عودة إلى الحديث،

قد تأخرت بعض الشيء لأن ما قيل كان يحتاج إلى إمعان نظر وطول تأمل،

ابتداء، فإن موقفي الشخصي من الخلافة ومفهومها وكيفية الوصول إليها لا علاقة له بمفهوم الإخوان المسلمين، ولا بمفهوم الزميل الكريم. ذلك أنني لا أراها مصيبة قد حصلت في التاريخ، بنفس القدر الذي لا يرى الإيطاليون الجمهورية الرومانية مصيبة في تاريخهم. بالإضافة أنني أرى أن الإيمان بالخالق "المدبر" هو الأساس الذي من خلاله أنظر إلى العالم كما أن غيري يرى أن فصل الدين عن الحياة والدولة، أو أن "لا إله"، أو ربما غير ذلك، هو الأساس الذي ينظر من خلاله إلى العالم. هو موضوع خارج عن النقطة التي نتحدث بها لكن التنويه له ضروري لفهم أن كوني ضد مفهوم وطريقة الإخوان المسلمين لا يعني أنني ضد الإسلام السياسي ومفاهيمه. بل العكس هو الصحيح، ذلك أنني أتبنى الإسلام السياسي ومن أجل ذلك أرى أن الإخوان المسلمين هم من المصائب التي ألصقت بهذا التيّار الفكري للحيلولة دون وصوله إلى المجتمع وتمكنه من قيادة الأمة والناس كما ينبغي له أن يكون.
على أنني لا أجد أن المكان هنا، أعني نادي الفكر، بناد مناسب لطرح الأفكار وتفاعلها، دون قصد الإهانة، فلذلك لم أناقش رؤيتي للإسلامي السياسي وكيفية تطبيقه هنا، ولست بساع إلى هذه المناقشة. لذا فأرجو من يرغب بنقاشي ضمن رؤيتي هذه أن يعرض عن ذلك صفحا، لأنني ببساطة لست مهتما.

نأتي إلى المهم، وهو موضوعنا، وهو رؤية الإخوان المسلمين للدولة الإسلامية وكيفية تطبيقها،

يدّعي الزميل الكريم على الإخوان المسلمين أنهم يدعون إلى الخلافة، فهل هذا صحيح؟
هل الخلافة حزورة لا يمكن فهمها، يفسرها كل كما يريد؟ أم لها شكل واضح منضبط من النصوص الشرعية؟ بغض النظر عن وجودها في التاريخ من عدمه، فهوذا الدولة الفدرالية الأمريكية أو الإتحاد السوفيتي لم يوجدا في التاريخ ثم وجدا في وقت ما من بدايات القرن التاسع عشر أو العشرين على الترتيب دون أن يؤثر عليهما ذلك، فوجود التجربة في التاريخ من عدمه لا يؤثر على مدى إمكان تطبيقها من عدمه، على أن ذلك ليس موضوعنا على أية حال.

في أي كتاب أو نص أدبي إخواني، يتم تناول نظام الخلافة المطلوب بناؤها أركانا وقواعد وتفصيلا؟ ومن ثم ربط ذلك بنصوص شرعية إسلامية، حتى نقول أن هذه الخلافة هي الخلافة الإسلامية، بمعنى أن الإسلام هو السبب في بحثها ووجودها؟
هل الخلافة كما يفهمها الإخوان هي نظام ملكي، جمهوري، امبراطوري، ديمقراطي، غير ذلك؟ وهل هذا الفهم ملزم لهذه الجماعة في مصر وغيرها؟ أم أن الجماعة قد تركت الحبل على غاربه لمنتسبيها، كل يفهم الخلافة كما يريد؟
هل هناك في جماعة الإخوان المسلمين مفهوم التبني الملزم؟ بحيث أن هناك تصور واضح ومحدد من قبل الجماعة لفكرة سياسية ما، يعمل عليها كل الإخوان؟ أم أن المفاهيم السياسية ضمن الجماعة هي من باب كل ينتقي ما يحلو له؟
ما هي فلسفة النظام الإقتصادي لدى الإخوان المسلمين؟ وأين نجدها في أدبياتهم؟ ولا نعني هنا فلسفة النظام بمعنى أن الربا محرم أو أن الزكاة واجبة، على أن الزكاة ليست من أحكام النظام الإقتصادي بل هي عبادة محضة مثل الصلاة. بل نعني فلسفة النظام الإقتصادي أن هناك مضمونا عاما يمكن أن يندرج تحته كل مفاهيم النظام الإقتصادي، على غرار مفهومي "دعه يعمل دعه يمر" و "حرية التملك" اللذان يندرج تحتهما كل مفاهيم وتطبيقات النظام الإقتصادي الرأسمالي، أو على غرار أن "النظام يستخرج من أداة الإنتاج" و"تملك المجتمع والدولة لأدوات الإنتاج" و "من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته" من المفاهيم التي تنبثق عنها معالجات النظام الإقتصادي الشيوعي بأسرها.

هل وضع الإخوان المسلمون طريقة واضحة ومحددة ومنبثقة من أدلة شرعية واضحة ومحددة لكيفية بناء الدولة الإسلامية التي هي كما يدّعى عليهم أنها هي الخلافة، أم أنهم قد تركوا ذلك لكل فرد منهم يصطنع ما يراه مناسبا من طرق، سواء أكانت هذه الطرق مستندة على النصوص الشرعية التي هي من القرآن والسنة، أم مستندة على الهوى والتشهي والرأي؟

النتيجة كما أرى:
الإخوان المسلمون لا يزعمون أنهم يملكون شكلا واضحا ومحددا للدولة الإسلامية، لا أنها خلافة ولا أنها أي شكل آخر، ثم حتى الأدبيات التي سمت الخلافة كإسم، لم تجعل لها مفهوما واضحا ومحددا تتبناه الجماعة وتسعى له، ولا يصح لنا أن ننسب لهم ما لم ينسبوه لأنفسهم. فهم يدعون أنهم يعملون لإقامة الدولة الإسلامية ثم يتركونا معلقين لا ندري ما هي هذه الدولة الإسلامية التي يدعون لها، وما هو الدليل أن الذي يعملون لإقامته هو إسلامي ابتداء أم هو شيء يرونه هم، ثم يسمونه إسلاميا لاجتذاب الناس ومنافسة غيرهم من السياسيين.
الإخوان المسلمون لا يطرحون فلسفة أو فكرة عملية يتم استخراج النظام الإقتصادي منها، والذي ليس هو علم الإقتصاد، والذي هو أوسع وأكبر من أن يكون حكم تحريم الربا وما شابه، النظام الإقتصادي هو النظام الذي يبحث في كيفية اكتساب الثروة وسبل إنفاقها، والذي هو أمر يتعلق بسلوك الإنسان كفرد ومجتمع ودولة. وهذا ليس بحال علم الإقتصاد الذي يبحث في الندرة النسبية للبضائع والحاجات، والذي هو أمر يتعلق بمادة الكون دون ملاحظة أثر سلوك الإنسان عليها بالضرورة.

بعد ذلك، لا أجد لدى الإخوان إلا شعارات لا مضمون فيها، وهذا الأمر قد سبق لعبدالمجيد ذنيبات، المراقب العام للإخوان المسلمون في الأردن، أن صرح به في جريدة الدستور الأردنية الصادرة في عام 1994، حيث قال بالمعنى كما أذكر:
حين طرحنا شعار الإسلام هو الحل، كنا نقصد شعارا انتخابيا، والناس انتخبت مرشحينا على ظنهم أن هناك حلا نطرحه من الإسلام. لكننا لم نقصد أكثر من الدعاية الإنتخابية.

شعار الإسلام هو الحل، أو شعار لا حكم إلا حكم الشريعة، هذه ليست شعارات ذات مضامين فكرية إسلامية أو غير إسلامية حتى نستطيع حوارها. ذلك أننا نريد من الإخوان كتنظيم أو قيادات أن يوضحوا لنا بالألم نشرح مضمون هذا الشعار، والطرق العملية لوضعه محل التطبيق.

أخيرا وليس آخرا،
نظام العقوبات، أعني الحدود والقصاص، ونظام الأحوال الشخصية، أعني الزواج والطلاق والميراث، لا علاقة لهما بالضرورة بنظام الدولة. وإن أردنا تسمية دولة ما وفق نظام عقوباتها لكانت الدولة المصرية فرنسية لأن نظام العقوبات الحالي فيها مشتق من الأصل الفرنسي، وهو أمر لا يدعيه أحد. نظام العقوبات المطبق في أي دولة لا يحدد هويتها ولا علاقة له بكونها إسلامية أو فرنسية.