حماس منذ تأسيسها ونشأتها لم يثبت بربع دليل تدخلها في أي شأن داخلي عربي، إنما أعلنت موقفها في ميثاقها بأنها ضد التدخل في الشؤون العربية الداخلية-مع أن هذا مرفوض كأمة واحدة يجمعها هم واحد-لكن كان هذا الإجتهاد الميداني نظراً لحجم الدروس التي تلقاها الشعب الفلسطيني بعد تدخله في أكثر من جبهة ولإبقاء الكفاح الفلسطيني مناط اجماع من قبل جميع الشعوب العربية، وهذا الاجتهاد كان في عز قوة حماس وانطلاقتها الثورية الجهادية وتحللها من كل التكاليف السياسية بوصفها حركة مقاومة فقط، فالأمر إذاً سيزداد بعد أن دخلت المعترك السياسي وأصبح لديها الكثير من الحسابات التي تمنعها من التدخل في الشأن العربي الداخلي، بل إن حماس لم تتورط في أي عملية تخريبية داخل مصر ضد النظام المصري وهو النظام الذي حاصرها وعذبها واعتقل شبابها وقتل بعضهم الآخر فكيف الحال بأنظمة وقفت بجانبها وأيدتها ؟

حقيقة من المضحك جداً تلك الاشاعات التي تستهدف الحركة في هذا الوقت، فهي تتهمها تارة في التدخل في الشأن المصري الداخلي بل ويصل بعض حمقى التحليلات المصرية بأنها كانت العامل الأهم في ايصال جماعة الإخوان للحكم بلوقد وجدت في بعض نقاشات المصريين بأن حماس لديها سيطرة مطلقة على سيناء-ابتسامة- وعلى الجانب الآخر هناك اتهامات لحماس بالتدخل في الشأن السوري الداخلي بشكل كبير وأن لها دوراً كبيراً في تسليح الجيش الحر وتدريبه وما الى ذلك من أحاديث الفضاوة العربية، بل ويصل البعض للقول بأن لحماس ارتباطات بطالبان وكأن حماس امبراطورية عظمى حجم تدخلاتها في المنطقة أكثر من حجم تدخلات أمريكا والدول العظمى .

والحقيقة أن حماس تدير الشأن الغزي بصعوبة بالغة، وتواجه اشكاليات كبيرة تستنزف الكثير من طاقاتها في الحفاظ على أمن القطاع ومواجهة الكثير من التيارات والعملاء الذين يتربصون بها، بل إن حماس على ضعفها وقلة حيلتها وامكانياتها تقف في مواجهة عدو متجبر وإجرامي ويعتبر من أقوى جويش المنطقة والعالم ويريد القضاء عليها في أي وقت وازالتها من الوجود، وليس لديها الوقت ولا الامكانيات للتدخل في قرية صغيرة خارج حدود غزة حتى تتدخل في شأن دول عدد أفراد شرطة المرور أكثر منها ومن كل شبابها .

على العكس تماماً حماس توجه الآن كل طاقتها العسكرية والسياسية والأمنية لمواجهة الحرب القادمة والتي ستكون أكثر الحروب مفصلية في تاريخها من قبل الجيش الإسرائيلي، وهذه الحرب ستكون خلال سنة ربما أو أقل أو أكثر بقليل، ولكنها ستحدث لكي وعي المقاومة الفلسطينية، ولذلك هي تحاول الحفاظ على شعرة معاوية مع ايران وحزب الله مع قطع علاقتها بالنظام السوري تماماً .

فرغم المصالح التي وفرها النظام لحماس إلا أنه حين المواقف الفاصلة في حياة الأمم والشعوب يجب أن يقف الإنسان مع ضميره ومبدأه الذي قام عليه، لأن أي حركة أو جماعة انسانية أو تاريخية يشكل وعيها الفكري والعقدي أحداث تاريخية معينة تكون مبادئها وأخلاقها، وعليه يجب أن تقف مع أي حدث تاريخي مشابه لهذه الأحداث والمبادئ، فحركات التحرر الحقيقية تقف بجانب المظلومين والمستضعفين مهما كانت مللهم ونحلهم وألوانهم ومهما تعددت المصالح والفئويات .

حماس حركة شجاعة وجريئة ومحنكة وذات مبادئ وأهداف وقيم سامية، أثخنت في الإحتلال الإسرائيلي وأبقت جذوة المقاومة فعالة في فلسطين وبذلت في سبيل ذلك قادتها وأبنائها ومخلصيها وستبقى كذلك وستبقى بجانب كل مظلوم على وجه هذه البسيطة، وتحية للشعب السوري ولثورته المقادمة والتي ستكون علامة فارقة في تاريخ المنطقة ومعلماُ حضارياً ودرساً أخلاقياً ورصيداً كبيراً لتجربة المنطقة بالكامل وتوثبها المرتقب نحو النهضة والبناء والقيادة والسيادة .