عصبة التحرر الوطني في فلسطين (1943-1948)
تجربة تنظيم " شيوعي " فريد
ماهـر الشـريـف
(أُلقي هذا النص في المؤتمر العلمي الدولي الذي نظمه المعهد الألماني للأبحاث الشرقية ببيروت، تحت عنوان: "التوتاليتارية الأوروبية في مرآة الفكر العربي"، ما بين 6 إلى 8 تشرين الأول 2010)
في سنة 2009، مرّ تسعون عاماً على ظهور أول نواة " شيوعية " في فلسطين، تشكّلت على أيدي بعض الثوريين اليهود الذين قدموا إلى فلسطين، في إطار الهجرات الصهيونية. ومنذ ذلك التاريخ، انضوى الشيوعيون في فلسطين في أطر تنظيمية عديدة حملت أسماء مختلفة، كان اختيارها محكوماً، من جهة، بارتباطهم ب " المركز" الشيوعي العالمي، أو بانعدام هذا الارتباط – في حالة غياب " المركز"-، كما كان محكوماً، من جهة ثانية، بطبيعة التطوّرات العاصفة التي كانت تشهدها القضية الفلسطينية.
وقد تميّزت من بين تلك الأطر التنظيمية العديدة، التي انضوى في إطارها الشيوعيون الفلسطينيون على مر العقود الفائتة، عصبة التحرر الوطني في فلسطين، التي برزت بوصفها تنظيماً "شيوعياً" فريداً، وقف، على الصعيد التنظيمي، في منتصف الطريق بين صيغة الحزب الشيوعي "الطبقي" وصيغة التنظيم الوطني اليساري العريض، وسعى، على الصعيد السياسي، في بحثه عن حل ديمقراطي للقضية الفلسطينية، إلى الجمع بين الماركسية والليبرالية السياسية، ونجح في أن يعطي النشاط الشيوعي، بين صفوف العرب الفلسطينيين، زخماً لم يشهده تاريخ فلسطين منذ قيام قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني بتبني سياسة "التعريب" في عام 1924.
وسيحاول هذا البحث من خلال دراسة تجربة عصبة التحرر الوطني في فلسطين، (1943-1948)، أن يزكي الافتراض بأن هذا التنظيم "الشيوعي" الفريد لا يندرج، لا من حيث الفكر السياسي ولا من حيث البناء التنظيمي وأشكال النضال، في إطار ما اصطُلح على تسميته ب" التوتاليتارية"، وأن يظهر، بالتالي، عدم إمكانية تطبيق "النظرية التوتاليتارية" الأوروبية على دراسة الحركة الشيوعية العربية في فلسطين.
الحزب الشيوعي الفلسطيني: من التأسيس إلى الانقسام القومي
شهدت فلسطين التي وقعت، بعد الحرب العالمية الأولى، في قبضة انتداب الحكومة البريطانية التي تعهدت بدعم مشروع إقامة "الوطن القومي اليهودي"، بدايات النشاط الشيوعي في منطقة المشرق العربي. فمنذ تشرين الأول 1919، ظهرت النواة الأولى للحركة "الشيوعية" فيها تحت اسم "حزب العمال الاشتراكي"، الذي كان مرتبطاً باتحاد يهودي يساري عالمي باسم "البوعالي تسيون"، وكان يدور في فلك "الصهيونية الاشتراكية" او "البروليتارية". وقد سعت هذه النواة الأولى، بعد ظهورها بفترة قصيرة، إلى الانضمام إلى الأممية الشيوعية (الكومنترن)، التي اشترطت عليها، قبل الموافقة على قبول عضويتها، أن تقوم بتبنيّ سياسة "التعريب"، على صعيد العضوية والتوجّه، وأن تقوم بتغيير اسمها وتقطع صلاتها بتيارات " الصهيونية الاشتراكية" (1).
وكان المؤتمر الثاني للكومنترن، الذي انعقد في صيف العام 1920، قد اشترط على كل الأحزاب الاشتراكية الراغبة في الانضمام إلى صفوفه أن تغيّر أسماءها وأن تتبنّى اسم: "الحزب الشيوعي في ... (فرع الكومنترن) "، مؤكداً بأن قضية التسمية هنا " ليست شكلية بل تتسم بأهمية سياسية كبيرة"، لا سيما وأن الكومنترن لم يكن إطاراً للتحالف بين أحزاب وإنما كان، في الواقع، حزباً شيوعياً عالمياً يستند إلى مبادئ "المركزية الديمقراطية". وبعد صراعات شديدة، شهدت العديد من الانقسامات، أُعلن رسمياً في التاسع من تموز 1923 عن تشكيل "الحزب الشيوعي الفلسطيني"، وعن موافقة قيادته على شروط الانتساب إلى الكومنترن، الذي شكّل لجنة خاصة للبت في مسألة انضمام الحزب الجديد إلى صفوفه. وفي 26 شباط 1924، أصدرت هذه اللجنة تقريراً أفاد بأن الحزب الشيوعي الفلسطيني قد استوفى "كل الشروط المطلوبة"، وصار يعتبر "فرعاً رسمياً للكومنترن" (2).
وهكذا، أصبح الحزب الشيوعي الفلسطيني السائر على طريق "التعريب"، منذ عام 1924، جزءاً من حركة شيوعية عالمية، مرتبطة بمركز لعب دور المرجعية الأيديولوجية والسياسية والتنظيمية لفصائل هذه الحركة، وكان خاضعاً لقيادة الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي. وصار يتوجب على الحزب الشيوعي الفلسطيني بالتالي أن يلتزم بتوجيهات اللجنة التنفيذية للكومنترن، السياسية والتنظيمية، وأن يرسم سياساته وفق البرامج العامة المقرّة في مؤتمرات الكومنترن العالمية، وهي توجيهات وبرامج لم تكن غالباً منسجمة مع خصوصية الواقع الفلسطيني. وقد حدّ هذا الارتباط بالمركز من قدرة الشيوعيين الفلسطينييين، طوال العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، على تطوير سياسات مستقلة، وحال دون تمكينهم من بلورة تجربة خاصة بهم على صعيد بناء الحزب.
وكدليل على تلك التوجهات والبرامج غير المنسجمة مع خصوصية الواقع الفلسطيني، يمكننا التوقف عند بعض ملامح السياسة التي انتهجها الحزب الشيوعي الفلسطيني في أعقاب انعقاد المؤتمر العالمي السادس للكومنترن في صيف العام 1928.
ففي ذلك المؤتمر، تخلى الكومنترن عن سياسة "الجبهة المتحدة المعادية للامبريالية"، وتبنّى سياسة "طبقة ضد طبقة"، متّخذاً موقفاً "انعزالياً" من البرجوازية الوطنية في البلدان المستعمرة والتابعة، وطرح أمام الأحزاب الشيوعية في هذه البلدان مهمات "يسارية"، مثل مهمة " إنجاز الثورة الزراعية" و" إقامة حكومة العمال والفلاحين"، كخطوة على طريق " ديكتاتورية البروليتاريا". وقد انعكس هذا التوجه "اليساري الانعزالي" على سياسة الحزب الشيوعي في فلسطين، الذي صار يهاجم، في أعقاب المؤتمر العالمي السادس، "القوميين الإصلاحيين" المسيطرين على قيادة الحركة الوطنية العربية الفلسطينية، وينتقد سياستهم، القائمة على قاعدة المطالبة بإقامة "مجلس تشريعي"، معتبراً أن البرلمانية "هي هدف الزعماء الخونة، الذين يرون فيها وسيلة لتسلم المناصب العليا في الإدارة وفرصة للجلوس إلى جانب الامبرياليين الانكليز". كما صار يدعو إلى ربط شعار تحرير فلسطين بشعار إقامة "حكومة عمالية فلاحية"، على اعتبار أن طبقة العمال والفلاحين "هي الطبقة الوحيدة التي تسعى فعلاً، وبشكل حقيقي، إلى تحرير فلسطين" (3).
ولم تبرز الإرهاصات الأولى لمحاولات الشيوعيين الفلسطينيين ابتداع سياسات مستقلة ومنسجمة مع خصوصية واقعهم إلا في ظروف الإضراب العام والثورة الكبرى في سنوات 1936-1939، ولا سيما بعد أن أوصى المؤتمر السابع للكومنترن، المنعقد في صيف العام 1935، لجنته التنفيذية بالعمل على مراعاة الظروف والخصائص الملموسة في كل بلد من البلدان، والامتناع عن التدخل المباشر في الشؤون التنظيمية الداخلية لفروع الكومنترن، التي يتوجب عليها الاعتماد على إمكاناتها الذاتية وتحديد سياساتها بنفسها. وما أن خفت قبضة "المركز" على الحزب الشيوعي الفلسطيني حتى ظهرت الخلافات بين صفوف قيادته، وبخاصة بعد أن سعت سكرتارية "القسم اليهودي، في عام 1937، إلى إقامة "جبهة شعبية" مع بعض القوى والأحزاب الصهيونية "المعتدلة"، وهي خلافات عمقتها، في ظروف الثورة، صعوبات الاتصال بين الشيوعيين العرب واليهود، القاطنين في أحياء ومناطق معزولة عن بعضها البعض. وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، تفاقمت الخلافات داخل قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني حول الموقف من الأقلية اليهودية في فلسطين، حيث اعتبر أعضاء القيادة من اليهود، وبخلاف رفاقهم العرب، بأنه راحت تنشأ في فلسطين وضعية ثنائية القومية، وصارت تبرز، إلى جانب القومية العربية، "قومية يهودية في طور التكوين". وفي أيار 1943، وفي الوقت الذي أعلن فيه في موسكو عن حل الكومنترن، بات من المستحيل الحفاظ على التعايش بين الشيوعيين العرب واليهود داخل الحزب الواحد، الأمر الذي أدّى عملياً إلى خروج الشيوعيين العرب من صفوف الحزب الشيوعي الفلسطيني، الذي بقي مقتصراً على أعضائه من اليهود (4).
تشكيل عصبة التحرر الوطني في فلسطين
أدّى فشل ثورة 1936-1939، وتشديد سلطات الانتداب البريطاني لأعمال القمع، ومصادرتها لأبسط الحريات الديمقراطية، إلى حدوث جزر في مسيرة الحركة الوطنية العربية الفلسطينية. بيد أن حالة الركود، التي عرفتها الحركة الوطنية العربية عشية نشوب الحرب العالمية الثانية، لم تستمر طويلاً، حيث أسفر التحوّل الذي طرأ على مجرى الحرب، بعد الانتصار الكبير الذي حققته شعوب الاتحاد السوفيتي في معركة ستالينغراد في ربيع العام 1943، عن تنشيط الحياة السياسية في فلسطين والبلدان العربية الأخرى، ولا سيما يعد أن اضطرت سلطات الانتداب البريطاني إلى تخفيف قبضتها الأمنية وإباحة بعض الحريات السياسية والنقابية.
وإلى جانب التطوّرات التي طرأت على الوضع الدولي، كانت تجري في فلسطين تطوّرات اقتصادية واجتماعية هامة، أدّت إلى حدوث تغيّرات جذرية على بنية المجتمع العربي.
فقد أدّت الحرب إلى تحويل فلسطين إلى محتشد للجيوش البريطانية وإلى قاعدة لتموينها في المنطقة، مما دفع الحكومة البريطانية إلى إقامة العديد من المعسكرات والمشاغل، وإلى تشجيع قيام العديد من الصناعات المحلية، الأمر الذي ساعد على زيادة عدد العمال واختفاء ظاهرة البطالة بين صفوفهم. وشجعت إغراءات فرص العمل، في المعسكرات والمصانع، على تسارع حركية قوة العمل العربية، مما ساهم بالتالي في إضعاف الارتباط التقليدي للعامل العربي بمجتمع القرية، وإلى إضعاف الأنماط التقليدية التي كانت تسود سابقاً في التشغيل. وتسبب هذا بدوره في انتعاش الحركة العمالية النقابية بين صفوف العمال العرب، حيث استأنفت "جمعية العمال العربية الفلسطينية" في حيفا نشاطها، في عام 1942، وقامت بتأسيس فروع جديدة لها، كما تأسس، إلى جانبها، اتحاد نقابي جديد حمل اسم "اتحاد نقابات وجمعيات العمال العرب"، ضم في صفوفه عمال شركات النفط وعدداً من المثقفين التقدميين. وإثر قيام عصبة التحرر الوطني، نجح الاتحاد في إصدار صحيفة "الاتحاد"، كلسان حال جميع العمال العرب في فلسطين، ثم شكّل، مع المنظمات النقابية اليسارية التي انسحبت من "جمعية العمال العرب الفلسطينية"، "مؤتمر العمال العرب في فلسطين"، الذي تحوّل إلى أكبر اتحاد نقابي عربي في فلسطين، حيث ضم في عضويته أكثر من عشرين ألف عامل (5).
وترافق انتعاش الحركة العمالية العربية مع ظاهرة تنامي الاتجاهات التقدمية والديمقراطية بين صفوف الطلاب والمثقفين العرب، الذين شكّلوا، فيما بعد، القاعدة التي قامت عليها، في أيلول 1941، "رابطة المثقفين العرب في فلسطين ". وفي تلك الفترة، بدأت تظهر كذلك في مدن فلسطين الرئيسية العديد من النوادي الاجتماعية والسياسية، كنادي "شعاع الأمل"، الذي أراد أن يكون صلة وصل بين أعضاء "رابطة المثقفين العرب" وبين العاملين في شركات النفط ومصانع تكرير البترول، ونادي "الشعب" (6). كما راحت تتشكّل مجموعة من الحلقات والخلايا الماركسية. ففي مدينة الناصرة مثلاً، قام فؤاد نصار بتشكيل حلقة ماركسية ضمت عدداً من العمال والمثقفين، الذين كانوا يجتمعون بصورة دورية ويطلعون على النشرات الماركسية، إلى أن أصبحت حلقتهم جزءاً من عصبة التحرر الوطني في فلسطين (7).
وهكذا، كان قد تشكّل في فلسطين، عشية وقوع الانقسام القومي في صفوف الحزب الشيوعي الفلسطيني بين العرب واليهود في أيار 1943، تيار وطني يساري ديمقراطي عريض، جمع عدداً كبيراً من العمال والمثقفين، وكان يبحث عن الأشكال التنظيمية الملائمة لتوحيد قواه وتأطير نضالاته. وقد اضطلع الشيوعيون العرب، الذين خرجوا من صفوف الحزب الشيوعي، بهذه المهمة، وأُعلن رسمياً، في شباط 1944، عن ولادة عصبة التحرر الوطني في فلسطين.
عصبة التحرر الوطني و "الاتحاد الوطني"
ومع أن العمال والمثقفين قد شكّلوا القاعدة التي قام عليها تنظيم عصبة التحرر الوطني، إلا أن استناد العصبة إلى هاتين الفئتين الاجتماعيتين لم يحل دون سعيها إلى طرح برنامج سياسي متجاوب مع مصالح كل الشعب الفلسطيني، الذي كان، بمختلف طبقاته وفئاته الاجتماعية، مهدداً في وجوده بفعل تسارع وتيرة تنفيذ المشروع الصهيوني، المدعوم من الاحتلال البريطاني.
فقد شددت العصبة على أن التحرر الوطني هو "هدف الشعب كله"، وهو "وسيلة الأمة بأسرها إلى حياة حرة سعيدة"، حيث أن جميع طبقات الشعب "من عمال وفلاحين ومثقفين وتجار وصناعيين وطنيين" تشعر "شعوراً وطنياً واحداً "، ويجمعها النضال في سبيل التحرر الوطني " في صعيد واحد ". أما الحركة الوطنية فهي "ليست احتكار طبقة معينة من طبقات المجتمع العربي، وليست ممثلة لمصلحة طبقة معينة بالذات"، بل هي "حركة الشعب بأكمله، طبقات وأفراداً، حركة شاملة جامعة تنظّم تحت لوائها جميع العناصر الراغبة في السير مع قافلة الحرية في هذا الوطن العربي العزيز" (8).
وفي دفاعها عن مصالح العمال العرب الاجتماعية، أشارت عصبة التحرر الوطني إلى أن العمال العرب في فلسطين يعون أهمية تطوير وتدعيم الاقتصاد العربي، خصوصاً في ظل المنافسة الشديدة التي يتعرض لها من قبل الاقتصاد الصهيوني المتطوّر، ولكنهم "يفهمون أيضاً أن لهم نصيباً من هذا الاقتصاد في حالة ازدهاره ونموه، كما هو واقع الآن". وأكدت بأن موقف العمال العرب من أصحاب العمل العرب يختلف تماماً عن موقفهم من أصحاب العمل الأجانب، وذلك "لعلمهم أن المشاريع الصناعية الأجنبية في فلسطين هي مشاريع احتكارية، تقف حجر عثرة في سبيل حرية بلادهم، وبالتالي سعادتهم وسعادة عائلاتهم". وعلى هذا الأساس، فقد تنازل العمال العرب "في كثير من المناسبات عن كثير من حقوقهم التي يختلفون عليها مع صاحب العمل العربي، بينما [أصرّوا] على نيلها كاملة من صاحب العمل الأجنبي"، دون أن يعني ذلك أبداً ان يحاول أصحاب العمل العرب "أن يسلبوهم حقوقهم لهذا السبب، وإنما عليهم ان يساعدوا العامل في حمل رسالته المشرفة، بأن يتنازلوا له عن حقوقه ما أمكن، حتى يتمكن الفريقان من المساهمة في النضال الوطني مساهمة فعالة" (9).
والواقع، أن عصبة التحرر الوطني قد أدركت، لدى تحليلها لواقع فلسطين الملموس، أن الشعب الفلسطيني يختلف عن كل الشعوب والأمم الأخرى في العالم في كونه شعباً يفتقد إلى كيان سياسي مستقل، ويواجه احتلالاً استيطانياً اقتلاعياً، ويتوق، بمجموع طبقاته وفئاته الاجتماعية، إلى التحرر والاستقلال الوطني. وهذا الإدراك لحقيقة وجود قواسم مشتركة بين مختلف طبقات الشعب الفلسطيني في مرحلة التحرر الوطني هو الذي فرض على الشيوعيين الفلسطينيين، في إطار العصبة، الخروج من إطار الطبقة الضيق إلى رحاب الشعب.
عصبة التحرر الوطني والنضال ضد النازية والفاشية
لم تكتسب فلسطين، قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، "مكانة خاصة" في سياسة ألمانيا النازية على الصعيد الدولي، حيث " لم ترَ أجهزة الحكم النازي في التعاون مع الحركة الاستقلالية الفلسطينية، حتى أواخر الثلاثينيات، مصلحة ألمانية "، بل رأت هذه المصلحة " في هجرة اليهود الألمان إلى فلسطين ". وبعد نشوب الحرب العالمية الثانية، نجحت بعض الأوساط في قيادة الحركة الوطنية العربية في فلسطين، وفي مقدمها مفتي القدس محمد أمين الحسيني، في إقامة صلات مع دولتي المحور، إيطاليا وألمانيا، وفقاً لتصوّر قام على أساس مقولة إن "عدو عدوي صديقي". ومع أن هذه الصلات بقيت في حدود ضيقة، ولم تسفر عن دعم فعال من قبل دولتي المحور لنضال الشعب العربي الفلسطيني، إلا أنها تركت انعكاسات سلبية على نضال الشعب العربي الفلسطيني، وسمحت للحركة الصهيونية بتشويه صورة نضال هذا الشعب في العالم، وبخاصة بعد أن أمدتها الهمجية النازية إزاء اليهود وصور معسكرات العمل و الإبادة "باحتياط خُلُقي لا يمكن استنفاده خلال أعوام ما بعد الحرب" (10).
وقد عارضت عصبة التحرر الوطني تلك المواقف التي اتخذها المفتي، وأكدت بأن الشعب العربي الفلسطيني يقف، في هذه الحرب، في خندق القوى الديمقراطية العالمية المناضلة ضد الفاشية والنازية، حيث اعتبر أحد قادتها ، وهو بولس فرح، أن الحركة الوطنية العربية في فلسطين هي " حركة تقدمية في مضمونها وجوهرها"، تستهدف "الوصول إلى أسباب الرقي الاجتماعي والثقافي والسياسي، لتمكّن الشعب العربي من السير مع قافلة البشرية الحرة"، وهي بالتالي "لا تستهدف الاعتداء على أحد، كالحركة النازية مثلاً" (11).
وفي نشرة داخلية، أصدرتها في 5 نيسان 1944، حددت العصبة المرحلة التي تمر بها فلسطين بأنها مرحلة التحرر الوطني، وقدّرت بأن شعوب العالم بأسره "تحارب اليوم في سبيل إعطاء كل شعب حقه في تقرير مصيره"، وأن هزيمة دول المحور ستعني "تحرير الشعوب، التي ستقرر مصيرها بنفسها"، معتبرةً بأن نضال الشعب الفلسطيني من أجل تحرره الوطني يلقى تأييد "جميع الشعوب المحبة للحرية، التي تناضل في هذه الحرب ضد الطغيان والعبودية، وشعارها "الموت للفاشستية والحرية للجميع"" (12).
وعادت عصبة التحرر الوطني وأشارت، في نشرة داخلية أصدرتها في 12 نيسان 1944 بعنوان: "حركتنا الوطنية والقوى التحريرية العالمية"، إلى أن القضية الفلسطينية هي "جزء من القضية العالمية، قضية القضاء على النظم العنصرية، قضية استقلال جميع الشعوب ضمن أوطانها، وتآخي الشعوب ومساواتها، قضية سلام عالمي دائم"، وأن نضال الشعب الفلسطيني من أجل حريته واستقلاله هو جزء من نضال الشعوب "ضد النازية والفاشستية ونظمها العنصرية"، وهو جزء من نضال "الشعوب السوفياتية، والشعوب الانجليزية والأمريكية والفرنسية واليوغوسلافية وغيرها من الشعوب، المناضلة للقضاء على أكبر خطر يهدد الحريات الوطنية". وأكدت، في هذا السياق، أهمية العمل على توحيد القوى التقدمية في العالم في "جبهة مناهضة للنازية والفاشستسة"، وقدّرت بان الحرب العالمية الدائرة تبشر بولادة عالم جديد، "عالم تعيش فيه الأمم محترمة حقوق بعضها البعض، وكل أمة ستدرك أن حرية غيرها هي الضمانة لحريتها واستقلالها" (13).
عصبة التحرر الوطني وحل المسألة اليهودية
إثر المذابح التي تعرض لها اليهود الأوروبيون على أيدي أجهزة النظام النازي، تصدّت عصبة التحرر الوطني للمحاولات التي قامت بها الحركة الصهيونية لإقناع الرأي العام العالمي بأن قضية فلسطين "هي قضية هجرة يهودية، او إيقاف هذه الهجرة لا أكثر ولا أقل"، وأكدت أن قضية فلسطين هي مثل قضية كل بلد مستعمر، قضية "الاستقلال والتحرر من نفوذ أجنبي استعماري"، وأن المسألة اليهودية خارج فلسطين "تختلف، من الأساس، عنها في داخل فلسطين"، وأن الاضطهاد الذي يعانيه اليهود في أوروبا "يختلف كلية عن مقاومتنا للهجرة في الداخل". ورداً على الضغوط التي صارت تمارسها الإدارة الأمريكية على الحكومة البريطانية، في أعقاب الحرب العالمية العالمية الثانية، لقبول هجرة 100000 يهودي جديد إلى فلسطين، أكدت قيادة عصبة التحرر الوطني، في بيان أصدرته، أن فلسطين لا يمكنها أن تحل المسألة اليهودية "التي يرتبط حلها بتضافر جهود جميع الدول الأوروبية"، ودعت إلى تشكيل لجنة دولية تبحث في إيجاد حل ديمقراطي لمشكلة المشردين اليهود في إطار هيئة الأمم المتحدة (14).
وأشارت عصبة التحرر الوطني ، في المذكرة التي وجهتها إلى هيئة الأمم المتحدة في آب 1947، إلى أن الحركة الصهيونية "تتسلح بمآسي اللاسامية"، وما تعرض له اليهود من "اضطهاد عنصري"، لتحقيق هدفها في إنشاء دولة يهودية في فلسطين. ورأت أن ألمانيا الهتلرية "هي التي شحذت سلاح اللاسامية، وبلغت الذروة في استخدامه بقصد تحويل الجماهير الألمانية عن النضال ضد مستغليهم... إلى نضال عنصري وحشي ضد اليهود"، الأمر الذي يعني أن المسألة اليهودية لا يمكن أن تبحث " في معزل عن القضية التي تعترض الإنسانية كلها اليوم"، على اعتبار أن اللاسامية "هي نتيجة حتمية لمظاهر معينة في المجتمع الحالي"، ولا يمكن حلها إلا من خلال " نشر الديمقراطية الحقة في العالم " (15). وقدّرت العصبة، في المذكرة نفسها، أن ربط مشكلة المشردين اليهود، الناجمة عن الاضطهاد العنصري، بالقضية الفلسطينية لن يؤدي سوى إلى تعقيد هذه القضية. ففلسطين لا يمكنها أن تحل مشكلة المشردين اليهود، وإنما المسؤولية في ذلك هي مسؤولية عالمية، " ومن واجب العالم مجتمعاً أن يجد هذا الحل بأن يؤمن للذين يرغبون منهم في العودة إلى أوطانهم الأصلية عودة سريعة واستقراراً حقيقياً، وبأن تتحمل دول العالم مجتمعة عبء إيواء هؤلاء المشردين الذين لا يرغبون في العودة إلى أوطانهم الأصلية "، كما يمكن للشعوب العربية أن تساهم " في حل هذه المشكلة جنباً إلى جنب مع جميع أقطار العالم المستقلة " (16).
وخلصت العصبة إلى أن قيام "دولة فلسطينية مستقلة ديمقراطية"، تحفظ حقوق جميع مواطنيها من العرب واليهود، هي "الضمانة الحقيقية ضد أي اضطهاد وعدوان". فالديمقراطية، والتعاون بين العرب واليهود، هما "السبيل الوحيد لإيجاد الحياة المطمئنة والروح الإنشائية في فلسطين، وهما وحدهما اللذان يضمنان لليهود حياة مستقرة ثابتة في فلسطين". أما تعلق الجماهير اليهودية بشعار الهجرة فهو، بالإضافة إلى أنه " يعمق الخلاف والبغضاء بين العرب واليهود، وينمي النعرة العنصرية "، سيؤدي إلى تأخير وإعاقة " حل القضية الفلسطينية". ولذا، ينبغي أن يترك البت في مشكلة الهجرة اليهودية " إلى أهالي البلاد أنفسهم ليقرروا فيها عندما ينالون حريتهم واستقلالهم، ويصبحون المسيطرين على مصائرهم" (17).
دعامتا حل"العقدة الفلسطينية": تقرير المصير والديمقراطية
دعت عصبة التحرر الوطني في فلسطين، منذ قيامها، إلى حل للقضية الفلسطينية، يقوم على " حق تقرير المصير والديمقراطية"، بما يؤمن استقلال فلسطين من الاستعمار الأجنبي، ويضمن الحقوق المدنية والحريات الديمقراطية للسكان اليهود فيها.
ففي المذكرة التي أرسلتها سكرتارية عصبة التحرر الوطني إلى المستر إتلي رئيس الوزراء البريطاني، في 10 تشرين الأول 1945، اعتبرت العصبة أن حزب العمال البريطاني، بوصفه "قوة عالمية مسؤولة"، لم يعد في مقدوره أن يرفض " منح حق تقرير المصير لأي شعب من الشعوب "، كما لم يعد في مقدور أحد أن يقف في وجه نشر الديمقراطية في العالم لأنها " أمر حاربت في سبيله الأمم المتحدة جميعها وأحرار الشعوب في كل بلد من بلد الأرض ".
وأوضحت العصبة أن حق تقرير المصير "يظل كلاماً مبهماً إذا لم تتوفر الشروط لتأمينه، وذلك بأن يُعترف بأن من حق الشعب أن يصل إلى تحرره الوطني واستقلال بلاده من كل نفوذ أجنبي استعماري، وأن من حقه أن يقرر شؤونه الداخلية والخارجية وحده وبمحض اختياره، وأن تقوم على تنفيذ هذا الحق مؤسسات وطنية شعبية تعكس رأي الشعب بحرية وطلاقة" (18).
ورأت العصبة في إشاعة الديمقراطية في السياسة والاقتصاد الشرط الذي لا بدّ منه لضمان ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير، وذلك "لأن الديمقراطية هي من الضرورات الأولية لكل حركة وطنية تطالب بالحرية"، ولأن السياسة الديمقراطية هي وحدها التي ستضمن الحفاظ " على السلم في فلسطين... وفي الشرق العربي بأسره". ودعت العصبة حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين إلى أن تسير على خطة ديمقراطية في تسيير دفة الحكم في فلسطين، بحيث "يشترك الشعب بجماهيره الواسعة في إدارة شؤونه"، وهو ما يعني بلغة الواقع "إجراء انتخابات ديمقراطية للمجالس البلدية وإجراء انتخابات ديمقراطية لمجلس تشريعي ومنح الشعب حريات واسعة في إدارة شؤونه وتحقيق آماله" (19).
وتوجهت العصبة في نهاية المذكرة إلى رئيس الوزراء البريطاني بالقول: "إن النصر الذي أحرزته الأمم المتحدة وضع حداً للاضطهاد العنصري والعدوان على الشعوب والقوميات... وعصبتنا، التي رحبت بانتصار العمال في بريطانيا، ولها الثقة الراسخة في جدوى الحلول الديمقراطية الاشتراكية، تأمل منكم، بصفتكم رئيساً لحكومة العمال، أن تعملوا على حل المشكلة الفلسطينية بروح اشتراكية صادقة، بروح قرارات سان فرانسيسكو التي اعترفت لكل شعب بحق تقرير مصيره" (20).
عصبة التحرر الوطني والوقوف في وجه الإرهاب
أشارت عصبة التحرر الوطني، في بعض وثائقها، إلى أن "النضال السلمي" هو الشكل الوحيد الذي ستنتهجه في نشاطها السياسي.
وكانت فلسطين قد شهدت، خلال أحداث ثورة 1936-1939، قيام بعض الأوساط في قيادة الحركة الوطنية العربية بتنفيذ العديد من عمليات الإرهاب الفردي والقتل السياسي ضد معارضيها. وفي عام 1947، وبعد إعلان هيئة الأمم المتحدة عن تشكيل لجنة التحقيق الدولية الخاصة بفلسطين، عادت تلك الأوساط إلى ممارسة الأسلوب نفسه، حيث جرت آنذاك عدة اعتداءات على المتاجر العربية في القدس، بحجة خرق أوامر مقاطعة لجنة التحقيق الدولية، وألقيت القنابل على منازل بعض الزعماء العرب، كما وقعت عمليات اغتيال عديدة، كان من أبرز ضحاياها النقابي سامي طه سكرتير جمعية العمال العرب الفلسطينية في حيفا.
وقد شجبت قيادة عصبة التحرر الوطني اللجوء إلى الإرهاب الفردي والقتل السياسي، كأسلوب في العمل السياسي، وحذّرت من مخاطره، حيث أشار أحد قادتها، وهو فؤاد نصار، في كراس صدر عن "لجنة الثقافة السياسية" التابعة للجنة المركزية للعصبة، بعنوان" الإرهاب الفردي والقتل السياسي"، إلى أن المستعمر قد "دس" على الحركة الوطنية الفلسطينية أسلوب الإرهاب الفردي والقتل السياسي كي يتمكن "من تفريق صفوف الأمة أثناء خوضها معركة النضال الوطني في سبيل الحرية" (21).
ونظر فؤاد نصار، في الكراس المذكور، إلى القتل السياسي بوصفه "أخطر الأساليب التي تهدد وحدة الحركة الوطنية، خصوصاً في مجتمع مثل مجتمعنا... لا يزال إلى حد ما يقوم على العصبيات العائلية، وخاصة في القرى والبلدات الصغيرة"، ودعا إلى عدم التهاون " في مقاومة هذا الاتجاه"، لأن القتل السياسي "عدا عن أنه يشل النضال الوطني ويقضي على حرية الرأي ويبعد أقساماً كبيرة من الجماهير الشعبية عن الحركة الوطنية، فهو يترك آثاراً بعيدة الغور على حاضر النضال الوطني ومستقبله". وانتقد لجوء بعض أوساط داخل قيادة الحركة الوطنية إلى هذا الأسلوب كوسيلة " لمعالجة بعض القضايا الوطنية مثل بيوع الأراضي والسمسرة عليها، وفي مسألة مقاطعة البضائع اليهودية، وغير ذلك"، معتبراً بأن جميع هذه القضايا "لا يمكن معالجتها معالجة منفردة عن قضية البلاد الرئيسية، وهي قضية الحرية والاستقلال"، وذلك لأن "هذه القضايا كلها متفرعة عن وجود الاستعمار في وطننا، وهو أصل الداء والبلاء، وهو الذي قاد البلاد إلى أزمات اقتصادية وسياسية" (22).
وبعد أن أكد نصار على أنه لا يمكن لأحد أن "يجيز لنفسه أن يحكم على الناس بالقتل أو بإتلاف أموالهم"، لأن ذلك هو من حق محاكم الشعب فقط، أعرب عن قناعته بأن أسلوب الإرهاب "لا يردع خارجاً عن غيه"، بل " يشيع الفوضى والفساد في الصفوف المتراصة، ويفتح ثغرات يتسرب منها المستعمر". واختتم كراسه بتوجيه نداء من عصبة التحرر الوطني إلى جماهير الشعب العربي الفلسطيني وإلى جميع الهيئات والأحزاب والنوادي والجمعيات للوقوف صفاً واحداً "في وجه الاتجاه الإرهابي الذي أخذ يذر قرنه من جديد داخل حركتنا الوطنية" (23).
عصبة التحرر الوطني وشعار الدولة الديمقراطية
كانت مسألة الوجود اليهودي في فلسطين ومستقبله من المسائل المركزية التي واجهها الفكر السياسي الفلسطيني في عهد الانتداب البريطاني. وكان الغموض الذي اكتنف مواقف قيادة الحركة الوطنية العربية الفلسطينية، من مستقبل هذا الوجود، من الأسباب التي جعلت هذه الحركة تتخبط في موقفها تجاه استقلال فلسطين. وإثر اندلاع الحرب العالمية الثانية، لم تدرك قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية التغيّرات العميقة التي راحت تتولد عن تلك الحرب، والتي حوّلت المستوطنين اليهود في فلسطين إلى قوة سكانية وسياسية واقتصادية كبيرة، وخلقت أجواء من التعاطف الدولي الواسع معهم، لا سيما بعد المذابح الجماعية التي صار يتعرض لها يهود أوروبا على أيدي النازية. كما لم تتنبّه إلى خطورة التوجه الذي أُقرّ في مؤتمر الصهيونيين الأمريكيين، في أيار 1942، لإقامة دولة يهودية في فلسطين تكون جزءاً عضوياً من " العالم الديمقراطي الجديد "، وهو التوجه الذي صادق عليه المجلس العام للمنظمة الصهيونية العالمية، في تشرين الثاني من العام نفسه، وكان إيذاناً ببدء انحياز هذه المنظمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
ولدى قيامها، جابهت عصبة التحرر الوطني مشكلة وجود أكثر من 600000 يهودي، كانت الحركة الصهيونية قد تمكنت، قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية وخلالها، من اجتذاب العدد الأكبر منهم إلى فلسطين. وعلى الرغم من اتساع النفوذ الصهيوني بين صفوفهم، حاولت العصبة أن ترسم حدوداً واضحة بين الصهيونية، من جهة، والسكان اليهود في فلسطين، من جهة ثانية، حيث رفضت ادعاءات الصهيونيين بأنهم يعبّرون عن مصالح كل اليهود، وأكدت أن الصهيونية تتعارض مع مصالح اليهود أنفسهم، وانتقدت، في هذا السياق، مواقف القيادة القومية العربية التقليدية التي كانت تعلن دوماً أنها "لا يمكن أبداً ان تعيش بسلام مع السكان اليهود في فلسطين، وأن تؤمن لهم أي حق ديمقراطي من حقوقهم، أو الوصول إلى تفاهم معهم"، محذرة من مخاطر هذه "السياسة غير العملية"، تجاه السكان اليهود في فلسطين، والتي قد تقود إلى تقسيم فلسطين، "والتقسيم هو أخطر حل يجر البلاد إلى المصائب والاضطرابات الداخلية" (24).
ودعت عصبة التحرر الوطني الأوساط الوطنية العربية إلى تأمين حقوق السكان اليهود الديمقراطية في فلسطين، والوصول إلى تفاهم معهم. وحاولت أن تثبت، في الممارسة العملية، أن إمكانيات التفاهم بين العرب واليهود قائمة، من خلال سعيها إلى تحقيق وحدة العمال العرب واليهود في النضال ضد الاستعمار البريطاني، حيث نجحت، بفضل النفوذ الكبير الذي كانت تتمتع به داخل " مؤتمر العمال العرب "، في تحقيق نجاحات هامة على هذا الصعيد، تجسدت في الإضرابات المطلبية الموحدة التي شارك فيها العمال العرب واليهود في دوائر ومؤسسات الحكومة في نيسان 1946 وفي المعسكرات البريطانية في أيار 1947 (25).
وعندما تأكدت الحكومة البريطانية من عجزها عن إيجاد حل "للعقدة الفلسطينية"، واقترحت على الأمين العام للأمم المتحدة، في 2 نيسان 1947، إدراج القضة الفلسطينية على جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإلى عقد دورة طارئة لتشكيل لجنة خاصة تقوم بدراسة الأوضاع في فلسطين، أعلنت قيادة عصبة التحرر الوطني تأييدها لعرض القضية الفلسطينية على الأمم المتحدة، واعتبرته نصراً لنضال الشعب العربي الفلسطيني، وانتقدت، في هذا السياق، قيادة الحركة الوطنية العربية في فلسطين لأنها لم تبادر بنفسها إلى عرض القضية الفلسطينية على الأمم المتحدة، ولأنها بقيت تشكك بإمكانيات التوصل إلى حل عادل للقضية عن طريقها (26) .
وعقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بين 28 نيسان و 15 أيار 1947، دورتها الطارئة لمناقشة القضية الفلسطينية. وفي تعليقها على النقاشات التي دارت، داخل الجمعية العامة، انتقدت عصبة التحرر الوطني انجرار الدول العربية، وقيادة الحركة الوطنية العربية في فلسطين، ممثلة ب "الهيئة العربية العليا"، وراء "أضاليل الاستعمار"، وعرض القضية " من وجهتها الخاطئة"، والاقتصار "على تبيان التناقض والاختلاف بين العرب واليهود"، وليس على طرح القضية "على أنها نضال تحريري ديمقراطي ضد الاستعمار والصهيونية، وفي سبيل جلاء الجيوش الأجنبية وإقامة حكومة مستقلة تؤمن، أيضاً، حقوق السكان اليهود" (27). وقد أصدرت عصبة التحرر الوطني، إثر الإعلان، في 15 أيار 1947، عن تشكيل لجنة خاصة من ممثلي إحدى عشرة دولة لتحري الحقائق في فلسطين، بياناً حذرت فيه من مناورات الدوائر الاستعمارية التي ستسعى إلى " تأجيج الاحتراب بين العرب واليهود "، لإبقاء سيطرتها على فلسطين، وأكدت ضرورة اتصال ممثلي العرب الفلسطينيين بلجنة التحقيق الدولية والتعاون معها، ودعت إلى الرجوع إلى الشعب وعقد مؤتمر وطني، يتبنّى " سياسة شعبية ديمقراطية " قادرة على إنقاذ فلسطين من خطر التقسيم (28).
بيد أن قيادة الحركة الوطنية العربية، بزعامة المفتي، رفضت التعاون مع هيئة الأمم المتحدة، وقررت مقاطعة لجنة التحقيق الدولية، وفرضت هذه المقاطعة على جميع الأحزاب والقوى الوطنية العربية في فلسطين. وقد استجابت عصبة التحرر الوطني، حفاظاً منها على وحدة الصف الوطني العربي، لقرار المقاطعة، وامتنعت عن مقابلة أعضاء لجنة التحقيق الدولية، التي وصلت إلى فلسطين في منتصف حزيران 1947. وفي الوقت نفسه، وجهت قيادة العصبة ، في آب 1947، مذكرة إلى هيئة الأمم المتحدة تعرب فيها عن معارضتها مشروع تقسيم فلسطين، وتعيد التذكير بالحل الديمقراطي الذي اقترحته، والذي يقضي بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وسحب الجيوش الأجنبية منها وإقامة دولة ديمقراطية مستقلة، تضمن حقوقاً متساوية لجميع سكانها من العرب واليهود. وقد جاء في تلك المذكرة بهذا الصدد: "إن هذا الحل الديمقراطي هو الحل الذي ينقذ فلسطين من قبضة الدوائر الاستعمارية ويفسح المجال أمام العرب واليهود للتعاون والعمل السلمي في ظل حياة ديمقراطية. وإننا نعتقد اعتقاداً جازماً أن هذا الحل الديمقراطي للقضية الفلسطينية سيخدم أغراض السلم والاستقرار في الشرق الأوسط، وسيفسح المجال أمام فلسطين- إذا تحررت من تأثيرات المستعمرين- للتطوّر باتساق مع شقيقاتها الدول العربية... ثم إننا نعتقد أن هذا الحل الديمقراطي سيشد أزر القوى الديمقراطية بين العرب واليهود، وسيضيّق الخناق ليس على وكلاء الاستعمار فحسب بل على العناصر الرجعية في فلسطين أيضاً" (29).
وتقدمت لجنة التحقيق الدولية، في 23 أيلول 1947، بتوصياتها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العادية، حيث أوصت اللجنة، بإجماع أعضائها، بضرورة تصفية الانتداب وجلاء القوات البريطانية عن فلسطين، لكنها لم تتفق على حل موحد للقضية الفلسطينة، حيث اقترحت أكثرية أعضائها تقسيم فلسطين إلى دولتين: دولة عربية ودولة يهودية تجمع بينهما وحدة اقتصادية، بينما اقترحت الأقلية إقامة دولة فلسطينة اتحادية من ولايتين: عربية ويهودية، تكون القدس عاصمتها. وقد رحبت قيادة عصبة التحرر الوطني بالتوصية الإجماعية للجنة الدولية، التي دعت إلى إنهاء الانتداب البريطاني وضمان استقلال فلسطين، لكنها أعربت عن تحفظها على توصية أكثرية أعضاء اللجنة الداعية إلى تقسيم فلسطين، مؤكدة قناعتها بأنه ما زال من الممكن السعي إلى إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية، يتعايش فيها العرب واليهود بحقوق متساوية (30).
عصبة التحرر الوطني والموافقة على قرار تقسيم فلسطين
وبقيت عصبة التحرر الوطني تعارض مشروع تقسيم فلسطين حتى تاريخ صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 29 تشرين الثاني 1947، الذي قضى بإنهاء الانتداب البريطاني وتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، تجمع بينهما وحدة اقتصادية. وفي شهر شباط 1948، ومع قناعتها بأن قرار التقسيم لا يقدم الحل الأمثل للقضية الفلسطينية، وافقت أغلبية مندوبي المؤتمر، الذي عقدته عصبة التحرر الوطني في مدينة الناصرة، على القرار المذكور، ورأت فيه خطوة مهمة على طريق جلاء الجيوش البريطانية عن فلسطين وإلغاء الانتداب. وراحت العصبة تناضل، منذ ذلك التاريخ، في سبيل قيام الدولة العربية الفلسطينية، على أساس قرار التقسيم الدولي، معتبرة أن قيامها " هو الطريق إلى إنقاذ المشردين [الفلسطينيين] من تشردهم، وهو الطريق للاحتفاظ بحدود فلسطين ضمن وحدة اقتصادية ثابتة ومنع تجزئتها وإضاعة معالمها إلى الأبد، وهو الطريق لأن يحكم الشعب [الفلسطيني] نفسه بنفسه" (31).
وبعد اندلاع الحرب العربية-الإسرائيلية في 15 أيار 1948، نظّمت عصبة التحرر الوطني حملة واسعة لإقناع الفلسطينيين بالبقاء فوق أرضهم وعدم النزوح عنها، وعارضت دخول الجيوش العربية إلى فلسطين، حيث وجهت نداءات إلى جنود تلك الجيوش تدعوهم فيها "إلى العودة إلى أوطانهم وتوجيه ضرباتهم إلى المستعمر المحتل وإلى أذنابه"، مؤكدة بأن حكان الدول العربية " لم يعلنوا الحرب لمنع التقسيم، كما زعموا، بل لتنفيذ التقسيم كما تريده بريطانيا". أما الحركة الصهيونية، فقد استغلت حرب فلسطين " لتوطيد حكمها والتوسع في القسم العربي، ولتبرر ارتمائها في أحضان الاستعمار الأمريكي وفتح المجال لتغلغله الاقتصادي والعسكري في أراضي الدولة اليهودية وفي كل فلسطين" (32).
استخلاصات
خلقت نتائج النكبة التي حلّت بالشعب الفلسطيني في عام 1948 ردة فعل سلبية لدى قيادة عصبة التحرر الوطني التي تصوّرت، في ذلك الحين، بأن الانقسام الذي حصل في صفوف الحزب الشيوعي الفلسطيني بين أعضائه العرب واليهود، وقيام الشيوعيين العرب، الذين خرجوا من صفوفه، بالمساهمة في تأسيس العصبة، قد نبعا من انحراف " قومي" عربي، ومن "خروج عن الأممية" ، بحيث اقترن تشكيل العصبة " بإنكار دور الطبقة العاملة الفلسطينية في قيادة النضال الوطني"، كما اقترن بالدعوة إلى "الوحدة الوطنية العربية دون استثناء" (33). وهكذا، راحت قيادة عصبة التحرر الوطني تستعيد مفردات الخطاب الشيوعي التقليدي، وتعود لتتماثل مع حركة شيوعية عالمية، التفت، من جديد، منذ أيلول 1947، حول بنية تنظيمية جديدة حملت اسم "مكتب الإعلام المشترك للأحزاب الشيوعية " (الكومنفورم)، الذي اتّخذ في البدء شكل هيئة تنسيق ثم تحوّل إلى مركز موجّه، استمر في الوجود حتى صدر قرار بحله في 17 نيسان 1956، بعد فترة قصيرة على انعقاد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي.
وقد أسفر هذا التوجه الجديد، في ظروف تمزق الكيان الفلسطيني وتشتت الشعب الفلسطيني، عن حل عصبة التحرر الوطني وتوزع أعضائها على أطر تنظيمية مختلفة. فإلى جانب الحزب الشيوعي الأردني، الذي صار يضم أعضاء العصبة في الضفة الغربية لنهر الأردن وعدداً من الماركسيين في الضفة الشرقية، توحّد أعضاء العصبة العرب، الذين بقوا فوق الأراضي التي قامت عليها دولة إسرائيل، مع الشيوعيين اليهود في إطار الحزب الشيوعي الإسرائيلي، بينما شكّل أعضاء العصبة، الذي بقوا في قطاع غزة، الحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة.
وبغض النظر عن المآل الذي آلت إليه عصبة التحرر الوطني، يمكننا القول، بالعودة إلى سؤال ندوتنا، بأن العمال والمثقفين العرب، الذين انضووا في إطارها ، قد خلّفوا لنا، على الصعيدين السياسي والتنظيمي، تجربة "شيوعية" فريدة، لا يجمعها جامع مع "التوتاليتارية "، ولا مع التنظيم "التوتاليتاري"، كما تحددت سماتهما في كتابات بعض الكتاب الغربيين. من الصحيح أن عدداً كبيراً من أعضاء العصبة كانوا من ذوي التوجهات الماركسية، إلا أن العصبة، كتنظيم، لم تتبنَ رسمياً أيديولوجية معيّنة بل انفتحت على مذاهب عديدة، بما فيها المذهب الليبرالي، في أبعاده السياسية، وسعت، في نضالها ضد الاستعمار البريطاني والحركة الصهيونية، من أجل إشاعة الحريات العامة والفردية، ودعمت قيام دولة ديمقراطية في فلسطين على قاعدة التعددية السياسية والنظام البرلماني، وأيدت تمتع سكان هذه الدولة اليهود بحقوقهم الديمقراطية كاملة، وتصدت لعملية الخلط بين اليهود والصهيونية، التي لجأت إليها بعض قيادات الحركة الوطنية الفلسطينية، رافضة أن تجعل من النزعة القومية العربية نزعة "عنصرية" أو "معادية للسامية". كما نبذت العصبة اللجوء إلى الإرهاب الفردي والقتل السياسي كأسلوب في العمل السياسي، ولم يبرز من بين صفوف قيادتها الجماعية "زعيم" تماهي كلياً مع التنظيم، واحتكر في يديه كل المسؤوليات القيادية.
الهوامش
1- الشريف، د. ماهر، الأممية الشيوعية وفلسطين (1919-1928)، بيروت، دار ابن خلدون، 1980، ص 88-97 و ص 153-159.
2- الشريف، ماهر (جمع وتقديم)، فلسطين في الأرشيف السري للكومنترن، دمشق، دار المدى، 2004، ص 85.
3- الشريف، د. ماهر، الشيوعية والمسألة القومية العربية في فلسطين 1919-1948، بيروت، مركز الأبحاث-منظمة التحرير الفلسطينية، 1981، ص 70-73.
4- الشريف، الشيوعية والمسألة القومية العربية في فلسطين 1919-1948، ص 95-98 و ص 105-106؛ ميكونتس، صمويل، "معرفتي برضوان الحلو (موسى) منذ تشرين أول 1939"، في: رضوان الحلو سكرتير عام الحزب الشيوعي الفلسطين 1934-1943، رام الله، مركز فؤاد نصار، حزيران 2003، ص 57-62.
5- البديري، د. موسى، تطوّر الحركة العمالية العربية في فلسطين (مقدمة تاريخية ومجموعة وثائق 1919-1948)، القدس، دار الكاتب، 1980، ص 37-40 و ص 53-58.
6- مجلي، نظير، "مقابلة مع توفيق طوبي"، الجديد، حيفا، العدد الخامس، 1978، ص 9-10 و ص 43-50 و ص 53-58.
7- ناطور، سلمان، "مقابلة مع منعم جرجورة"، الاتحاد، حيفا، 2 آذار 1979، ص 3.
8- الدجاني، موسى، "حركتنا الوطنية حركة جماهير الشعب العربي"، عصبة التحرر الوطني في فلسطين، النشرة الثالثة، 23 شباط 1944، ص 1-5؛ فرح، بولس، "العمال العرب وقضية التحرر الوطني"، الاتحاد، حيفا، 18 حزيران 1944، ص 2.
9- فرح، بولس، "الاقتصاد الوطني والعامل العربي"، الاتحاد، حيفا، 10 أيلول 1944؛ شنير، خليل، "موقف حركتنا العمالية من أصحاب العمل"، الاتحاد، حيفا، 30 كانون الأول 1945.
10- عبد الغني، عبد الرحمن، ألمانيا النازية وفلسطين 1933-1945، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1995، ص 404-405.
11- فرح، "العمال العرب وقضية التحرر الوطني"، المصدر المذكور، ص 2.
12- عصبة التحرر الوطني في فلسطين، "إلى الوحدة العمالية"، داخلي، الأربعاء 5 نيسان 1944، ص 4.
13- عصبة التحرر الوطني في فلسطين، "حركتنا الوطنية والقوى التحريرية العالمية"، النشرة العاشرة، داخلي، الأربعاء في 12 نيسان 1944، ص 1-3.
14- الاتحاد، حيفا، 16 تشرين الثاني 1945؛ نقلاً عن توما، إميل، يوميات شعب (30 عاماً على الاتحاد)، حيفا، منشورات عربسك، 1974، ص 27.
15- عصبة التحرر الوطني في فلسطين، "طريق فلسطين إلى الحرية"؛ في: عصبة التحرر الوطني في فلسطين 1945-1948 (ثلاث وثائق تاريخية)، رام الله، مركز فؤاد نصار، 2001، ص 84-85.
16- المصدر السابق، ص 85-86.
17- المصدر نفسه، ص 87-88.
18- عصبة التحرر الوطني في فلسطين (مكتب السكرتاريا)، " العقدة الفلسطينية والطريق إلى حلها"، حيفا، 10 تشرين الأول 1945، ص 6.
19- المصدر السابق، ص 19.
20- المصدر نفسه، ص 21-22.
21- نصار، فؤاد، "الإرهاب الفردي والقتل السياسي"، منشورات لجنة الثقافة السياسية، [من دون تاريخ] (كراس أعيدت طباعته في وثيقة من 12 صفحة موجودة في محفوظات الحزب الشيوعي الأردني)، ص 3-4.
22- المصدر السابق، ص 5-7.
23- المصدر نفسه، ص 7 و ص 11.
24- عصبة التحرر الوطني ، "العقدة الفلسطينية والطريق إلى حلها"، المصدر المذكور، ص 9-10.
25- الشريف، الشيوعية والمسألة القومية العربية في فلسطين 1919-1948، المصدر المذكور، ص 122.
26- توما، يوميات شعب (30 عاماً على الاتحاد)، المصدر المذكور، ص 42-43.
27- المصدر نفسه، ص 44-45.
28- الشريف، الشيوعية والمسألة القومية العربية في فلسطين 1919-1948، المصدر المذكور، ص 127-128.
29- عصبة التحرر الوطني في فلسطين، "طريق فلسطين إلى الحرية"؛ في: عصبة التحرر الوطني في فلسطين 1945-1948، المصدر المذكور، ص 82-83.
30- " بيان مكتب سكرتارية عصبة التحرر الوطني حول موقفها من تواصي لجنة التحقيق، 5 أيلول 1947"، في المصدر نفسه، ص 92-95.
الشريف، الشيوعية والمسألة القومية العربية في فلسطين 1919-1948، المصدر المذكور، ص 130-131.
31- عصبة التحرر الوطني في فلسطين، "والآن... ما العمل؟" [من دون تاريخ]؛ بيان من عصبة التحرر الوطني في فلسطين، "أيها الشعب العربي... إن السكوت بعد اليوم على كل ما حدث معناه الفناء"، [من دون تاريخ].
32- عصبة التحرر الوطني في فلسطين، "نداء إلى الجنود [العرب]"، تموز 1948؛ الحزب الشيوعي العراقي، والحزب الشيوعي السوري، والحزب الشيوعي اللبناني، وعصبة التحرر الوطني في فلسطين، "بيان إلى الشعوب العربية"، تشرين الأول 1948.
33- قرارات اللجنة المركزية لعصبة التحرر الوطني، "حول الوضع الذي نشأ في فلسطين بعد نجاح المؤامرة الاستعمارية الدامية عليها، وعن أخطاء عصبة التحرر الوطني وعن تكوين حزب موحد للطبقة العاملة في القسم العربي من فلسطين وشرق الأردن"، [1951].
11/10/2010
نقلا عن:
موقع حزب الشعب.