عملك يا ششنوق هو قياس الشاهد على الغائب، أي قياس أمر محسوس ملموس بين أيدينا، على فرضية تريد قسرها على الناس دون دليل، رغم أن العكس هو الصحيح.

أنت تفترض أن القرآن قد كتب زمن عثمان، وأن عثمان قد أنقص منه، بناء على ذلك نجد الأخطاء النحوية فيه.

الفرضية خاطئة من آخرها إلى أولها، وبالعكس.

من آخرها لأنه على فرض صحة الأجزاء الأخرى من فرضيتك فذلك لا يجعل الموجود في القرآن فيه خطآ نحوي، والسبب يتعلق بأصول اللغات عموما وأصول اللغة العربية خصوصا، فيك تتابع شي محاضرة عن علوم السيموطيقيا simotics حتى تقدر تبني نظرياتك على أسس لغوية سليمة بعيدا عن التخمين.
وسبب آخر، أنك لا تستطيع أن تفرض الكلمات الناقصة بزعمك، ولن تستطيع أن تجد لها محلا في الجمل المنقوصة.

أما من أولها، فلأن القرآن قد كتب زمن محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبإشرافه، ولم يقل أنه قد كتب زمن عثمان أحد، حتى الرواية المشهورة بجمع عثمان لا تنص إلا على أن عثمان قد استنسخ من مصحف رسول الله مصاحف وزعها على الأمصار، وبحضور واتفاق مؤيديه ومعارضيه، هوذا معارضيه خمس المسلمين اليوم يحتفظون بنفس المصحف، وكله بنفس الرواية عن أمير المؤمنين علي كما هو عن غيره.
ولأن القرآن وصحيح الحديث يتفقان معا على جمع القرآن في عهد رسول الله وقبل وفاته وبين يديه وبإشرافه، سواء أوافق ذلك منهاج التربية الإسلامية الذي كتبه جماعة من الأساتذة ودرست عليه أنت في الإعدادية أم خالفه.
فقد قال تعالى في محكم كتابه في سورة القيامة مكية النزول (إن علينا جمعه وقرآنه)
وقد كان لدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باتفاق حين دولته في المدينة جهاز كتبة للوحي، مطلوب منهم كتابة القرآن فقط ولا يكتبون سواه، أربعة كلهم من الأنصار "جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار أبي ومعاذ بن جبل وأبو زيد وزيد بن ثابت"، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد راجع القرآن مع أحد كتبة الوحي في رمضان في العام الذي قبض فيه مرتين وكان الملك حاضرا. وقد ثبت أيضا أنه قد أمر بتغيير رسم كلمات معينة مقصودة بعينها على خلاف إملاء العرب،
فكتب ضعفاء في موضع (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج اذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم*91*) التوبة، لأنها تتحدث عن ضعفاء الدنيا،
وكتب الضعفـٰـؤا في موضعين آخرين (وبرزوا لله جميعا فقال الضعفـٰـؤا للذين استكبروا انا كنا لكم تبعا فهل انتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا اجزعنا ام صبرنا ما لنا من محيص*21*) إبراهيم(واذ يتحاجون في النار فيقول الضعفـٰـؤا للذين استكبروا انا كنا لكم تبعا فهل انتم مغنون عنا نصيبا من النار*40*) غافر، حين كان الحديث عن ضعفاء يوم القيامة.
وهكذا مما ورد النص أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر الكتبة بتغيير إملاء العرب فيه وتقصد إملاء آخر لا يعرفه عثمان الكاتب القارئ ولا يعرفه غيره.

فقد كتب القرآن وجمع في حياة محمد، والسنة قد أجمعوا على ذلك في نصهم في الحديث الصحيح لديهم أن القرآن كان مجموع عند أربعة، والشيعة قد أجمعوا على ذلك حين رووا أن الرسول قد ترك وصيته لعلي عليه السلام وفيها المصحف، فلا يقبل روايات مجتزأة ذات عنوان يخالف المضمون، من أن عثمان هو جامع القرآن، على أن الرواية تنص أن عثمان قد نسخ مصاحفه الستة من مصحف أم المؤمنين حفصة بحضور أصحاب رسول الله وآله، وأحرق ما عداها ممن لم ينتسخ عن مصحف رسول الله الذي ترك مع أم المؤمنين حفصة.

طبعا هناك رواية أخرى تتحدث عن جمع آخر في عهد أبي بكر الصديق، تبلغ من التهافت درجة لا ترقى لمستوى النظر، مع أنها على فرض الصحة تنسف نظرية أن القرآن قد جمع بعد رسول الله في صدر الرواية.