وربما تدليله.. والاستجابة لنزواته غير المحسوبة.
والحدود مع إسرائيل تؤمن بخلق مصلحة للدولة العبرية فى بقائها ساكنة ملتزمة من خلال مشروعات إستراتيجية تحافظ عليها.. مثل مد خط الغاز لتوليد الكهرباء.. وقبل ذلك مشروع مصفاة ميدور لتكرير البترول فى سيدى كرير.
أما الحدود مع السودان فتؤمن من خلال تهدئة النظام العسكرى المتأسلم والمتأمر هناك.. وكانت ذروة التوتر معه عقب احتضانه للخلية الإرهابية التى حاولت اغتيال مبارك فى أديس أبابا.. وكان الرأى أنه لا يجوز الانتقام من السودان مهما كانت الأسباب والدوافع.. فمصالحنا معه لا حدود لها.
ولا أحد يصدق أن عمر سليمان يتمتع بخفة ظل مفاجئة.. سألناه بعد أول لقاء بين مبارك وجورج بوش الابن عن رأيه فى كونداليزا رايس فقال بهدوئه المعتاد: « رجليها حلوة» .. وبالفعل كانت وزيرة الخارجية الأمريكية السمراء تتعمد ارتداء ثياب قصيرة.. وأحذية متميزة.. لشد الأنظار إليها بعيدا عن الوجه الذى خاصمته الجاذبية.
لم تكن مثل هذه التعليقات هروبا من الإجابة.. بل كانت كشفا لجانب آخر فى شخصيته.. فهو رغم سنوات عمره الطويلة التى قضاها فى المخابرات الحربية والمخابرات العامة لا يزال يتمتع بتذوق الجمل المليحة.. والموحية.
وفى هذه الرحلة بالذات تحدث الرجل كما لم يتحدث من قبل.. لقد تعودنا فى الرحلات الخارجية الرسمية أن نتبادل معه كلمات المجاملة العابرة.. دون أن نسأله عما يجرى.. لكن.. هذه الرحلة كانت الرحلة الرئاسية الأخيرة لعمرو موسى وهو وزير للخارجية.. فقد كان عليه فور عودته إلى القاهرة أن يجهز نفسه لتولى منصبه الجديد.. أمينا عاما للجامعة العربية.
وحسب خبرتى.. فإن عمرو موسى عندما يتكلم يحسب حساب صورته التليفزيونية.. مؤكدا على نجوميته المميزة.. وعندما يتكلم أسامة الباز فإنه يأخذك بعيدا عما جرى.. وبعد ساعات من الصبر.. ستجد نفسك لا تمسك شيئا.. أما.. رجل المعلومات.. غير المناور.. عمر سليمان فيكشف من الأسرار والمعلومات ما يرضى غرور أكثر الصحفيين نهما وشراهة.
على أننا لم نتصور ذلك.. والمؤكد أننا فوجئنا به.. فى واشنطن.. وعلى مائدة عشاء فى واشنطن دعانا إليها صفوت الشريف وكان وقتها وزيرا للإعلام وحضرها عمر سليمان وعمرو موسى وزكريا عزمى ورؤساء تحرير الصحف المختلفة.. وجدنا عمر سليمان وعلى غير ما توقعنا يفرط فى الإجابة عن أسئلتنا.. ولم نكن مستعدين لذلك.. فلم نجد سوى مناديل الورق الموضوعة أمامنا لنكتب عليها ما يقول من معلومات وما يكشف من أسرار.
وما يثير الدهشة فى هذا الرجل قوة أعصابه.. وتماسك ملامحه.. فهو يعرف بحكم عمله كل شىء عمن يتحدث إليهم دون أن يشعرهم بذلك.. إن المعلومات قوة مدمرة.. لكنها.. لم تخرجه عن تواضعه.. لكنه.. يقول: إن « أخلاقى لا تسمح لى باستخدام معلومة عرفتها بحكم عملى استخداما شخصيا.. هكذا تربيت مثل أهلى فى الصعيد.. ولن أتنازل عن ذلك مهما تعرضت من هجوم وافتراء».
وتأكيدا على التواضع كان يسافر إلى الإسكندرية لقضاء عطلات نهاية الأسبوع أحيانا فى القطار.. دون حراسة.. أو مواكب تسد الطرق.. وتجهز على ما تبقى من أعصاب المصريين.
والمؤكد أن عمر سليمان كان ضد مشروع التوريث.. كما أنه لعب دورا مؤثرا فى إقناع مبارك بالتخلى عن السلطة.. وجرى الاتفاق على تشكيل مجلس رئاسى يدير شئون البلاد فى الفترة الانتقالية يضم نائب الرئيس ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الحكومة وشخصيات أخرى.. ولكن.. سرعان ما تبخرت الفكرة.. وعاد عمر سليمان إلى بيته.. مختفيا عن الأنظار.
فى تلك الفترة تكلمنا معا عبر الهاتف.. نفى لى بصورة قاطعة أنه يفكر فى ترشيح نفسه.. واكتفى بالقول: « إنه يريد من الجميع أن ينسوه».. وأتصور أنه كان جادا فيما قال.. فما الذى جعله يغير رأيه.. وينزل سباق الانتخابات الرئاسية؟.. وهو سؤال شديد الأهمية لا أحد يجيب عنه سوى عمر سليمان نفسه.
الانقلاب الأخير فى حياة عمر سليمان
قبل ساعات قليلة دخل عمر سليمان مقر حملته الانتخابية فى حى مصر الجديدة بالقرب من قصر البارون.. فى نفس الوقت تقريبا.. كنت أول صحفى يقابله منذ أن ترك منصب نائب الرئيس.. وبعد أن ترشح للرئاسة.
الحوار امتد ساعات طوال تحدث فيها عن سر ترشحه المفاجئ للرئاسة بعد أن قرر قضاء ما تبقى من عمره بعيدًا عن الحياة العامة.. وتحدث عن العلاقات الخفية بين الإخوان المسلمين وجهاز المخابرات العامة.. وتحدث عن سنوات عمله فى هذا الجهاز المسئول عن الأمن القومى المصرى.
بهدوئه المعتاد.. وصوته المميز.. وأعصابه القوية.. بدأ رواية القصة من أولها:
قال:
«منذ خرجت من السلطة قررت بينى وبين نفسى أننى أديت ما على حربا وسلما لمدة 56 عاما.. وأن ما قدمته لمصر يجعلنى مكتفيا وسعيدا بما أنجزته.. ولدى قناعة مؤكدة أنه حان وقت الراحة».
«فى ذلك الوقت تحدثت مع كل الناس الذين قابلتهم وقلت إننى سوف أركن إلى الراحة.. ومنذ توليت منصب نائب الرئيس أصبحت شخصية عامة يمكن أن تتعرض للهجوم.. لم أعد مديرا للمخابرات العامة الذى يتمتع بحصانة المنصب.. وبدأت الصحف تدعى على باتهامات ربما تصل إلى حد الابتزاز.. وأنا قلت لصحفى كبير فى حوار تليفونى جرى بيننا: «أتمنى أن ينسانى الناس.. عايزهم ينسونى.. لأن ما تبقى من العمر ليس طويلا.. ومن حقى أن أرتاح.. ولا أفكر فى الترشح للرئاسة على الإطلاق».
كان عمر سليمان يقصدنى.. وقد جرى هذا الحوار بعد أيام قليلة من اختفائه عن الحياة العامة.
سألته: كيف كانت علاقتك بالمجلس العسكرى بعد أن تركت السلطة وذهبت إلى بيتك؟
قال: «كانت علاقتى بالمجلس العسكرى علاقة زمالة وأخوة.. وقدمت إليهم ما لدى من خبرة وإمكانيات فى الاتصالات الخاصة بمساعدة مصر للخروج من بعض الأزمات التى تعرضت لها.. فعلت ذلك تطوعا.. وليس تكليفا.. لم يكلفنى المجلس العسكرى بأى مهمة على الإطلاق.. لكن كل ما استطعت القيام به حدث تطوعا.. والمجلس العسكرى يعلم تمام العلم بنيتى فى عدم الترشح وبنيتى فى عدم الظهور إعلاميا مهما كانت الأسباب».
قلت: الناس لم تسمعك من قبل.. وحسب المثل الشهير.. تكلم حتى أراك.. لماذا لم تخرج وترد على المهاجمين عليك وأنت بالقطع قادر على ذلك!
قال: «باعتبارى كنت مديرا للمخابرات العامة 20 عاما فإننى تأثرت بهذه المدرسة فى الغموض والكتمان.. وبالتالى قررت ألا أظهر فى أية وسيلة إعلامية للرد على تجاوزات البعض واتهاماته.. وحدث ذلك خلال نحو عام ونصف العام تقريبا».
قلت: متى بدأ البعض يطالبك بالترشح للرئاسة؟
قال: «بعد خروجى من الساحة السياسية كانت هناك مطالبات بأن يتولى المسئولية شخص صاحب خبرة كى يواجه الآثار السلبية التى حدثت مثل الركود الذى أصاب المجتمع.. فى ذلك الوقت بدأت الضغوط على من أجل الترشح أو الظهور إعلاميا.. ولكنى كنت على موقفى وعلى مبدئى.. وأعلنت ذلك فى مجالات كثيرة ليست رسمية.. ولكن من خلال ما يسمى بحملة مؤيدى عمر سليمان أو على صفحاتهم الإلكترونية.. إننى غير راغب فى الترشح ولكن هم كانوا ينفون ما أقول لأنهم كانوا متمسكين بترشحى ولديهم أمل كبير فى أن أستجيب». سألته: «فى ذلك الوقت ماذا كنت تفعل؟».
قال: «هذه المدة قضيتها بين المنزل وبعض منازل الأصدقاء القريبين من سكنى.. ولم أظهر فى أى مجتمع إلا ما اضطررت إليه.. مثل أفراح أقاربى وأنسابى.. وفى حفل أخير وجدت كل من فيه يتوسم فى القدرة على العودة مرة أخرى للساحة السياسية والمنافسة».
«كنت دائما أقول: إن عهدنا قد ولى ويجب على الشباب الذى قام بالثورة أن يشكل عهدا جديدا.. وأن جيلنا الذى قدم الكثير لهذا الوطن يجب أن يركن إلى الراحة.. وأن يقود الشباب مسيرة التغيير والنهضة التى نتطلع إليها جميعا.. لم أقل لشخص واحد إننى لدى رغبة فى الترشح إلى أن حدث اجتماع بينى وبين مؤيدى حملة عمر سليمان.. لأشكرهم على كل ما قدموه لى والرد على بعض الاتهامات الإعلامية التى لم أتدخل أنا شخصيا فى الرد عليها.. وإنما فعل ذلك مؤيدو الحملة».
«قلت لهم إننى بصفة نهائية أرجوكم أن تعلنوا اننى لن أترشح.. وكنت صادقا فيما قلت.. ولكنى تفهمت أنهم لن يعلنوا هذا الكلام فى أى مكان فاضطررت أن أكتب بيانا وأرسله إلى وكالة أنباء الشرق الأوسط حتى أؤكد اننى غير راغب فى الترشح.. ولا توجد لدى نية فى ذلك بجانب معوقات تفوق قدرتى.. كما أننى لا لى حملة ولا عندى حزب ولا مؤيدين لهذه الحملة.. ولا عندى إمكانيات مادية مثل التى نراها مع بعض المترشحين الآخرين.. فكان لابد من أن أعتذر».
قلت: لكن.. الأمر لم يقف عند البيان!
قال: «هذا صحيح.. فبمجرد نشر البيان وكان بعد ظهر الأربعاء الماضى.. جاءنى العديد من الاتصالات تقول لى أنت مكلف ولست مخيرًا.. الشعب يريد أن تترشح ونحن وراءك.. وتجمعات جماهيرية كبيرة جاءت إلى بيتى فى مساء نفس اليوم.. ثم فى اليوم التالى الخميس.. كان من بينهم أعداد كبيرة من الشباب أيضا.. طالبونى بالتراجع عن قرارى.. وأنا أخشى التجمعات التى قد يندس فيها بعض المشاغبين واتهم بأننى سبب فى الإخلال بالأمن.. فكان على أن أتفهم هذه التظاهرات.. وهذا التجمع الجماهيرى مع ثبات موقفى بعدم الترشح».
قلت: هذا إصرار ملفت للنظر!
قال: «يوم الجمعة أسقط فى يدى أن الأعداد التى توجهت إلى ميدان العباسية أعداد كبيرة جدا من كل طبقات الشعب.. وليس كما يدعون من رجال أعمال وأقباط فقط.. كل طبقات الشعب نادت بضرورة التراجع عن عدم الترشح».
«مساء الجمعة فكرت فى إصدار بيان آخر أطالب المتظاهرين بالعودة إلى الهدوء من جديد.. وفى هذا البيان أشرت إلى أننى مستعد للعودة فى قرارى إذا ما استطعتم أن تجمعوا توكيلات تناسب القانون وأنا أعلم أنهم لا يمكن خلال 24 ساعة أن يجمعوا 30 ألف توكيل.. ولا أى معجزة من المعجزات تستطيع أن تعملها.. ولكن.. هذ الشعب عندما يريد يفعل».
«جاء 49 ألف توكيل.. ربما أكثر من هذا.. فقد ضاعت توكيلات كثيرة بسبب أننى لم يكن عندى مقر لتجميع التوكيلات.. عشرات الألوف من التوكيلات اختفت قبل أن تصل إلينا من المحافظات.. وأستطيع القول إننى لم استخدم سيارة واحدة من سياراتى الخاصة للحصول على التوكيلات أو نقلها.. لكنها وصلت كلها خلال أقل من يوم.. وحدثت المعجزة التى لم أكن أتوقع أن تحدث.
«وكنت قد أعددت بيانا آخر قلت فيه اننى كنت على استعداد للرجوع فى قرار عدم الترشح.. ولكن للأسف الشديد الوقت داهمنى ولم نستطع الحصول على التوكيلات المطلوبة.. وكان هذا البيان سوف يذاع يوم الأحد بعد غلق باب الترشح رسميا.. كنت أريد أن أقول لمن توسموا فى القدرة إننى لم أخذلهم ولم أهرب من المعركة وأنا جندى عندما أؤمر أطع».
«واعتبرت أن حدوث هذه المعجزة هو تكليف شعبى وتسهيل ربانى.. أنا مش درويش.. ولكن.. ما حدث معجزة بالفعل».
قلت: ولكنك ذهبت إلى مقر اللجنة وسحبت أوراق ترشحك قبل أن تكتمل التوكيلات!
قال: «لقد ذهبت كى أثبت جديتى.. ولكن كان فى باطنى أن الذهاب مسألة شكلية وليست موضوعية.. فى هذا اليوم قلت لمن ساندونى إننا لن نستطيع جمع العدد المطلوب من التوكيلات.. فقالوا إن هناك 4 أحزاب مستعدة فورا أن يقدموك مرشحا عنها.. وهذه الترشيحات لا تحتاج إلى توكيلات.. فصممت على عدم ترشحى إلا بتوكيلات شعبية.. لن أترشح عن حزب من هذه الأحزاب مع احترامى لها».
«بدأ الناس تتشكك فى اننى مازلت على قرارى بعدم الترشح وأن الوصول إلى أعداد التوكيلات المطلوبة معجزة لن تحدث.. بدأ اليأس يدب فى النفوس فى أن عمر سليمان لن يترشح.. وفى هذه اللحظة شعرت بتناقض حاد.. فى يقينى أننى لا أريد أن أعود إلى الساحة.. وفى يقينى أيضا أننى لا أريد أن أظهر كمحارب يهرب من معركة مطالب بها.. وفى يقينى كذلك أن من يطالبونى بالترشح هم فى أزمة ويعبرون عن معظم مواطنى هذا الشعب.. بل إن الدولة نفسها فى أزمة.. خاصة عندما قررت جماعة الإخوان ترشيح أحد قياداتها للرئاسة بعد أن أكدت أنها لن ترشح أحدا».
«بدأ المواطن يشعر أن الإخوان قد غيروا من مبدأ المشاركة إلى مبدأ المغالبة.. هذا التغيير بث فى نفوس المجتمع المصرى الذعر.. وسوف تصبغ مصر إذا ما نجح مرشح الإخوان فى الانتخابات الرئاسية بصبغة الدولة الدينية.. إن كل مؤسسات الدولة سيسيطر عليها الإخوان.. وبالتالى سوف تكون مصر فى موقف مشابه لمواقف الدول التى تحكمها تيارات متأسلمة».
«ولم نر دولة متأسلمة يحكمها تيار دينى قد نجحت.. وهو ما فرض ذعرا على نفوس المصريين.. كبيرهم وصغيرهم.. ورغم يقينى الذى ذكرته بعدم العودة للساحة السياسية.. لكننى.. كمواطن شعرت بالخوف والفزع على مستقبل أولادى وأحفادى.. ووجدت أولادى الذين كانوا يرفضون رفضا تاما فكرة الترشح يطالبوننى بضرورة الترشح حتى يحدث التوازن فى السلطات.. ويكون هناك شخص ما يمكن التحدث معه بعيدا عن التيارات المتأسلمة.. وهو ما تستفيد منه مصر.. أما إذا بقيت مصر تحت حكم هذه التيارات.. فإنها سوف تعانى العزلة.. وشعبها سوف يعانى من عدم قدرته على التواصل مع الآخرين».
قلت: يبدو أنك كنت فى صراع نفسى شديد!
قال: «نعم كنت فى صراع نفسى حاد.. ماذا إذا حدثت المعجزة ونجحوا فى الوصول إلى العدد المطلوب من التوكيلات.. ما الذى يمكن أن أقوله.. وفى الوقت نفسه لم أكن لأنسحب ومصر قد وصلت إلى حالة تغيم فيها الرؤية المستقبلية.. ويتأثر هذا الوطن العظيم.. فى النهاية شعرت بأننى لن أفكر فى عذر آخر لو حدثت المعجزة.. ووجدت نفسى مدفوعا بقوة أحمل أوراقى وأذهب إلى اللجنة فى آخر 30 دقيقة.. بانتهاء هذه المرحلة وجدت أن هناك قطاعات كثيرة سعيدة بما حدث».
قلت: ولكن كانت هناك قطاعات أخرى قد انزعجت!
قال: «أكثر من انزعاج هذه القطاعات أنها بدأت تتصرف تصرفات أعتبرها هيستيرية مع ألفاظ تجريح لشخصى كنت لا أتوقع أن تصدر من شخصيات مثقفة ومسلمة ومتنافسة».
«هذا الهجوم الشرس فى كل مكان دفعنى للتفكير والتساؤل: هل يخشوننى؟.. هل هم يريدون اغتيالا للشخصية؟.. أم يريدون أن يؤثروا فى الشعب الذى أبدى ارتياحه لترشحى؟.. وما تعجبت له موقف البرلمان الذى يؤرخ له بأنه برلمان الثورة الذى أتى بانتخابات حرة نزيهة وهى الخطوة الأولى فى الديمقراطية فى مصر.. أن يخرج بعض النواب ويتحدثوا عن إقصاء عمر سليمان بقانون.. وأنا لم أفهم حتى هذه اللحظة هل تفصل القانون للإقصاء؟ وهل تفصل بالإضافة؟».
قلت: ما فهمت من كلامك أنك تقصد القانون الذى تقدم به النائب عصام سلطان بمنع من تولوا مناصب خلال سنوات أخيرة من حكم مبارك من الترشح للرئاسة.. وفى الوقت نفسه هناك مشروع قانون آخر برد اعتبار 137 شخصية متأسلمة سبق الحكم عليها فى قضايا وصدر عفو صحى عن بعضهم مثل خيرت الشاطر.. المسألة ليست إقصاء أو إضافة.. وإنما انحراف بالتشريع.. فالقاعدة القانونية كما يعرف طالب سنة أولى حقوق هى قاعدة مجردة وعامة.. ولا يجوز أن توصف بسوء القصد.. وإلا بطل الحكم بها.. ثم والسؤال الأهم: لماذا لم يفكر أحد فى هذا التشريع الأول إلا بعد أن ترشحت للرئاسة وكان هناك مرشح آخر هو أحمد شفيق يمكن أن ينطبق عليه ذلك؟
قال: «لقد تعجبت مما عرفت.. وتساءلت هل ستتحمل الديمقراطية ديكتاتورية الأغلبية.. هل ستفصل ما تريد بالقانون؟.. هل سنعيد بعد الثورة ما كانوا يصفونه بترزية القوانين؟».
«أنت تعلم والجميع يعلم أننى لم أسع فى يوم من الأيام إلى وظيفة.. خاصة وظيفة رئيس جمهورية التى لن تكون مغنما لأى شخص.. وإذا كنت قد دفعت بمعجزة إلهية للترشح.. فأنا سأكون خادما لهذا الشعب ولست راغبا فى هذا المنصب».
سألته: هل للمجلس العسكرى دور فى دفعك للترشح؟.
قال: «زملائى فى المجلس العسكرى لم يعلموا اى شىء عن هذا التحرك الذى شرحته إلا بعد الانتهاء من إجراءات الترشح.. وفوجئوا بتغير موقفى.. ولكنى شرحت لهم ما وضحته الآن».
سألته: وموقف المشير؟
قال: «مقابلاتى معه لم تكن لها علاقة بالترشح على الإطلاق.. وإنما كانت من أجل المواقف الخاصة بمساعدة مصر فى أمور ما كما قلت».
سألته: ما موقف المجلس العسكرى من ترشحك؟
قال: « كانوا يؤيدون عدم ترشحى لأسباب شخصية ولأسباب تتعلق بالمناخ العام.. وأنا لا اقبل أن أكون مرشحا للمجلس العسكرى.. ومن يقول هذا يقع فيما يوصف بالادعاء الكاذب».