ما حدث في مصر للساعة عزيزي الراعي ليس ثورة تامّة تقطع علاقتها بما قبلها، على أنه قد حصلت مقدمة ثورة، أو نصف ثورة على الأقل.

ما حصل أن هناك دولة استبداد عسكري تحكم مصر من خلال غطاء مدني
احتقنت الناس ضد هذه الدولة تدريجيا حتى انفجرت في 25 يناير 2011
سارع المجلس العسكري الحاكم إلى النأي بنفسه عن القشرة المدنية لدولته، وقام باتخاذ دور الأب للجميع، بالمقابل قامت القشرة المدنية المعبرة عن مصالح مماليك العسكر بتسييب الأمن وإثارة الإنفلات في الدولة، حتى يصبح وجود البسطار العسكري ضروريا لإعادة النظام
قام المجلس العسكري بالتضحية برئيسه، مبارك، ثم قام بتولي شؤون الدولة، وألهى الناس بمحاكمات لا طائل منها، وانتخابات نيابية دافع عنها بعض الزملاء هنا حتى إذا آتت أكلها فضوها، وانتخابات رئاسية لرئيس دمية، وصار المتحدث باسم ثورة 25 يناير هم من أجهضها من العسكر، ومن قام بها هم إما شلة صيّع ما يفهوش حاجة، أو مجموعة من المنتفعين لا بد من تأديبهم.
لأن دولة العسكر كانت ترعى العالمانيين العرب إلى حد ما، نظرا للطبيعة العالمانية لدولة العسكر منذ تأسيسها عام 1952، فقد كبر على كثير منهم أن تؤخذ منهم الدولة، وحقيقة لم تؤخذ منهم أبدا. وبدل أن ينصرفوا إلى إيجاد دولة تنفع الناس وتحقق لهم كرامتهم وأمنهم وسيادتهم، صار شغلهم الشاغل هو إيجاد عفريت العلبة وتخويف العيال به.
نلوم الإخوان المسلمين طبعا على هذه المشكلة،
لأن الإخوان المسلمين حاطين رجل في الثورة ورجل في دولة العسكر، ومن يصنع هذا العمل عادة يتم خوزقته من أحد الطرفين، أو من الطرفين معا.
لأن الإخوان المسلمين يريدون العمل بالسياسة مستخدمين الأدوات الخيرية والتربوية، ولكل أداته.
لأن الإخوان المسلمين لا يتعلمون من الخطأ، ويتميزون بميوعة سياسية وفكرية رهيبة، فلا لون لهم ولا طعم ولا ريح، بل يكتسبون خواص المكان والزمان الذي فيه يوجدون، فهم عالمانيّون في وسط عالمانيّ، إشتراكيّون في وسط اشتراكيّ، إسلاميّون في وسط إسلاميّ. ليس عن نفاق بل عن ميوعة، والميوعة هي عدو العمل السياسيّ لا سيّما الذي يقصد به الوصول إلى النهضة.

كان الصواب العمل بين الناس ومعهم، وليس مع العسكر، من أجل إيجاد رأي عام معين ضمن المنهج المطلوب النهضة على أساسه، سواء أكان المنهج الإسلامي أم العالماني، لكن كما أرى أن الصراع ليس على النهضة والدولة بل على الحكم، وتبقى الدولة على الحال الذي كانت عليه، دولة عسكر.