نرجع مرجوعنا، نكمل موضوعنا، بعد أن أبعدت كلام السفيه عن ناظري، أرجو من الزملاء الكرام عدم نقل ما يقول، فلسنا على استعداد للنظر في كلام سخيف يقوله من لم تنفعه الحوزة ولم يدخل أدب النبوة بشاشة قلبه.

الموضوع طبعا لا يتعلق بالخلفاء قبل عليّ ورؤساء الصحابة الذين أيدوهم، ولا يتعلق بأنسابهم، على أنه يكشف شيئا من موضوعنا حول النواصب.

من هو الناصبي؟ وما حكمه الشرعي؟

الناصبي: هو من تجاهر بالعداوة لأهل البيت عليهم السلام، بحربهم أو قتلهم أو ضربهم أو سبّهم أو إهانتهم أو تنقيصهم أو جحد مآثرهم المعلوم ثبوتها لهم، أو نحو ذلك.
ومتفق على حرمة النصب، وعلى جريمة الناصبي بحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأن آله بضعة منه، وعلي كنفسه.

الخلاف هنا هو في المآثر المعلوم ثبوتها لهم،
يزعم الإمامية أن الله تعالى قد جعل الإمامة من أصول الدين لا من أحكامه الشرعية، وهذا الزعم لا يقوم عليه أي نص قطعي الثبوت قطعي الدلالة يصلح للدلالة على أصول الدين.
ثم يزعمون أن الإمام هو سر من أسرار الله تعالى مثل النبوة، يختار الله له كما يختار للنبوة، ويعصم من يختاره ويؤتيه من العلم اللدني والمنقول عن رسول الله ما ليس عند أحد، ثم بالغ بعضهم فجعلوا أن للإمام قد فوض تدبير الكون. وهذا الزعم أيضا لا يقوم عليه أي دليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة، فلا يصلح أن يكون عقيدة بمقام عقيدة النبوة.
ثم يزعم الاثني عشرية من الإمامية أن الأئمة هم اثني عشر رجلا هم كالتالي: علي المرتضى، الحسن المجتبى، الحسين الشهيد، ثم نبدأ بولد الحسين علي السجاد ونستمر متسلسلين أبا لإبن فنجد، محمد الباقر، جعفر الصادق، موسى الكاظم، علي الرضا، محمد الجواد، علي الهادي، الحسن العسكري، والقائم المنتظر الغائب المهدي محمد بن الحسن، والإيمان بهؤلاء الاثني عشر فرض وواجب، وإنكار إمامة واحد منهم هي كإنكار إمامة الجميع، والقول عن غيرهم أنهم أئمة بالمعنى المعطى لهؤلاء هو مثل إنكار إمامتهم جميعا.
من أجل ذلك برئت الشيعة الإمامية الاثني عشرية من الشيعة الإمامية الإسماعيلية، لأن الإسماعيليين يسوقون الإمامة بعد جعفر الصادق إلى ابنه الأكبر المتوفى في حياته إسماعيل، وأنه لم يتوف بل جعل ذلك أمام العباسيين حتى يكف عنه الطلب، ثم تستمر الإمامة عندهم في محمد المكتوم بن إسماعيل، وتستمر في ولد محمد هذا. لذا يكون موسى الكاظم وأولاده عند الشيعة الإمامية الإسماعيلية مجرد مدعين منتحلين ما ليس لهم من الإمامية. والعكس صحيح أيضا، فالأئمة الإسماعيلية من إسماعيل وولده هم مجرد مدعين ومنتحلين عند الشيعة الاثني عشرية. وبالتبع فإن الإسماعيلية يرون الاثني عشرية نواصب، والعكس صحيح.

أما الشيعة الزيدية فقصتهم أعوص، فهم لا ينكرون أيا من الأئمة المعتبرين لدى الاثني عشرية ممن ثبت وجوده وولادته، لكنهم لا يحصرون الإمامة فيهم، فالإمام عند الزيدية هو علي، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم أي فاطمي شجاع جواد عالم تقي، خرج داعيا إلى الإصلاح ولنفسه، فهو إمام واجب الطاعة. لذا فهم يرون زيد الشهيد وابنه يحيى أئمة، ويرون محمد النفس الزكية وإبراهيم الإمام والحسين الأصغر شهيد فخ وإدريس الأكبر، وسائر من خرج من العلويين من ذرية فاطمة من أولاد الحسن والحسين فهم أئمة، ولا يرون أن الإمام بعد أهل الكساء له عصمة خاصة أو له ولاية تكوينية أو غير ذلك من شطحات الإمامية بفرعيها مما لم يقم عليه دليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة.

إن كان الشيعة بين بعضهم البعض يرون غيرهم نواصب، وذلك ليس لنص شرعي، فلا يوجد مطلقا في كتاب الله وسنة رسوله أي نص قطعي في ثبوته ودلالته يثبت رأيهم، فهو فهم محتمل أو غير محتمل لنص موجود، بغض النظر عن صحته. ولا يجوز أن تتخذ الأفهام أصلا يبنى المرء عليها عقيدته، فالعقيدة تبنى على نصوص قطعية الثبوت وقطعية الدلالة فقط لا غير.

هلأ كل هالعلاك عن النواصب والنصب ليس هو المهم بذاته، بل المهم هو تطبيقاته العملية ذات الأثر السياسي.

من الواضح أن معظم التشيع السياسي قد اصطف خلف بشار الأسد خلال أزمة سوريا، والتشيع السياسي الذي يعنينا هنا هي الأجسام السياسية التي تعتبر التشيع سببا في وجودها وبقائها، وهذا يشمل دولة إيران تحت ولاية الفقيه، وحزب الله وحركة أمل في لبنان، والأحزاب الشيعية في العراق.
بنفس الوقت، نجد أن غير الشيعة قد انقسموا بشكل حاد بين مؤيد لبشار ومعارض له، دون أن نلحظ أن هناك منطلق ديني خلف هذا الإنقسام.

لمحاولة لفهم هذا الانقسام، قد يكون مفيدا هنا دراسة مفهوم النصب وترتيب النواصب عند الشيعة الاثني عشرية، الذين هم في مورد البحث:
بمحاولة لترتيب النواصب قد يكون ترتيبهم لديهم كالتالي:
الخوارج وبني أمية ومن في حكمهم
أصحاب العصبية العثمانية مثل أهل البصرة في حينها
أهل السنة والجماعة
الشيعة الغير فاطمية(انقرضوا على ما أعلم)
الشيعة الزيدية
الشيعة الإمامية الإسماعيلية
الشيعة الإمامية الاثني عشرية ممن خالف في موضوع النواب الأربعة الخاصين بالمهدي، مثل النصيرية على فرض أنهم محسوبون شيعة أصلا.
من يرفض البراءة من النواصب أعلاه ممن يتبع التشيع الجعفري الاثني عشري. وهاي الأخيرة من عندي وما حدا يطلب دليلها.

الآن قام بشار وجهاز حكمه بالتحالف مع الدولة الشيعية والحزب الشيعي، وهم نوع من أنواع الشيعة، فلا بد أن يكون خصومهم الذين هم ليسوا شيعة، من النواصب مباحي الدم والمال والعرض.

لذا نجد التأييد والتحريض على الثورة في سوريا، ورمي من يعرف من رئاساتها بألوان الموبقات التي تتعلق بذمته أو عرضه أو نفسه. ومن يريد أن يتتبع مثالا حيا في هذا النادي، فلينظر في أرشيف المحجوب رحمة العاملي، فسيجد فيه أنه قد رمى كل من خالف حزب الله وإيران ونظام بشار من السياسيين تقريبا بشيء في عرضه، سواء من كان منهم من الرجال أو من النساء. وهذا رجل عالم متعلم قد درس في حوزة، وقد صرح على ما أعلم أنه يرى أن مخالفي أئمته ليسوا إلا أبناء بغاء أو أبناء حيضة، هاي الأخيرة ما عم لاقيلها تفسير علمي. يستوي في ذلك مخالفة علي والحسن والحسين، أو مخالفة محمد الجواد الذي سلموه الإمامة وهو طفل، أو مخالفة محمد بن الحسن العسكري الذي افترضوا ولادته التي لم تثبت بالقطع مطلقا.
بناء على ما تقدم، فكل الساعين في هذه الثورة الذين هم نواصب بفهم رحمة، ليسوا إلا أبناء بغاء أو أبناء حيضة، ولا بأس في تشريدهم وتقتيلهم والطعن في أعراضهم حتى لا يخرج الأمر من بين أيدي المؤمنين بالولاية. طبعا على فرض صحة الفهم، فلم أجد أبدا أي نص في كتاب الله يدين من هو فعلا ثابت يقينا أنه ولد بغاء، بل وجدت قوله تعالى (ألا تز وازرة وزر أخرى)، هذا فضلا عن سماجة القول بأن المخالفين منهوكي الأعراض وتهافت الرأي المبني عليه والذي يزعم أن النص متواتر بالمعنى أو باللفظ عن آل محمد.
طبعا، هذا مثال وهو غيض من فيض، لكن لو أردنا أن نطبق المعنى على آخرين، فلقد وسعنا ذلك، ولعله يفسر مدى التحلق الوثيق لكثير من التشيع السياسي خلف بشار الأسد.

هذا ما توصلنا إليه، وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن أتانا بأحسن منه ممن هو أهل للرأي، تركنا قولنا وصرنا إلى قوله.