ريتك تسلملي يا جعفر علي، لا تحط على لساني حكي،

البديل عند خالد ليس الدولة الدينية، ولم أدع إلى دولة دينية يوما، وحتى الدولة الإسلامية التي لا أدعوك إليها ولن أدعوك، لا أراها دينية بحال.

البديل عند خالد هو العمل السياسي الغير مكبوت والحر لكل من لا يستخدم العنف للوصول إلى السلطة، العمل السياسي المصحوب بأفكار واضحة ومفهومة وذات واقع ملموس عند العامة يستعمل لبناء الدولة، لأنه يللي عندك هلأ في العالم العربي، بل والإسلامي، ليس دولا، ليس بأكثر من زرائب تحفظ مجموعة من البشر مطلوب تحويلهم إلى خرفان أضاحي وولائم.

العمل السياسي الحر، والتنافس السياسي الحر، سيفرز الصالح من الطالح، وإن كان العالمانيون تبعونك بينفعوا فسوف يثبتون في الساحة العملية، وساعتها رح تشوفني على رأس المؤيدين لهم، وإن كانوا بينفعوش، وشغل حكي كثير وتنظير كثير وفعل قليل، فما رح أعرق في نصرهم.

باختصار يا جعفر علي، العمل السياسي المنتج يحتوي على 80% من عرض أفكارك ودعوة الناس إليها وإثبات واقعيتها وقدرتها على حل المشاكل، و20% من دحض أفكار خصمك وإثبات عجزها عن العمل. أما ما تريده أنت فهو الجلوس ووضع العصي في دواليب الغير، وهذا ليس بعمل سياسي منتج، بل وليس حتى بعمل سياسي.

ما أريد قوله بالجملة التي علقت عليها، أن السعادة البشرية لا تكمن في اليوتوبيا المتخيلة في الذهن، فكل نظام سياسي هو سكين، تستعمله لقطع الفواكه أو قتل البشر. والعالمانية الديمقراطية مثلها مثل غيرها، وليست جخة فقط لأنها أتت من الغرب، لأنه يا عزيزي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومعظم الضحايا في النزاعات والحروب كان سببها المؤسسة العالمانية الديمقراطية الجالسة في البيت الأبيض. أما الفتوحات الإسلامية يللي مو عاجبتك، فهي أمر في بطن التاريخ، وحقيقة أنا أرى أن الانشغال ببطن التاريخ عن الواقع هو رومنسية التلهي. وهو شيء شبيه برومنسية الأقلويات التي تغوص أيضا في بطن التاريخ لتمارس رومنسية الهولوكوست، وشيء شبيه برومنسية السلفيين الذين يغوصون في بطن التاريخ لممارسة رومنسية اليوتوبيا.

الرومنسية عزيزي لا تفترض النهاية السعيدة دوما، فتذكر أن قصة وحش فرانكشتين المأساوية تصنف من عيون الأدب الرومنسي، ومثلها مرتفات وذرنج وهي مثلها في المأساوية السوداء. الرومنسية عزيزي هي أن نعيش في عالم من تصورنا واختراعنا لا علاقة لازمة له بالواقع. مثل عالم أن الإسلاميين كخة ولازم نتعاون مع أتيلا الرهيب لو لزم للخلاص منهم، أو أن العالمانيين عملاء للغرب ولازم نتعاون مع الحجاج بن يوسف للخلاص منهم، أو أن المسلمين قشة لفة، لا سيما العرب السنة منهم، عرصات ولازم نتعاون مع هولاكو لو لزم للخلاص منهم.
كلها نظريات رومنسية مغرقة في السوداوية.