صاح الرجل بأعلى صوته في مئات الألوف ممن حضروا..هناك خبرين مؤكدين أتلوهما عليكم الآن..

الخبر الأول:..لقد قُتل بشااااااار الأسد..بعدها ضج المكان بالصياح والتكبير والسجود لله شكراً، وكان من بينهم شيوخ وفقهاء السلفية ممن حضروا...

الخبر الثاني: ..لقد هرب بشار الأسد..لم يُفكر الحضور حينها بأنه كيف يُقتل بشار ثم يهرب؟!....ولكن بدون تفكير صاحوا وهللوا وكبّروا وحمدوا الله وسجدوا لله شُكراً وكأن الخبر حقيقي!..

هذا المشهد رغم أنه مُضحك في ذاته وأصبح بعدها نكتة مصرية إلا أن له دلالات عميقة ومثيرة على مستوى الرواية والحديث وتصديق الأخبار..ولعلكم فهمتم ما أقصد...

الحديث والرواية يا سادة هم مُجرد أخبار، أي أنه ليس بمجرد سماعنا بحديث يبدأ بقال رسول الله أو قال فلان..فهو تصديقُ مباشر بحدوث أو قول ذلك..وما حدث بتصديق خبر مقتل بشار ثم هروبه هو يُحاكي كيفية تقبل هؤلاء للأحاديث والروايات دون إعمال للعقل وللنَظَر...فخبر مقتل وهروب بشار لا يصح عقلاً..فالمقتول ميت..أما الهارب فهو حيُ يُرزق..أما سبق خبر القتل على خبر الهرب يؤكد زيفهما معاً..وهو ما ظهر بعد ذلك وتأكد للناس أن أخبارهم التي نقلوها لهم -عن رجالهم الثقة- كانت بالأصل مكذوبة.

تأكدوا أن أسلافهم ممن قِبلوا بالأحاديث والروايات التي تُخالف العقل والشرع ثم وضعوها في الصِحاح وصنعوا حولها هالة من التنزيه والقُدسية..تأكدوا أن عقول هؤلاء هي كعقول من صدّقوا خبر مقتل بشار ثم نقلوه إلينا، وحُجتهم في ذلك أن الذي نقل إليهم الخبر هو ثِقةُ لديهم..

أود أن ألفت نظركم إلى أن خبر مقتل بشار قد يكون من صناعة الشبيحة أو جيش وقوات بشار في الداخل أو الخارج، والهدف هو قتل الروح المعنوية وزرع اليأس في قلوب المعارضين بعد اكتشافهم زيف الخبر..أي أن هذه الأخبار قد تكون صناعة مُخابراتية تعرف أن عقليات المعارضين ليست على المستوى التي تشك وتنظر في الأخبار..بل سيصدقونها ويبنون عليها..

هذا بالضبط ما أتصوره في الأحاديث والروايات التي جاءت في الصِحاح والسنن وفي التاريخ وكانت تخالف العقل والشرع ابتداء..أي أنني أرى أن صناعة مثل هذه الأقوال والأفعال ونسبها للرسول وممن حوله ..كانت صناعة رجال ليسوا على الإسلام..فهم إما زنادقة أو منافقين أو يهود أو نصارى ..نقلوها للناس ثم جرى ترديدها في الأسواق والمجالس بسلوك ساذج وسطحي ..

في تقديري أن الرجل الصادق والثقة عند من قبلوا خبر مقتل وهرب بشار، هو نفسه الرجل الصادق والثقة عند من قبلوا هذه الأحاديث التي تخالف العقل والشرع وتطعن في الرسول وفي الأنبياء وتسب الله ...وجميع هذه الأحاديث والروايات موجودة في الصِحاح وفي السنن وفي كل كُتب الحديث والتاريخ..ولكنها لم تجد من يُنكرها لأن من نقلها هو رجل ثقة لا يجوز عليه الكذب أو الخطأ!