الحقيقة أن كل ما يثار حول الثورة السورية ليس إلا حجج تغلف النزعة الطائفية للأقلويين.

السلمية استمرت ستة أشهر، ومع ذلك كان هؤلاء ضد الثورة منذ اليوم الأول.
اعتصام ساحة الساعة في حمص سبق أي زيارة للسفير الأمريكي إلى حماة، ومع ذلك زعم هؤلاء من الممانعين أن الثورة ناتوية.
دخول الحركات الإسلامية المسلحة على الخط كان رد فعل تبع مجزرة الخالدية والزيتون وسائر المجازر التي سمعنا أو لم نسمع بها، على أنني لم أسمع أيا من هؤلاء قد استنكر أو رفض هذه المجازر، بل أزيد من الشعر بيتا أن منهم من شمت وضحك كالضباع على صفحات هذا النادي لأن شهداء الخالدية لا يجدون لهم نعوشا كافية.

الحقيقة أن هؤلاء لا ينظرون إلى السوريين كبشر يستحقون الحرية والحياة الكريمة، بل ينظرون إليهم كعدو تاريخي يجب أن يستر خضوعه والسيطرة عليه من قبلهم مجتمعين أو منفردين، فهم لا يمانعون أن يكون الشعب السوري تحت نير طائفة أقلية بغض النظر عن هذه الطائفة، لأن الأكثرية السورية لو وصلت إلى الحكم فإنهم سيقيمون دولة بني أمية ويبطشون بكل الطوائف الأقلية، كما يرى هؤلاء الأقلويون حتى لو لم ينطقوا بذلك.

الشعب السوري لا يعيش في الماضي كما يعيش هؤلاء الأقلويون، وهو على طريق التحرر والكرامة التي تليق به. واختياره المستقبلي سيكون اختياره وحده، دون وصائيات من المندوبين السامين للأقلويات أو للغرب. لا نستطيع أن نعرف اليوم ماذا سيختار السوريون لنظام حكمهم، لكننا نعرف جزما أن الشعب السوري قد اختار أن لا يحكمه بشار ونظامه، وقد اختار طريق الخلاص منه.

الأمر الآخر الذي ينبغي أن نشير إليه،
المنحبكجية ملتهم واحدة وإن اختلفت أصنامهم، فكل منحبكجي يخشى إن تحرر شعب آخر من طاغيته أن تنتقل العدوى إلى الزريبة التي يسيطر عليها صنمه الذي يركع له ويسجد، فتتحرر الناس في بلده وتبول على صنمه الثعالب،

أرب تبول الثعلبان برأسه ــ فلا أفلح من بالت عليه الثعالب

لذا نجد في كل ثورة أن المنحبكجية من المحيط إلى الخليج قد تحالفوا معا لنصرة الطاغية المطلوب خلعه، نستثني من ذلك حالة أن يكون هناك خلاف ونزاع بين الطاغيتين، فيتبع المنحبكجية طاغيتهم في العداء للطاغية الآخر.

انظروا إن شئتم تناصر منحبكجية الجزائر وسوريا وليبيا معا.

أما مثقفوا المنحبكجية، فهؤلاء لديهم القدرة الهائلة أن يبرروا سبب علو الطاغية في الأرض وجعله لأهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، هم يبررون أن ذلك ليس إلا خوف الفساد أو تكدير النظام العام.

سبب كل ذلك هو انعكاس الذوق والفهم، لأن المنحبكجي لا يعرف أن الإنسان هو الأصل والأساس، وله نزلت الأديان ومن أجله كتبت الشرائع ولراحته دولت الدول ودسترت الدساتير وقننت القوانين. وحجر الأساس في الإنسان من حيث هو إنسان حتى يبقى إنسانا هو الحرية المريدة العاقلة، فأي كائن بشري ليس حرا وعاقلا ومريدا معا فإنه بشر لكنه ليس بإنسان. وبعد أن يصير البشر إنسانا، نستطيع أن نخاطبه بالدين والنظام والحقوق والواجبات والدستور وكل شيء.

الثورة في سوريا هي معركة الإنسان، ومن يريد أن يحول بين الإنسان وإنسانيته فإنما يحول بينه وبين نفسه. ولم يحدث أن فشل إنسان في التاريخ في هذه المعركة، ولا يقوم المنحبكجي إلا بإطالة الفاتورة وزيادة ذنوب طاغيته، وحين يأتي العقاب كالطوفان فلن يرحم أو يبقي أو يذر على الأرض من المنحبكجية ديارا.