الفرق بين الطائفة والأمة،

الطائفة هي تلك الجماعة القبلية التي تتخذ من فكرة مذهبية معينة طريقة لتجميعها، بنفس طريقة رابطة الدم القبلية، ويغلب على الطائفة أنها منعزلة وقلما تسمح بدخول دم جديد فيها، وإن كان قد وجد طوائف شبه منفتحة.

الأمة هي الجماعة التي تضم الجميع غالبا، وتحتوي الطوائف كجماعات فرعية فيها، مرنة مطاطة لا يوجد هناك ما يشبه الرابط القبلي فيها وإن كان يوجد رابط ثقافي قوي بين أعضائها.

ما سبق هو محاولة للفهم، وليست تعريفات.

بناء على ما سبق، قد نجد طوائف تامة الإنغلاق أو شبه منغلقة
من الطوائف تامة الإنغلاق كما يبدو للمراقب من الخارج
الدروز، العلويون، السامريون...

من الطوائف شبه المنغلقة
الموارنة، اليهود، الأقباط، الأرمن، ...

الطوائف السابقة شبه منغلقة لأنها تكاد تكون محصورة على قوم بعينهم، كتجمع إثني، وهي وإن كانت تقبل انضمام الغريب إليها، لكنه سيبقى غريبا مقبولا، وسيبقى هناك مسافة إثنية بينه وبين سائر الطائفة.

من المذاهب التي تتصرف كأمة،
السنة، الشيعة، الكاثوليك، البروتسنت إجمالا، الأرثوذكس الغير مرتبطين بإثنية، البوذيون،...

مع ملاحظة أن المذاهب السابقة تتصرف أيضا كطائفة في حالات واضحة، مثل السنة في إيران، الشيعة في لبنان، الكاثوليك في بريطانيا في عهد اليزابيث، البروتسنت في فرنسا في عهد لويس الرابع عشر، وهكذا.. في أي وقت تفقد فيه الأمة الرغبة في التوسع، وتكتفي بالعمل من أجل البقاء فقط، فإنها تغامر بالتحول إلى طائفة تزداد انغلاقا مع الزمن.

تعاني الطوائف غالبا من حالة وجودية، فهي تحارب لتبقى على قيد الحياة بكل ما يثير ذلك من غرائز متوحشة، وهي تحارب للاعتراف بشرعية وجودها ومكانتها في الأمة التي تحتويها، وهي تحارب أيضا للمحافظة على تميزها عن هذه الأمة، وهي تحارب لمنع تسرب أبنائها إلى غيرها. لذا فإن الطوائف غالبا ما تكون متوحشة صعبة المراس قريبة من العادات القبلية الجاهلية إن لم تكن قد تجاوزتها في الجاهلية بمراحل.

أما الأمة فهي وعاء ثقافي كبير متميز، مرنة مطواعة، تنتقل من حال إلى حال بكل انسيابية وربما دون نظر إلى الخلف، وهي وإن كانت تهزء بالطوائف الملتصقة بها، لكنها لا تخشى منهم ولا تسعى إلى إبادتهم إلا في حالة تورطهم في تهديد وجودية الأمة.

العلويون كموضوع نتناقش فيه هنا، هم طائفة منغلقة، فلم يحدث إنتقال جماعي أو فردي على مستوى كبير أو حتى صغير فيما بلغني، لانتقال مسلمين أو غير مسلمين إلى الطائفة العلوية. هي طائفة تجتمع على المذهب السري، وينتقل المذهب مع الدم من الأب إلى الإبن بنفس انتقال القبلية.

العلويون قد أثاروا ردود فعل حادة في بدايات عصر الإنحطاط الشرقي عند الأمة في المشرق، ونعني بالأمة هنا الكثرة التي كان العلويون يعيشون معها، وهنا هم السنة بشكل عام والعرب السنة بشكل خاص.
سبب إثارة ردة الفعل الحادة هذه لم يكن موقف العلويين من أبي بكر وعمر، ولا موقفهم من علي بن أبي طالب كما تفهمه الأكثرية، بل كان موقفهم من كل من الغزو الصليبي والمغولي وتواطؤهم مع أعداء الأمة في تهديد وجود الأمة، بما أدى إلى ورود فتاوى حادة بحقهم، وتم استغلال آراؤهم الدينية سياسيا ضدهم من أجل تأليب عامة الناس وسوادها عليهم.

لمراجعة موقف العلويين من الغزو الصليبي، من الممكن مراجعة كتاب الحروب الصليبية كما رآها العرب لأمين معلوف. وفتاوى إبن تيمية مع مخالفتنا له، تشتمل في دفاعها عن فتاواه على موقف العلويين من الغزو المغولي. مع تسجيل أنني شخصيا لست بالضرورة مع هذه الآراء رغم نقلي لها، أنا أحاول أن أكون موضوعيا هنا.

بمراجعة آراء الإسلاميين في القرن العشرين من الطوائف القائمة في المشرق، نجد أنهم يبررون رفضهم لهذه الطوائف لمواقف سياسية من هذه الطوائف. هذه المواقف تؤدي على المدى الطويل أو القصير إلى هزيمة الأمة وتمكين عدوها منها. من ضمن هذه المواقف التي تثار، تحالف الموارنة مع الانتداب الفرنسي، تحالف اليهود مع الانتداب البريطاني، استعادة تحالف الدروز مع توسكانة وإثارة إمكانية تحالفهم مع بريطانيا في وقت ما من القرن التاسع عشر.

نجد بالمقابل أن الطوائف التي لم تتورط في النزاعات السياسية الكبيرة بين الأمة وعدوها الغربي لم يتم الإشارة إليها أبدا في أدبيات الإسلاميين. فلا نجد مطلقا من يحذر من النساطرة أو السامريين، ولا نجد في الكتابات الأولى للإسلاميين أي تحذير من الأقباط الأرثوذكس وتعاملهم مع عدو الأمة، مع أننا نجد هذا التحذير اليوم بما يحققه تورط أقباط المهجر في التعامل مع السلطات الأمريكية ضد الأمة. هذا التورط أدى إلى انعكاس خطابات بعض الإسلاميين عبر التاريخ القريب لتسجيل كل ما يشتبه به من أعمال فكرية قبطية وتجييرها بأثر رجعي أن تكون نوعا من التعامل مع السلطات المحتلة لمصر حينذاك، أعني بريطانيا.

عودة من العصف الذهني، أرى أن ما يشكل الطوائف ويجعلها خطيرة هو التهديد الوجودي، سواء منها أو عليها. فحين تشعر الطائفة أنها مهددة في وجودها فإنها ستصبح مؤذية خطيرة للأمة الكبيرة التي تعيش معها، حتى لو كان هذا الشعور بالتهديد كاذبا. وحين تشعر الأمة أن هذه الطائفة تهدد وجودها بشكل أو بآخر فإنها ستتعامل معها بحدة وإقصائية، حتى لو كان هذا الشعور بالتهديد كاذبا.

على أن الأمة لكبر حجمها ولغياب الرابطة القبلية-المذهبية من أبنائها فإنها ستستغرق وقتا حتى تلاحظ تهديد الطائفة لوجودها، مع وجود تيار معارضة ملحوظ وممكن لهذا الشعور بالتهديد. الأمة ليست على قلب رجل واحد، فقد تجد بعضا منها لا يرى هذا التهديد الوجودي ولا يوافق عليه ولا يقبل الاستعداء للطوائف بشكل وجودي. بل قد تجد من يدعو لدمج الطوائف تحت هذه الأمة بتغيير مسماها، من مثل اقتراح تسميتها بالعرب بدلا من المسلمين، أو بالسوريين بدلا من العرب، حتى يتم استيعاب الطوائف الإثنية أو المذهبية في الأمة، بل وقد تجد أن بعضا من الأمة يدعو صراحة مع وجود قبول عام له، إلى تغيير الوعاء الثقافي للأمة حتى يسهل عليها صهر ودمج الطوائف المتعددة، من مثل استبدال الرابطة الإسلامية بالعالمانية، أو بالقومية العربية، أو حتى بالوطنية السورية الضيقة. وذلك ليس إلا لإعادة إدخال الطوائف إلى الأمة من باب آخر غير الباب الذي أدى إلى انفصالها وتميزها.
هذه العملية الجديدة من الدمج قد تواجه عند الطائفة بموقف استعدائي تسلقي، لأن الطائفة تكتسب وضعها عن طريق تميزها، وحين نلغي تميزها كطائفة علوية أو درزية أو مارونية، فإننا إنما ندخلها إلى الأمة بكل ما فيها من تيارات ثقافية متباينة قد تؤدي إلى تسرب أبنائها منها. انظروا على سبيل المثال تسنن الإسماعيليين في سوريا، أو شيوع البروتستنتية بين الموارنة أو الأقباط الأرثوذكس. وهذا قد يؤدي إلى ردة فعل باطنية حادة لا تظهر على المراقب الخارجي من قبل الطائفة نظرا لخوفها من الفناء عن طريق التسرب.

الطائفة حساسة لأي انفتاح، لأن الإنفتاح بغض النظر عن لونه، سينهي الطائفة. يستوي ذلك أن تدخل الطائفة في إسم الأمة العام، أو في اختراع اسم ومضمون جديد للأمة يسمح للطائفة بالدخول فيها من باب مختلف. وهذا سيؤدي إلى خسارة الزعماء التقليديين للطوائف لمواقعهم القيادية، فالكاردينال صفير أو الكاردينال الراعي كقادة سياسيين للموارنة لن يكون لهم محل من الإعراب حين يتم النظر إلى الموارنة أنهم لبنانيون أولا أو عرب أولا أو شوماكان قبل أن يكونوا موارنة، وشيوخ عقل الطائفة الدرزية لن يكون لهم موقع من القيادة السياسية لجمهور الدروز حين يتم النظر إلى الدروز أنهم سوريون أولا أو عرب أولا، وهكذا دواليك. لذا نجد أنهم يحاربون هذا الدمج بالسيطرة على الدولة التي يقيمون فيها، ذلك أن أبناء الطائفة لن يعتبوا أن يتركوها حين يدخلون في مسمى الأمة الجامع، لأن الناس تبع لما يحقق لهم المصالح ويصرف عنهم المفاسد، وما أمر التدين والتمذهب يعني الكثير منهم حتى لو بدا المجتمع متدينا. معظم المتدينين يصنعون كذلك كدور اجتماعي يتعلق بقبولهم ضمن الجماعة الصغيرة المحيطة، وقل من يصنع ذلك ورعا حتى لو زعم غير ذلك.

معلش تحملونا، مجموعة من الأفكار الغير مرتبة أحببت أن أشارككم بها وأن أفكر بها بصوت مرتفع، اعذرونا على أي خربطة في التوزيع الفكري بين النتيجة والسبب وما يشبه ذلك من مشاكل المناطقة.