أستغرب استغراب البعض لكلام فرات.
فرغم اختلافي معه ببعض عناصر التحليل، ولكني أتفق معه بالشكل وبالعمق، أي أن التساؤل ليس طائفياً، بل يمكن عده أنتربولوجياً.

والقضية ليست تعميماً بقدر ماهي محاولة للفهم، يمكن إسنادها لمنهج علمي "أنتربولوجي"، فالعلويون مثلاً يتصرفون أو يمكن عدهم إثنية بكامل معناها الأنتربولوجي.
والأمر على فكرة ليس به أي إساءة، وبالكثير من الأحيان يمكن دراسته من جوانبه الإيجابية، فمثلاً دراسة أعراس وثقافة الفلسطينيين، أو طبيعة أهل حوران لن تجد من يتحسس منها أو يعتبرها طائفية.
ولكن لكل دراسة جوانب إيجابية وسلبية.
في سوريا يمكننا "أنتروبولجياً" أن ننظر للعلويين كإثنية، وكذلك الدروز، ولكن هذا لا ينطبق على السنة، ولا المسيحيين.
فالدروز مثلاً لديهم عادات وتقاليد مشتركة، لهجة مشتركة، وربما نفسية مشتركة في بعض جوانبها، فيقول قائل: أهل جبل العرب كرام، والمقصود كما قال أحمد شوقي:
وما كان الدروز قبيل شرٍّ ... وإن أخذوا بما لم يستحقوا
ولكن ذادة وقراة ضيف ... كينبوع الصفا خشنوا ورقوا
لهم جبل أشم له شعاف .. موارد في السحاب الجون بلقُ

وأما السنة فهو تصنيف لأمة بالمفهوم الإسلامي (لا لطائفة سياسية أو إجتماعية) أو لمجموعة مذاهب، والمصطلح ذاته ظهر حديثاً ولا يعبر عن أي ارتباط حقيقي بين مجموعة من البشر، لا ثقافياً ولا اجتماعياً ولا اقتصادياً ولا طبقياً ولا جغرافياً ولا حتى دينياً.
كذلك الأمر ينطبق على مسيحيي سوريا.

لذلك فليس من المستهجن الحديث عن جماعة "إثنية" ما ودراستها، بل إن ذلك ما تحتاجه مجتمعاتنا، لسحب البساط عن الطائفية المجتمعية، للقيام بدراسة الإثنيات بشكل منهجي علمي وعلى مستوى ثقافي عالي.
كمثال وعطفاً على ما قلته أعلاه عن الدروز، فإن الشاعر يلمح أن هناك من يعتبرهم "قبيل شر". وهذه حقيقة مجتمعية، فلقد كثرت الخرافات والأساطير حول الدروز، من قبيل أنهم يعبدون العجل وغيرها من خرافات.
وبالمقابل فإن هناك ثقافة مجتمعية درزية تحقر من نبي الإسلام ومن رموز السنة وتنظر لهم بازدراء.
أمام هذا الواقع في "الشارع" علينا أن نناهضه ليس على طريقة النعامة (هذا الشيء غير موجود) بل بالشفافية وبالتثقيف، وهذا لا يمكن أن يحصل من خلال الإدعاء بعدم وجود الدروز أو العلويين، وليس أيضاً بعدم دراسته وتلاقح الأفكار بشكل علمي ومنهجي وصريح والاعتراف بوجود إثنية درزية وأخرى علوية.
وقيل قديماً وحديثاً: إذا عرف السبب بطل العجب، وأيضاً: معرفة الداء نصف الدواء.

لذا علينا أن نفهم اليوم، لماذا يقف جل العلويين (بالنسبة لي كل من أعرفهم) مع النظام مع أنهم لا يستفيدون منه مادياً. لكي نستطيع مستقبلاً أن نتفاهم في عقد اجتماعي يمثل الجميع على أسس صحيحة وسليمة. لا على أسس طوباوية من مثيل: أنت أخي وكلنا أخوة.
لأن الأحداث أثبتت أنه : مش كلنا أخوة، بل علينا أن نبني المواطنة .. فالأخوة تعبر عن أمر عاطفي غير موجود، فلسنا كلنا أخوة. بل أفراد ومجتمعات تتقاسم أرضاً وتريد أن تبني وطناً. هذا الأمر ينطبق على السني والعلوي والمسيحي، الحوراني والديري والكردي.
فلسنا أخوة، ولا نريد أن نبني عيلة سوا، وما حدا رح يورثني، بل نريد أن نتشارك بوطن واحد، على أسس سليمة وموضوعية، على أسس المواطنة. وبدون مصارحة لن يحدث هذا.
فالغرب نفسه وبعد العلمانية بسنين كتب أساطين العقل فيها عن المسألة اليهودية وعن مسألة الأقليات، ولم يعدها أحد يومئذ طائفية، يمن فيهم ماركس وفرويد ذوي الأصول اليهودية.
فلا بد لنا ربما من دراسات في المسألة العلوية.

تحياتي