دمشق تعيش في تناقض مريب، شوارع خالية وأحياء خاوية وبجوارها تماما على طرف الأوستراد شوارع مزدحمة وأحياء مسكونة فيها الرائح والغادي، وفي المدينة نفسها أحياء مدمرة بالكامل وأحياء عامرة، حيٌ طبيعي يبيع الناس فيه ويشترون ويتنزهون (ولا أدري كيف يفعلون وإخوانهم يموتون !!!؟)، وفي الحي المجاور له يُحاصرون ويجُوعون ويُقتلون ..
أكثر الرجال بلا عمل، والأسعار في غلاء، حتى المنتجات المحلية أسعارها خيالية .. وأصبح بعض الطعام من الكماليات ، الكهرباء تنقطع 12 ساعة يوميا" على الأقل ، والغاز في المناطق المحاصرة أصبح ذكرى جميلة.
الناس معكتفة في دورها لا تخرج إلا لضرورة ملحة، وبعد المغرب تفرغ أكثر الطرقات ، واقتصرت أحاديث الناس تقتصر على المآسي والحرمان ، فهذه بيتها تهدم وسُرق، وهذه وصلتها قذيفة ودخلت البيت فقطعت أصابع ابنتها الصغيرة ...
شوارع كثيرة أغلقت ، والإنتقال من حي إلى حي يستغرق ساعتين ، والمشي أصبح أسرع وأسهل .. الحواجز التي تملأ الشوارع، والقائمون عليها يختلفون ، في المناطق الراقية يعاملون المارة بشيء من الاحترام ، وفي المناطق الأخرى بكل الازدراء .. والإيرانيون يقفون على بعضها بوقاحة ، وقد يقف المرء نصق ساعة وساعة وأكثر ليمر على حاجز واحد، العلويون يضعون بين كل حارة وحارة لجان شعبية منهم ومن حزب الله ومعهم سواطير، الخطف مألوف والفدية غالية ، ويوقفك الحاجز الطيار فلا تدري هل هو النظام أم الشبيحة. وقد يخطف المرء أكثر من مرة . . والإعتقالات والمداهمات لا تتوقف ..يدقون على البيوت الفارغة يوما أو يومين فإن لم يجدوا أهلها فيها أسكنوها الشبيحة، بل أخرج النظام الكثير من أهل بعض أحياء الميدان والزاهرة من بيوتهم قسرا وعلى حين غرة وأسكن فيها أعوانه، واستأجر البيوت الفاخرة المشرفة على الفروع الأمنية غصباً عن أهلها.
في بعض الأحياء المستهدفة هَبّطوا بيوتا على أهلها وهم في داخلها بلا إنذار ولا تهديد مسبق، وكأنه زلزال، رائحة الدم ملأت المكان، وسال الدم في الطرقات كما سال أيام المغول والتتار..
كان أهل الشام يستدلون على بيوت بعضهم بعضا بأسماء الشوارع والدكاكين، أما اليوم فباتوا يستدلون عليها بأسماء الفروع الأمنية وأماكن التفجيرات...كل هذا ومازال بعض الناس يؤيدون النظام.
لقد أصبحنا نعيش بالبركة وإذا خرجنا لا ندري سنعود أم سنموت ، أصبح التخطيط خارج قدراتنا وطاقتنا ، ولا ندري ماذا يحدث بعد ساعة، الآن أدركنا معنى التوكل الحقيقي .
وإكتشف أهل الشام قوة الإنسان وقدرته الهائلة على التكيف، فبعد القتل والحرق والهدم والتخويف والتجويع... أصبح الناس يعيشون ويتأقلمون ويبيعون ويشترون ويتزوجون، ويخترعون ويبدعون وسائل جديدة لتجاوز الأزمات .. لقد عادت الحياة في سوريا إلى بساطتها القديمة ، وإبتعد الناس عن التفاخر بالمظاهر والماركات .
هذه ببساطة هي الأوضاع الأن في دمشق وضواحيها .. وفي كل عموم مدن ونواحي سوريا ..
‬