الموضوع عزيزي فريمان يتعلق بحالة الإنحطاط العامة التي أصابت المنطقة منذ القرن السابع الهجري.. هذه الحالة أصابت الجميع من مسلمين وغير مسلمين، سنة وغير سنة.

حالة الإنحطاط هذه تأزمت مع الزمن حتى تم احتلال المنطقة من قبل العدو التاريخي في حملة نابوليون على مصر، وما تلاها من هزائم وضعت المنطقة تحت نير المستعمر الغربي.

ما حصل أن الأمة بدأت تتنبه لواقعها وتستجيب محاولة تلمس طريق للنهضة، وتعددت الأبحاث والآراء، ونشأت الأحزاب والحركات الفكرية السياسية.
كانت الأمة مقسمة على المستوى الديني والمذهبي قبل ذلك، وشمل هذا التقسيم أيضا نمو عداوات تاريخية، وأيضا نمو قيادات طائفية ضيقة تعيش على حساب هذه العداوات التاريخية.

حين بدأت الأمة تتلمس طريقها، كان على هذه القيادات إما أن تسلم بالأمر الواقع الذي سيسحب البساط من تحت أقدامها وينهيها كطائفة، ولا يعني هذا إنهاء وجودها المذهبي والديني والثقافي. فيصير البطريرك أو آية الله أو شيخ العقل ليس له أي وظيفة خارج معبده وطقوسه المتعلقة بالشؤون الروحية حصرا. أو أن يظهروا بمظهر العداء للحركة العامة نحو النهضة وهو أمر خطر جدا لمن يجريه من الأكثرية، فبالحري أن يكون قاتلا لمن يجريه من الأقليات. أو أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس ليفسدوه من باطنه. وهو ما حصل.

الأكثرية السنية تختلف عن هذه الأقليات بشؤون عدة، ولسنا هنا بمعرض الحديث مين دينه صح ومين دينه غلط، وسائر السوالف تبع عقائد وأديان.
الأكثرية السنية ليس لها خصومة مع الماضي، بل الماضي بالنسبة لها مصدر فخر، على خلاف كل الطوائف المتساكنة مع هذه الأكثرية.
الأكثرية السنية لا يوجد فيها رجال دين، ولا تأبه بمن يتصدى لهذا المنصب، وقياداتها كانت دوما مدنية.
الأكثرية السنية متصالحة مع الأيديولوجيات، فإسلاميوها إسلاميون، وعالمانيوها عالمانيون، وملحدوها ملحدون، إلخ...
الأكثرية السنية لا يوجد عندها خطر وجودي، ولا يخطر على بال عامتها أنه سيأتي يوم ينقرضون فيه من الأرض.
الأكثرية السنية ليست بحاجة لسند خارجي ليثبت وجودها أو ليحفظ لها أنها أكثرية.
وأسباب أخرى كثيرة.

طبعا لا يعنيني في هذه اللحظة ما هي حسنات وسيئات العرب السنة، كل هذا ليس وقت بحثه اليوم، فكل فجر وله أذان كما قال المثل. يعنيني الآن أن أي دولة تحتاج عصبية لتقوم ولتستمر، ولا يوجد عصبية صالحة لهذا الأمر في المشرق إلا العصبية العربية السنية لو فعّلت. صحيح أن الدولة تحتاج أيضا فكرة تقوم عليها لكن هذا من الممكن أن يكون المرحلة الثانية بعد الخلاص من المستبدين.