بعيدا عن عفة لسانك معي، فإن هذا علم، وقد أمرنا أن نعلم الناس حتى لو أساؤوا إلينا، فأبتدئ مقالي بالنفور من حظ الشيطان بيننا والقول الله يسامحك إن كان قولك لي غضبا لله، ويوليك نفسك إن كان قولك لي غضبا لبشر أو لنفسك.

ندخل المهم،

في الأصول الحديث الصحيح هو ما رواه العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه إلى رسول الله من غير شذوذ ولا علة قادحة
الشذوذ هو مخالفة الراوي من هو أوثق منه، ومن المعلوم أن الصحيح أوثق من الحسن، والمتواتر أوثق من الصحيح
وفي الأصول أيضا أن النسخ في الأحكام، أما الأخبار فلا نسخ فيها ولا يتصور وقوع النسخ في الأخبار.

بناء على ما تقدم، فإن الراوي الثقة لديك الذي هو البخاري قد تعارض ما ينقله عن الراوي الأكثر ثقة والذي هو الرواية المتواترة لكتاب الله، فمن البديهي أن يكون الكتاب هو الأصل لأنه قطعي، والبخاري فرع منه لأنه ظني. من المعلوم بداهة أن قطعي الثبوت هو فقط القرآن والسنة المتواترة، ولا إشكال في ظني الثبوت كالسنة الصحيح والحسنة لأن الله قد تعبدنا بغلبة الظن أيضا كما هو معلوم، ومن القرآن ما هو ظني في دلالته رغم قطعية ثبوته مثل آية القروء وغيرها فيأخذ حكم ظني الثبوت أيضا من التعبد فيه.

الخلاف هنا بين صحيح البخاري وقصة خميس الرزية من جهة وكتاب الله هو خلاف في الأخبار وليس الأحكام، والفرق بينهما أن الخلاف في الأحكام من الممكن تأويله بأن يكون أحدهما ناسخ للآخر أو مخصص أو مقيد أو مفسر له، أما الخلاف في الأخبار فلا يحمل إلا على أن الخبر القطعي المتواتر هو الصحيح والخبر الذي يقل عنه درجة في الصحة ليس له محل من الإعراب ومرفوض حتما، وإلا للزم الجمع بين نقيضين وهذا لا يصح عند العقلاء.

الخلاف في الخبر هنا بين تعهد الله عز وجل بعصمة رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم حتى يبلغ كلام ربه، هذا هو الخبر الأول أن الله تعهد بهذه العصمة، وهنا العصمة المذكورة ليست هي العصمة من الخطأ، تلك دليلها مختلف، العصمة المذكورة هنا هي العصمة من الناس، العصمة من الأذى والحيلولة بين الرسول وتبليغ كلام ربه. هذا هو عهد الله لمحمد أن يعصمه من الناس حتى يبلغ كلام ربه.

الخبر المنقول يفيد أن الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وآله الطيبين الطاهرين قد قبض إلى ربه ولم يبلغ ذلك الكتاب الذي يزعم البخاري والبوطي وحضرة جنابك أن فيه عصمة للأمة من الضلال.

حين أجمع الخبرين فإما أن عهد الله لمحمد بالعصمة من الناس حتى يبلغ الوحي صحيح فحينذاك لا يستطيع عمر ولا غيره أن يمنع الرسول من التبليغ لا ومحمد على فراش الموت ولا وهو على كرسي الحكم.
وإما أن عمر أو غيره قد حجبوا محمدا عن تبليغ الوحي للناس يوم خميس الرزية، ومات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد خميس الرزية بثلاثة أيام والدين ناقص والوحي محجوب، فيكون عهد الله لمحمد قد نقضه عمر.

حين أجمع هذين الخبرين الذين لا ينجمعا بحال، فإنني أنظر في درجة صحة كل منهما، العهد بالعصمة متواتر لأنه قرآن، وحديث خميس الرزية في أقصى درجاته صحيح، ومن المعلوم أن المتواتر حجة على الصحيح وليس العكس، لأن المتواتر قد رواه الجمع الغفير الذي يؤمن تواطؤهم على الخطأ والكذب والنسيان، أما الصحيح فقد رواه عدل ضابط عن مثله وهؤلاء بشر يتسرب إليهم كل ضعف البشر.

لذا فأنا آخذ آية العهد بالعصمة، وأرد بها حديث خميس الرزية دراية،

غفر الله للبخاري وآجره على جهده خيرا، وولى البوطي من تولى من طواغيت الأرض أعني بشارا وآله وزبانيته، وحشره الله في محشرهم يوم القيامة وأعاذنا من شرهم في الدارين.

نرجع لما قد جعلته أنت افتراضات وأوهام،

هذا يا عزيزي من عجلتك لنصرة البخاري وبطئك عن نصرة رسول الله فقد غفلت عن قراءة الحديث الذي نص صراحة على ما تزعم أنت أنني أفترضه

"ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا" على خلاف الروايات، راجع الروايات وتدبرها، واجعل جهدك نصرة نبيك وليس نصرة البخاري والبوطي، بل ولا نصرة عمر.

اللهم صل على النبي الأمي محمد وآله الطيبين الطاهرين، وارض اللهم عن أصحابه المجتبين الأخيار من المهاجرين والأنصار، أذكر منهم أبا بكر وعمر من المرضيين الأخيار.