على فكرة هذا الكاتب من أشد الكارهين لفتح والسلطة وشارك في حملة الجزيرليكس والبربوغندا التحريضية التي شنتها على السلطة واتهمتها بالموافقة على التنازل على 98% من أراضي الضفة لصالح إسرائيل. وأتحفظ على كثير مما ورد في مقاله.
أكبر من مهرجان .. أقل من «لحظة تحوّل» * عريب الرنتاوي
عريب الرنتاوي
في غزة، يعيد التاريخ نفسه، وإن بطريقة معكوسة، موزعاً “سُخريته” على الجميع بالتناوب..تتبدل معها المواقع والمواقف والأوزان والأحجام والديناميكيات والمفاجآت..مهرجان انطلاقة فتح والثورة بالأمس، فاجأ أصحابه بالقدر الذي فاجأ خصومهم ومجادليهم المحليين، تماماً مثلما جاءت نتائج انتخابات 2006، ومن بعدها “الحسم/الانقلاب” في 2007، مفاجأة للمنتصر والمهزوم على حد سواء.
غزة خرجت عن بكرة أبيها للمشاركة في العيد الثامن والأربعين للرصاصة الأولى..”مليونية” فتح، جاءت مذهلة بكل الحسابات والمقاييس والمعايير..والتفاصيل التي تابعتها مع أصدقاء في غزة، أولاً بأول، كانت تشي وتشير، إلى أن “شيئاً ما” عميقاً، حدث ويتفاعل في قطاع غزة منذ سيطرة حماس منفردة عليه..نصف القطاع، وفي بعض التقديرات ثلثي البالغين فيه، خرجوا من منازلهم مبكرين للمشاركة في الاحتفال / الحدث.
ليس كل من خرج إلى المهرجان فتحاوياً، هذا مؤكد..وليس كل من صوّت لحماس في انتخابات 2006 حمساوياً..المحتفون بفتح اليوم، والمصوتون لحماس بالأمس..كثيرون منهم فعلوا ذلك من باب “النكاية بالآخر”، أو بالأحرى من باب الاحتجاج على “هيمنة” فتح ابتداءً وسطوة حماس لاحقاً..إنه الشعب الفلسطيني وقد قرر أن “يعاقب” بطريقته الخاصة، كل فريق يسعى للاستئثار والهيمنة والتفرد وفرض اللون الواحد (سياسياً واجتماعياً وثقافياً)..إنه الشعب الفلسطيني وقد قرر أن يبعث برسالة حاسمة مفادها، أن لا بديل عن الوحدة والمصالحة ولم الشمل، فالتعددية الفلسطينية، كما الوحدة الوطنية، خط شعبي أحمر، سيُعاقب كل من يحاول كسره أو اجتيازه.
أمس بدا المشاركون في المهرجان، في كل ما هتفوا وصرحوا وصاحوا به، أنهم كانوا كمن خرج من “زنزانته” للتو..المرأة التي تحدثت عن “الانفجار” الذي كان يتفاعل في جوفها، قبل أن تقذف بحممه في مهرجان الأمس، لخصت المشهد بعبارات شديدة الصدق والوضوح..والفصائل التي شاركت في المهرجان، كانت تجد فيها نافذة لحريتها التي افتقدتها منذ سنوات طوال..وفتح التي “مُسّت” كبرياؤها الوطنية شعرت أنها تستعيد زخم انطلاقاتها الأولى في عيد انطلاقتها الثامنة والأربعين.
أنه أكثر من مهرجان، إنها لحظة تحوّل في المزاج الشعبي العام، بدءا من قطاع غزة، لا ندري إن كانت مرشحة للاستمرار والتصاعد والتفاعل، أم أنها ستتوقف عند هذه الحدود..وسوف نكون بحاجة لمناسبة مماثلة، لنتعرف على طبيعة وعمق التحولات في الضفة الغربية بعد خمس سنوات من سيطرة فتح وإقصاء حماس وملاحقتها..هل المزاج الشعبي في الضفة يشبه ما هو عليه في غزة..أم أنه سلك طريقاً معاكساً، فباتت حماس هنا “مهوى أفئدة” أبناء الضفة، مثلما بدا أن فتح في غزة، باتت رمزاً للتوق والتطلع لزمن آخر وخيارات آخرى.
واللافت أن “مفاجأة فتح” في غزة، وقعت على حماس وهي في ذروة انتعاشها بنصرها في صد العدوان الأخير على القطاع، والمقاومة الباسلة التي جوبه بها...بل وهي في ذروة انتعاش شعبيتها، ولا أدري ما الذي كان سيحصل لو أن حدثاً كهذا وقع قبل العدوان الإسرائيلي الأخير..كما يصعب على المراقب عن بعد، أن يقدر الأثر الذي أحدثه “انتصار نيويورك” على شعبية فتح ومكانتها سواء في الضفة الغربية المحتلة أو في القطاع المحاصر.
على أية حال، يقتضي الحذر المنطقي في التحليل، تجنب القفز إلى “استنتاجات حاسمة” من واقعة واحدة، على أهميتها ودلالاتها الرمزية والشعبية..نحن أمام حدث أكبر من مهرجان، بيد أنه أقل من أن يكون نقطة تحوّل حاسمة في موازين القوى على الساحة الفلسطينية، أو بداية استنهاض لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)..مشكلة الحركة / العمود الفقري، لم تكن يوماً مع “نقص جاهزية الشعب الفلسطيني والتفافه حول مشروعه الوطني”..مشكلة فتح، بنيوية - مؤسسية - قيادية، فهل نتوقع بعد مهرجان غزة، أن تستعيد فتح لياقتها، وكيف؟..هل يمكن أن تُترجم هذه “الحشود” إلى حالة من “عودة الوعي” لفتح؟..هل ستخرج فتح من “المنطقة الرمادية” بين الثورة والدولة، التي راوحت فيها خلال العقدين الأخيرين، وكادت أن تبتلعها؟..ولم تكن لها من نتيجة سوى التخلي عن الثورة والفشل في بناء الدولة.
بالقياس على تجارب سابقة، وبالنظر لوضع فتح الداخلي، يصعب التقدم بإجابات متفائلة على أسئلتنا تلك..والذين وحدتهم المناسبة في غزة قد تفرقهم “المصالح المتضاربة” و”القوائم المتنافسة” في الانتخابات المقبلة وقد يعصف بوحدتهم وفاعليتهم، صراع مراكز القوى في فتح والمنظمة..والفجوة بين “الجماهير” و”القيادة” التي أفقدت فتح زمام المبادرة في السنوات الأخيرة، مرشحة للإستمرار، ما لم يحدث في فتح، ومن داخلها، ما يشبه “الثورة في الثورة”.