إقتلوا باسم أو إطرحوه أرضا ,, بقلم / أحمد بلال نقلا عن صحيفة " البديل " .
قترب عقارب الساعة إلى العاشرة مساء يوم الجمعة، ومعها تقترب شوارع مصر من أن تخلو تمامًا من المارة، كعادتها التي كانت عليها قبل 4 شهور بالتمام والكمال، وتحديدًا قبل موجة 30 يونيوالثورية، الجميع كان على موعد في هذا التوقيت، مع برنامج «البرنامج» الذي يقدمه الإعلامي الساخر باسم يوسف، والذي كان منقطعًا طوال هذه الفترة.
أمام شاشات التليفزيون الصغيرة في البيوت المصرية بكافة انتماءاتها السياسية والدينية والطبقية وحتى بيوت التكفيريين الإرهابيين، كان الجميع يجلس منتظرًا الطبيب الساخر الذي ساهم في كشف أكاذيب سلطة الإخوان بسلاح الضحك والسخرية، الجميع يجلس أمام شاشات التليفزيون متحملًا هذا الكم الكبير من الإعلانات التجارية السخيفة التي تسبق عرض «البرنامج»، والتي تتخلله، وفي ذهنهم سؤال واحد: ما الذي سيقوله باسم يوسف، ومن الذي سيسخر منه، وقد تبدلت الأحوال في مصر، وقد أصبح المعسكر الذي كان يوسف محسوبًا عليه حاكمًا وأصبح المعسكر الذي رأى في يوسف عدوًا محبوسًا أو محظورًا!.
كان أيضًا من بين هؤلاء من ينتظر محاباة من باسم للسلطة الجديدة في مصر، كي يُؤكد للجميع أن الإعلامي الساخر كان جزءًا من مؤامرة «صهيونية- ماسونية- علمانية» تستهدف «المشروعالإسلامي» والإسلام ذاته من خلال المشاركة في إسقاط جماعة الإخوان، التي رأت وسوقت نفسها على أنها الوكيل الحصري والوحيد للديانة الإسلامية.
وأيضًا كان هناك من ينتظر من باسم نقدًا للسلطة الجديدة في مصر، لتخليص حسابات قديمة، وللتأكيد أن الإعلامي الساخر جزء من «طابور خامس» ومن مؤامرة «صهيونية- ماسونية- أمريكية»تستهدف الثورة المصرية والجيش المصري، لمجرد ذكره اسم الفريق عبد الفتاح السيسي، حتى لو كان يتحدث عن الشعبية التي بات يتمتع بها الفريق بعد 30 يونيو!.
بين هذا وذاك، خرج باسم يوسف على مشاهديه ومحبيه ومنتقديه مؤكدًا اتساقه مع ذاته، فالرجل الذي كان من أكثر من وجهوا نقدًا لاذعًا لمرسي وجماعته وأهله وعشيرته عندما كانوا في السلطة، مستمر في توجيه هذا النقد، وإلى جانبه أيضًا نقد لبعض الممارسات، وتعبير عن آرائه (التي قد أختلف مع بعضها)، التي كان يصفق لها كثيرون عندما كانت تتفق مع آرائهم وأصبحوا يلعنون صاحبها عندما أصبحت هذه الآراء تختلف مع آرائهم.
أستطيع أن أتفهم بسهولة أي هجوم إخواني على شخص باسم يوسف وكل محاولات النيل منه، وأستطيع أيضًا أن أتفهم أي هجوم من فلول نظام مبارك على باسم كنوع من أنواع «تخليص الحق»، إلا أنني لا أستطيع أن أتفهم على الإطلاق أي محاولات من جانب بعض الأشخاص المحسوبين على الثورة على باسم يوسف وأي محاولة لتشويهه لمجرد أنه اختلف، ولو قليلًا، مع آرائهم ووجهات نظرهم.
لم يكن تصفيقنا لباسم يوسف في عهد محمد مرسي نكاية في الإخوان المسلمين، ولا نوع من أنواع «كيد النسا»، بالعكس كان تصفيق لإعلامي ساخر يستطيع أن ينتقد من هم في السلطة بهذه الجرأة وأن يسخر منهم بهذا الشكل، وكان جزء منه أيضًا تصفيق لنا أنفسنا لأننا استطعنا، تحت قيادة شعبنا، أن ننتزع هذه الحرية، التي يستطيع فيها مواطن مصري أن ينتقد رئيس الدولة بشكل ساخر على شاشات التليفزيون.
كنا نعارض مبدأ: «أنت تنتقد مرسي إذن أنت ضد الله ودينه»، وكان ذلك أحد أهم الأسباب التي جعلتنا نصفق لباسم يوسف لانتقاده لمرسي وهو على رأس السلطة في مصر، ونُعارض أيضًا مبدأ:«أنت تنتقد السيسي إذن أنت ضد الوطن وجيشه»، وذلك أيضًا من أهم الأسباب التي يجب أن تجعلنا نصفق لباسم يوسف، نُصفق له لأنه على عهده، ينتقد من في السلطة أيًا كان، ولا يتملق أحدًا،كما يفعل كثير ممن اعتادوا التملق هذه الأيام، فهؤلاء الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها بسبب ذكر اسم الفريق السيسي في حلقة باسم يوسف، لم يُحركوا ساكنًا عندما انتقد يوسف الرئيس عدلي منصور،رغم أنه رئيس الجمهورية ورمز الدولة، الأمر يبدو إذن نوعًا من أنواع التملق وليس دفاعًا عن ثورة.
من أراد أن يُدافع عن ثورته فليدافع عن الحريات، التي لم تكتمل بعد، والتي اكتسبها الشعب المصري بعد ثورة 25 يناير بموجاتها المتتالية والتي كان آخرها في 30 يونيو. من أراد أن يُدافع عن ثورته فليدافع على حق المُبدع في الإبداع، لا أن يُصادر هذا الحق ويجعله مشروطًا بأن يكون هذا الإبداع معبرًا عن آرائه هو لا عن آراء المبدع، أما من أرادوا أن يدافعوا عن فراعينهم، فليقتلوا باسم أو يطرحوه أرضًا تخلو لهم وجوه فراعينهم، إلا أن هذه الوجوه لن تراهم إلا أقزامًا.
Read more at
http://elbadil.com/?p=575506#xmgjifSvZc0bmOUC.99