أولا، "الغرب" لم يكرم الطوسي هذه المرة... لمن انتبه من الصورة التي نشرتها في ردي الأول التكريم جاء في صفحة جوجل في دول العالم العربي وأغلب الظن أن هذا القرار اتخذه موظف في جوجل "الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" ولا يستبعد أن يكون "شرقيا" وليس "غربيا"...

ثانيا، في مسألة الخيانة:
الخيانة بتعريفها الحالي مصطلح حديث... الطوسي لم يكن مواطنا في الدولة العباسية حتى يخونها أولا لأن مفهوم المواطنه والوطن الحديث لم يكن قد استحدث بعد وثانيا لأنه كان من البداية "عدوا" لهذه الدولة. يعني حتى لو عاش كل حياته في قلعة ألموت ولم يتدخل في مسألة "فتح" بغداد لكان بحسب مفهومكم خائنا لمجرد كونه إسماعيلي يعيش في قلعة ألموت.

ثالثا، وجود نص لا يعني أن الأمر صحيح... من كتب التاريخ له دوافع قد لا نعلمها. وكتب التاريخ الجامعة نقلت النصوص دون تمحيص لدرجة أنك تجد البعض يورد عدة روايات متناقضة حول حدث معين ثم يقول والله أعلم. حتى أن الطبري كتب في مقدمة كتابه "تاريخ الأمم والملوك" ما يلي:

اقتباس:وليعلم الناظر في كتابنا هذا أن اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره فيه مما شرطت أني راسمه فيه إنما هو على ما رويت من الأخبار التي أنا ذاكرها فيه والآثار التي أنا مسندها إلى رواتها فيه دون ما أدرك بحجج العقول واستنبط بفكر النفوس إلا اليسير القليل منه إذ كان العلم بما كان من أخبار الماضين وما هو كائن من أنباء الحادثين غير واصل إلى من لم يشاهدهم ولم يدرك زمانهم إلا بإخبار المخبرين ونقل الناقلين دون الاستخراج بالعقول والاستنباط بفكر النفوس فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة ولا معنى في الحقيقة فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا وإنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا وأنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا

.

يعني كما تكتب الصحف في يومنا "المقالات الموقعة تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن آرائنا" كذلك كتب الطبري ما معناه أن الأحاديث المسندة إلى أصحابها أنقلها إليكم كما وردت إلي.

الآن أنا شخصيا لا أظن أن هنالك من شهد حادثة قتل الخليفة وبقي حيا ليخبر الناس ما حدث وما دار من حديث بين هولاكو والطوسي... الأغلب أن هذه القصة لا تخلو من مبالغات... الكثير من الكتب التي تذكر الحادثة كتبت بعد عشرات السنين (وبعضها مئات السنين) من سقوط بغداد.

وأخيرا، تبقى مسألة "سرقة كتب دار الحكمة" والحقيقة فمعاهدة جنيف لم تكن قد كتبت في ذلك الوقت ولا أظن أن هولاكو أو الدولة العباسية كانوا ممن وقعوا عليها لذا لا أظن أن علينا أن نحكم على تصرفاته بمنظار قيمنا الحالية (ويمكنني أن أضيف الغربية العلمانية الكافرة)... أخذ كتب دار الحكمة بينما بغداد تنهب ربما أنقذ هذه الكتب من الحرق أو الإلقاء بها بالنهر، كان ذلك في عصر كانت الغنيمة فيه شرعية (ولا تزال كذلك في الشرع الإسلامي... لا أذكر من قال بأنه لو عدنا إلى حكم شرع الله ستتحسن أحوالنا الاقتصادية بسبب السماح بالغنم من الدول الأجنبية).