مصر تمشي على خط رفيع بين غباء الإخوان وميوعتهم السياسية والفكرية، وانتهازية الفلول إلا من رحم ربي.

والطريق التي تسير عليه مصر خطير جدا، لأنه سيعيد مبارك مع كلمة آسفين، ومع جزمة ثقيلة على قفا كل من ثار ضده.

طبعا السبب الرئيسي ليس انتهاز الفلول بقدر ما هو غباء الإخوان وميوعتهم.

الإخوان كحزب سياسي، وهنا لا يقولن أحد أنهم جمعية، ينبغي أن يعلنوا للناس هدفهم السياسي وطريقة الوصول إليه، ويدعوا الناس له. فإن كان هدفهم هو الدولة الإسلامية فليعلنوها جهارا نهارا، وليتحدوا من يخالفهم في هذا الإعلان فكريا، وليعلنوا ما هو شكل الدولة الإسلامية التي يدعون إليها، وما هي أدلتهم من الكتاب والسنة على هذا الشكل، وكيفية الطريقة للوصول إلى هذه الدولة، وما هي الأدلة على هذه الطريقة، وما هي المبررات التي تدفعهم للتوجه نحو الدولة الإسلامية، ثم ليتحدوا مخالفيهم من العالمانيين وغيرهم في مناظرة علنية ونقاط واضحة تجعلهم مشلولين عن التهييج ضدهم.

لكن الواقع أن الإخوان ليس لهم مشروع محدد للدولة الإسلامية، وليس لهم مفهوم واضح ملموس تستطيع أن تمسكه وتحاكمه وترى مدى انطباقه على أصوله، بل وليس لديهم أصول فكرية أو سياسية من الممكن اتخاذها أساسا لمحاسبتهم عليها، بل هم كالماء يتشكلون حسب الوعاء الذي هم فيه، فالدولة الإسلامية عندهم قد تكون مملكة أو جمهورية أو فيدرالية وفق الدولة التي يعيشون فيها. وحين ينعدم شكل الفكرة فإن الطريقة إليها ستكون بالضرورة ضبابية ومتخبطة.

الإخوان المسلمون على الحقيقة يدعون إلى نفس نظام الحكم الذي يعيشون تحته، مع الحرص على إطالة لحية هذا النظام وإلباس زوجته الحجاب، والسماح لبعض الأناشيد الخاصة بهم، والسماح لإشرافهم على التجمعات الكشفية والطلابية ورياض الأطفال، وهذه المشاريع لا علاقة لها بالتغيير ولا بالسياسة ولا بالنهضة. لكن هذا هو ما يعرفون وهذا هو ما يدعون إليه الناس.

ودعوتهم إلى نفس نظام الحكم الذي يعيشون تحته تجعلني أجزم أنهم في مجال السياسة عالمانيون، قد لا يكونون ديمقراطيون بالضرورة، لكنهم عالمانيون قطعا، حتى لو صاموا وصلوا وحجوا وأطالوا اللحى وأعفوا الشوارب، لأن هذه الأفعال الأخيرة شخصية ولا تؤثر في وجهة النظر السياسية.

من يدعي أنهم إسلاميين، فعليه أن يثبت ذلك. حتى أنا لا أستطيع أن أثبت أنهم عالمانيون رغم ادعائي عليهم بهذه، لأنهم باختصار لا لون لهم، ولا مرجعية فكرية.

المشكلة أنهم بفعلهم هذا قد سعوا سعيا دؤوبا لضرب أي مشروع جاد للإسلام السياسي، سواء موجود اليوم على الساحة أو من الممكن أن يوجد مستقبلا. يعني دورهم الاستحماري هذه المرة كان بوأد مشاريع الإسلام السياسي الغير إخوانية.

أتوقع أن يتم إقصاء مرسي والإخوان بعد أن تم الانتهاء منهم كمرحلة أولى بطلب من الشعب، ثم ركوب الفلول على ظهر الثورة والعودة إلى قصر عابدين ثائرين هذه المرة، ثم اعادة تفعيل جهاز أمن الدولة وتصفية الثوار الحقيقيين بتهمة التعاون مع الإخوان المسلمين، وكأن تاريخ الخمسينات يعيد نفسه.
أو البديل هو الفوضى العارمة، التي تستمر بضعة سنوات، حتى تصير مصر نموذجا للثورة الفاشلة التي خربت وما عمرت.