تمر الأيام كئيبة حزينة على بلدي سورية ، ويستمر الغول وعصاباته في قتل شعبه وتدمير وحرق الأرض والبشر، ومع هذا يستمر الشعب السوري بإثبات أنه الأروع والأقدر.. حيث توقفت الحياة عندهم ، فتنازلوا عن كل شيء من أساسيات الحياة والرفاهية، يعيشون على أعصابهم ويسيطر عليهم الخوف من المجهول.. قتل .. خطف .. انفجارات .. قصف .. خراب ..تشرد.. ضياع . والغلاء هدهم .. ومع ذلك كله محبتهم وثقتهم بوطنهم كبيرة ..وكلمة الحمدالله على كل حال لا تنزل عن شفاههم ..
ودمشق عروس المدن وأيقونة نبض الرسالات وعاصمة الممالك القديمة والشاهدة على كل العصور والأزمنة ..منها انطلق التاريخ والحضارات..والعاصمة الأزلية للتأخي والسلام .. فالدهر يبدأ منها وعندها تبقى اللغات وتحقظ الأنساب .. لكن دمشق هذه الأيام أضحت أسيرة ورهينة عند الوحش بشار وعصابته ، فنشر في ضواحيها الدمار والخراب ..
بالأمس كان يوم الخميس الثاني عشر من أيلول ، انطلقت قي الصباح الباكر إلى دمشق ، فأشرفت عليها من جهة قاسيون ، ورغم أن شدة القصف قد خفت عما كانت عليه قي الأيام السابقة ، فقد كانت أصوات الراجمات والمدافع وهي تنطلق بإتجاه جوبر وبرزة والغوطة تصدح عاليا" ، وكانت أعمدة من الدخان الأسود والأبيض تتصاعد في السماء ...وعند المداخل تسير طوابير السيارات متثاقلة وهي تمر على حواجز التفتيش ، والتي يقف عليها ذئاب الأسد بسلاحهم ومصفحاتهم ، ولهجاتهم التي تجعل الجميع لا يخطئ طائفتهم .. تدخل دمشق لتجد نفسك داخل ثكنة عسكرية فأينما توجهت تعترضك حواجز الأمن والسواتر الأسمنتية والحواجز المعدنية ، والكثير من الشوارع والطرقات الرئيسية والفرعية مغلقة وممنوع المرور منها ، ويقف على الحواجز جنود متوترون لايتوانون عن إطلاق النار لأي سبب حتى للمناداة على بعضهم .. فلا قانون يردعهم عن ذلك ولا سلطة يهابونها . وهم دوما" تراهم يتحدثون على جوالاتهم أو يشربون المتة ..وبعض الساحات تحولت إلى قلاع حربية من خلال البوابات المعدنية والسواتر البيتونية العالية كساحة دوار كفر سوسة وساحة السبع بحرات وساحة المحافظة ..وساحة باب مصلى ..أما أصوات راجمات الصواريخ والمدافع فأصواتها تصم الأذان ، حيث كان بعضها ينطلق من من البانوراما ومن كفرسوسة وحتى من مبنى الأركان ومن حرم الجمارك ..
وعند الساعة الثامنة صباحا" ترددت أصوات الدوشكا من جهات المتحلق الجنوبي قرب مساكن الزاهرة والزبلطاني ، بينم تعالى في السماء صوت طيران الميغ ، لقد كان يقصف برزة .. وكانت حوامة حربية تحوم على ارتفاع عالي في سماء المزة ، بينما أصوات الإنفجارات تأتي من جهات داريا والمعظمية .
القادمون من المحافظات ومن الضواحي يتحدثون عن الصعوبات التي يلاقوها في رحلة وصولهم ، فبإستثناء طريق دمشق بيروت والمتحلق الشمالي ومدخلي قاسيون وقصرالشعب ، فجميع الطرق الأخرى مرعبة وخطيرة أو مغلقة .. فطريق القنيطرة -دمشق مغلق على أوتستراد الأربعين بجوار المعظمية ( طريق موت ) ، طريق درعا القديم مغلق ، طريق درعا الجديد مرعب وأحيانا" مغلق ، طريق مطار دمشق الدولي سالك بصعوبة ، طرق الغوطة جميعه مغلقة باستثناء المدخل إليها من جهة الكباس وهو خطر والمرور عليه غير مأمون العواقب وخصوصا" للشباب ..أما طريق دمشق -حمص حلب فهوطريق الموت بكل جدارة ومغلق غالبا" ومنظر الجثث عليه أصبح عاديا" ودائما ، وبالأمس عادت السيارات المسافرة عليه من حدود مفرق يبرود بسبب وجود اشتباكات عليه ..
إن الحدود الإدارية لمدينة دمشق محدودة ، فهي لاتتجاوز ستة عشر كيلومترا" طولا" وإاثنا عشر كيلومترا" عرضا" ، وكافة ضواحيها تقع ضمن الحدود الإدارية لمحاقظة ريف دمشق ، ولكن بعضها يتصل ويتداخل مباشرة مع أحياء المدينة .. وحاليا" يسيطر مقاتلي الجيش الحر والكتائب المقاتلة على أحياء جوبر وبرزة ووالقابون والقدم عسالي ومخيمي اليرموك وفلسطين وأجزاء من حي التضامن .. وجميع هذه الأحياء تقع ضمن حدود مدينة دمشق وبعضها لا يبعد عن مركز المدينة أكثر من ثلاثة كيلومترات ..وهي تحيط بالمدينة من جهتي الشرق والجنوب بينما تقع داريا مع المعظمية على التخوم الغربية .
الساعة الحادية عشرة صباحا" وما زالت معظم المحلات في أسواق بوابة الصالحية والحمراء مغلقة رغم أن الحركة تصبح شبه مشلولة في المدينة مع حلول المساء ، و المدارس ستفتح أبوابها وتستقبل طلابها للسنة الدراسية القادمة مع مطلع الأسبوع القادم ، ولكن يبدو أن الغلاء يمنع الناس من شراء المستلزمات المدرسية ، فالوضع أصبح لايطاق فأجرة التاكسي لاتقل عن مائتي ليرة لأقصر مسافة ، وعند التقاطعات وفي الشوارع تلاحقك جموع من الأطفال والنساء وحتى الرجال يفترشون الطرقات ويطلبون الإعانة والمساعدة .
هذه هي الحال التي وصلت إليها دمشق وسوريا بفضل أفعال غول يدعى بشار الأسد ، ولكن لا يعني أنها مستكينة ، وإنما هي تلفظ أهاتها لتطلقها في وقت ..أي وقت نارا" مستعرة تحرق الغول المجرم وعصاباته وكل أعدائها .