{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
حقيقــة الهــلال الشيعـــي و القمــر السنـــي
رحمة العاملي غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,790
الانضمام: Sep 2002
مشاركة: #1
حقيقــة الهــلال الشيعـــي و القمــر السنـــي
تحذيــر مـن أعرابــي أضـــاع عقلـــه

كتب أعرابي من مملكة الرمال يقول: “في اليمن الحوثيون سيطروا على مناطق كثيرة وطردوا أهل صعدة والقرى المجاورة.. في العراق حرب طائفية لسحق الطائفة السنية واخضاعها للمد الفارسي.. سوريا تحارب بكل ثقلها للسيطرة على اﻻغلبية السنية.. البحرين بين مد وجزر.. القطيف تغلي.. وﻻ ندري متى يأتي اﻻعصار فيغرق الخليج العربي.. واعتقد أن إيران هي من تحدد هذا الزمن”.

ثم تسائل: “إلى أين نذهب نحن أهل السنة؟.. أين أهل السنة والعروبة من هذا الاحتلال؟.. أين السعودية ووقفتها مع إخوتها؟.. أﻻ تخاف السعودية وهي الآن داخل كماشة فارسية؟”.

فأجاب: “بلا تحليل ولا نصائح، أنذركم أيها العرب من الشر الذي اقترب ..
ﻻ حل لكم اليوم الا بالمواجهة أو الخضوع و الإستسلام”.

عــزف نشــاج علـى وثــر الفتنــة المذهبيــة
هذه بذور شيطانية لبداية فوضى في التفكير، تستغلُّ جهل الناس بوقائع التاريخ، ومعطيات الديموغرافية، وشروط الإجتماع الإنساني، وحقيقة الدين، لتشوش على وعيهم، وتعزف على وثر الإختلاف الذي جعله الله رحمة بين المسلمين، فتحوله إلى خلاف من شأنه أن يسهم في إفتعال فتنة مذهبية خبيثة هدفها الأساس تخريب الدين من جذوره، من خلال دق إسفين الفرقة بين المؤمنين، خدمة لمصالح الغرب الإمبريالي وسيادة “إسرائيل” في المنطقة.

ما من شك أننا هنا أمام صورة نمطية لمنطق تضليلي خطير، لا يرى من المشهد سوى جزء من الزمن السياسي الظاهر، ويتعمّد عن قصد وسبق إصرار تجاهل حقيقة المعنى من خلال العزف على الوثر الطائفي والمذهبي الحساس، وتلبيس الواقع لبوسا خادعا ليس منه، وكأن المسألة الشيعية قضية طارئة في المنطقة ولا تمتد عميقا في جذور التاريخ الإنساني والسياسي والديني للمنطقة العربية.

الهــدف مـن إثــارة القضيــة الشيعيــة اليــوم

بداية القصة كانت مع التصريح المضلل للملك الأردني ‘عبد الله الثاني’ حين حذَّر قبل فترة بوقاحة وبصريح العبارة، من تكتل مذهبي أسماه بـ “الهلال الشيعي”، وقال أنه يمتد من إيران عبر العراق مروراً بسوريا و إنتهاءا بلبنان.

وفي موقف مشبوه ينم عن أن تصريح ملك الأردن لم يكن عفويا، بل جاء في إطار خطة سياسية تم التنسيق بشأنها بين واشنطن وتل أبيب والسعودية، فتجاوبَ معه (أي التحذير)، بعض الملوك والرؤساء الأعراب، ليأخذ الموضوع بسرعة البرق بعدا سياسيا ودينيا، وموقفا سجاليا حادا بين الكتاب والمحللين والصحفيين والمعلقين والمراسلين العرب والأجانب، إلى أن انتهى الأمر اليوم بتداوله على نطاق واسع من قبل الدهماء والظلماء وسواد الأمة (بتعبير الفقهاء)، بعد أن تحولت إيران “الشيعية” بقدرة قادر إلى العدو الإستراتيجي الأول للأمة بدل “إسرائيل” التي أصبحت حليفة للسعودية وصديقة للملوك والرؤساء العرب (إلا من رحم الله).

ولم يقتصر الأمر على التداول الإعلامي فحسب، بل زاد الأمر خطورة عندما صب فقهاء منافقون الزيت على النار ليشتد لهيب الفتنة فيحرق الأخضر واليابس وينهي التاريخ والحضارة والإنسان.. ولعل أبرز من دخلوا على خط الفتنة بتحريض من حكام مشيخة قطر مفتي الناتو، الشيخ الدجال المدعو ‘يوسف القرضاوي’ الأمين العام للاتحاد العالمي للمتأسلمين، حيث أدلى بمجموعة تصريحات حذر فيها مما وصفه بالغزو الشيعي للمجتمعات السنية، وانتقد مرجعين شيعيين بارزين هما ‘محمد حسين فضل الله’ و ‘محمد علي تسخيري’، ووصل به الحد نعت حزب الله المجاهد بـ”حزب الشيطان”.

وتبعه بعد ذلك فقيه “السيكسولوجي” المغربي المتخصص في قضايا الجنس ودم الحيض والنفاس، الذي سبق أن أفتى بجواز نكاح الرجل لجوزته وهي جثة هامدة، وأجاز للمرأة العادة السيرية بالإستعانة بالجزر والموز وبعض الأدوات المنزلية الخشبية كيد “المهراز”. حيث حذر بدوره إقتداءا بسنة شيخه ‘القرضاوي’ من ما وصفه بـ “مخاطر” انتشار التشيع في المغرب، ودعا في حديث أجرته معه جريدة الشرق الأوسط المسؤولين المغاربة، وخاصة العلماء إلى “التصدي للمد الشيعي قبل استفحاله”.

فكان أن رد على ‘القرضاوي العلامة ‘محمد حسين فضل الله’ الذي قال في تصريح أدلى به لوكالة انباء فارس في حينه: “إنني فوجئت بتلك التصريحات، فأولاً إنني لم أسمع عن الشيخ القرضاوي أي موقف ضد التبشير الذي يراد منه إخراج المسلمين من دينهم وربطهم بدين آخر، لم نسمع منه أي حديث سلبي في هذا الاختراق، أو في اختراق العلمانيين أو الملحدين للواقع الإسلامي”.

وفي المقابل، انتقد عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية بمصر الشيخ ‘محمد علاء ‌الدين أبو العزائم’ تصريحات القرضاوي حول الشيعة. وأكد: أنها “تسبب الفرقة الطائفية بين المسلمين”. مؤكدا أن تصريحات القرضاوي كادت تتسبب في “ضياع الأمة الإسلامية وتساعد أعداء‌ها وتفتح لهم باب التدخل في شؤون المجتمعات الإسلامية بحجه الدفاع عن الأقليات”.

ويذكر في هذا السياق، ومن باب إحقاق الحق، ما قاله المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر ‘محمد مهدي عاكف’ حول موقف الجماعة من المذهب الشيعي، حيث قال: “هم مسلمون لهم مذهبهم، وأنهم يعبدون الله عز وجل ويتبعون النبي، وقبلتهم هي الكعبة، ويتبعون تعاليم القرآن”. ومن باب تجنب الإحراج رفض التعقيب على تصريحات القرضاوي.

ومنذئذ وقضية “الشيعة” تتداول في الإعلام على لسان كل فقيه مدعي وداعية مفتري، لنفاجأ اليوم بحملة شرشة يقودها شباب وهابي يتملك الجهل عقولهم المتكلسة، ويستبد الضياع بأرواحهم الهائمة على غير هدى من الله، فيشتمون “الشيعة” بغير خلق على مواقع التواصل الإجتماعي، من دون أن يدركوا أنهم يساهمون من حيث يعلمون أو لا يعلمون في تخريب العلاقة مع إخوان لهم في الدين وشركاء لهم في الوطن والمصير.

أما على الميتوى السياسي، فلعل أول من تنبه لخطورة تصريح الملك الأردني وابعاد ذلك على وحدة الأمة الإسلامية وتماسكها هو رئيس البرلمان اللبناني الأستاذ ‘نبيه بري’ الذي سارع بفطنته، وذكائه، وأسلوبه الديبلوماسي الرفيع، للرد على ملك الأردن بالقول: “نعم هلال شيعي ولكن في قمر سني”، في إشارة معبرة بليغة إلى الحجم الديمغرافي للشيعة مقارنة مع السنة في المنطقة باعتبارهم مكونا أساسيا من جسم واحد.

والمدقق الموضوعي لكلام الرئيس ‘نبيه بري’ لا يمكن أن يفوته البعد الثقافي الذي يمتد عميقا في الجذر التاريخي والسياسي والديني للمسألة الشيعية، إنطلاقا مما عرف في التاريخ الإسلامي بالفتنة الصغرى التي بدأت بمقتل ‘عثمان بن عفان’ (ر) من قبل الخوارج، ثم الفتنة الكبرى التي فجرها بعد ذلك الخلاف السياسي حول الخلافة بين الداهية ‘معاوية بن سفيان’ و أمير المؤمنين ‘علي بن أبي طالب (ر)، وانتهت بمقتل ‘الحسين بن علي’ (ع) في واقعة كربلاء الشهيرة من قبل الظالم ‘يزيد بن معاوية’.

“الشيعــة” بيـن منهـج التفكيــر ونهـج التكفيــر

“القضية الشيعية” إن صح لنا تسميتها كذلك، ليست بالأمر الجديد الذي برز على سطح الخلافات الدينية كما يعتقد البعض، بل هي بالأساس قضية سياسية بامتياز لبست لبوس الدين لإستغلال مشاعر عامة المسلمين وتجييشهم في معركة غير معركتهم وضد عدو غير عدوهم الحقيقي الذي هو الإستكبار العالمي و”إسرائيل”، لثنيهم عن المطالبة بحقوقهم المشروعة في وقت ثارت فيه الشعوب العربية على حكامها، وبدأ منسوب الوعي يرتفع لدى شبابها المتعطش للحرية والديمقراطية والكرامة، بعد أن خرجوا للشوارع معلنين الحرب على الفساد مطالبين بإسقاط الدكتاتوريات الرجعية المترهلة، ومحاسبة الحكام الخونة خدام الغرب وعملاء الصهيونية والماسونية العالمية الذي عاثوا في البلاد فسادا وفي العباد قمعا وظلما واستبدادا.

وبهذا المعنى، تعتبر القضية “الشيعية” من الخلافات السياسية القديمة قدم التاريخ الإسلامي، لكنها عادت لتطرح من جديد من خلال المنظور السياسي المغلف دينيا، والذي بدأ يبرز في العالم العربي بعد الثورة الإيرانية سنة 1979، حيث ظهر، ولأول مرة، المُكوّن ‘الشيعي’ في المنطقة والعالم كقوةَ سياسية متميزة، ولحمة مجتمعية متجانسة، وجماعة دينية متنورة عقلانية ومسالمة، وقوة مادية فاعلة أثبتت نجاعتها في الحرب الإيرانية العراقية، بعد أن عاش الشيعة كمؤمنين منسجمين مع إخوانهم السنة وغيرهم من الطوائف والمذاهب والملل والنحل التي عرفها التاريخ الإسلامي.

وبالرغم من هذه الحملة الجديدة المشبوهة ضد المكون الشيعي الإسلامي، واستهدافهم من قبل الفكر السلفي التكفيري والوهابي الإرهابي في صراع سياسي لبس لبوس الدين الزائف للتغطية عن خيانة حكام آل سعود والدائرين في فلكهم من ملوك وأمراء ورؤساء رجعيين وعملاء، إلا أن الشيعة ظلوا يعلنون تمسكهم بوحدة المسلمين ويحذرون من المؤامرات الأمريكية والصهيونية الخبيثة التي تستهدف مكامن القوة في الأمة، وقد أثبتوا خلال العقود الثلاثة الماضية بعد الثورة الإيرانية، أنهم ضحية لحملة تشويه ممنهجة، وأنهم دعاة محبة وتعاون وسلام، وأنهم يقفون في نفس خندق أحرار الأمة للدفاع عن دينها وقضياها المركزية وعلى رأسها تحرير فلسطين المغتصبة بقدسها وجميع ترابها، وأن رسالتهم الدنيوية تتلخص في السعي لخير الأمة و وحدتها وقوتها ومناعتها، والدفاع عن تحرر الشعوب المستضعفة في كل مكان لتتحرر من هيمنة الإستكبار العالمي..

هذا هو ما اعتبره الغرب والصهيونية اليهودية والعربية خطرا محدقا بهم، فقرروا محاربته متضامنين، ووجدو لها أصلا شرعيا في السنة التلموذية التي استحضرها فقهاء الوهابية ليبرروا بها تحالفهم مع الغرب وإسرائيل من باب “المصلحة”، استنادا إلى القاعدة الفقهية الشهيرة التي تقول: “أينما كانت المصلحة فتم شرع الله”. وبالتالي يجوز التحالف مع “الشيطان” من أجل مصلحة الحكام الطغاة وليس مع أمريكا وإسرائيل فحسب.

لم نسمع شيعيا يروج لثقافة تكفير المسلمين، ولم نشاهد أن شيعيا تحول إلى إنتحاري فجر نفسه في مسجد أو كنيسة أو جمع من المؤمنين الأبرياء، ولم نقرأ يوما أن إيران هددت أي بلد عربي بالعدوان بالرغم من تكالب العربان عليها في حرب الخليج الأولى زمن ‘صدام’.. لكن ما عشناه وخبرناه من تجربة حزب الله في لبنان ومقاومته للكيان الصهيوني المعتدي، جعلنا نستعيد بعضا من عظمة التاريخ الإسلامي المجيد، وجمال الإسلام الراقي، وروعة الإيمان العميق، وأنموذج الفلسفة النبوية في الصدق والوفاء والتضحية والعطاء، وبعضا من رحابة المحبة وأخلاق التضامن والتسامح واحترام الإختلاف، خصوصا بعد أن ذقنا طعم الإنتصار اللذيذ بعد عقود من الهزائم والذل المرير، جعلت المواطن العربي يشك في عقله وتاريخه ويخجل من دينه وإنتمائه ويصل إلى قناعة مفادها أن التغيير أمر مستحيل، وأن لا حل لهذه الأمة إلا بالموت أو التخلف العقلي.

كما أن ما اكتشفناه فجأة من نهضة فكرية وتقدم علمي أبهر العالم في إيران، جعلنا ندرك معنى أن يكون الإيمان مُحفّزا للعقل والإبداع والعمل، واكشفنا حقيقة روح التحدي الكامنة في الإسلام، والتي قتلها فقهاء الجهل والظلام حراس الهيكل العربي المتداعي وسدنة المعبد الوهابي الظلامي.

حتـى لا نخلـط بيـن إختــلاف المذاهــب وثوابــت الديــن

إن المشكلة في الجوهر لا تكمن في التشيُّع أو التسنُّن، بل في سوء فهم واقع التجربة الإنسانية الدنيوية، وعدم القدرة على تقدير الأمور إنطلاقا من سنة الله التي لا تتبدل ولا تتغير ولا تتحول، ما دامت القاعدة الأساس في نظرية الخلق والكون ومجرى التاريخ تقول، أن الثابت الوحيد في سنة الله هو التطور الذي ينتجه الإختلاف والتنوع، لا الجمود الذي تكرسه ثقافة التقليد في بوثقة الجماعة وشرنقة المذهب.. ومن أجل ذلك، جعل الله الناس مختلفين، ولذلك خلقهم، ولو شاء لجعلهم أمة واحدة، كما يؤكد في كتابه الحكيم.

ولو خصص الأعرابي الذي انطلقنا من تحذيره في بداية هذا المقال بعضا من وقته التافه لتلاوة القرآن وتدبره، لشمله الصمت قُبيل وبُعيد الترتيل، وحلت بروحه الهائمة السكينة، وبعقله المظلم نور الحقيقة، وفهم في النهاية أن الله هو من يصنع الأحداث والتاريخ لا أمراء الزيت خدام واشنطن وعملاء تل أبيب، وأن الله ينصر من يشاء من عباده المخلصين، وأن الإسلام هو غير ما حدثه عنه فقهاء الوهابية الذين حولوه إلى دين حقد وإلغاء وتكفير وقتل على مقاسهم كما فعل اليهود مع التلمود.

هناك فرق واضح بين اليوم والأمس في دنيا الناس.. ففي الجاهلية الأولى كان عدم اليقين يدفع أعراب قريش إلى تفضيل الوفاء لعقيدة أسلافهم مع قناعتهم بزيفها، وبخلاف هؤلاء، كانت ثلة من العرب المتنورين يختارون إتباع القواعد الأخلاقية التي أجمعت على صحتها الكتب السماوية القديمة وأصبحت من القواعد المحكمات التي شرعها الله في قرآنه لكل عباده (راجع الوصايا العشر في القرآن من الآية 151 إلى 153 من سورة الأنعام)، فالتقت الأمم والرسل والرسالات عند ذات المبادىء الأخلاقية السامية التي اعتبرها تعالى من المحكمات في التشريع من موسى إلى عيسى إلى محمد عليهم الصلاة والسلام، وبقي الخلاف محصورا في بعض المتشابهات التي لا تفسد للود قضية.

زمن الوحي، انصب النقاش على تفنيد حجج أتباع الرسالات السماوية السابقة، وبعد الرسول (ص)، تحول النقاش إلى جدل حول الأصول والفروع في الإسلام استنادا إلى قواعد المذاهب الفلسفية القديمة من خلال ما إصطلح على تسميته بعلم الكلام، فنشأت المدارس والفرق ثم المذاهب والطوائف فالملل والنحل، حتى أصبح كل من يقول بمقولة له جماعته الخاصة به يدعي أنها الجماعة الناجية وما سواها في النار إستنادا إلى حديث مشبوه منسوب للنبي نجد نظيرا له كذلك في تلمود اليهود.. وهنا تحول المشهد من الخلاف الفكري إلى الإختلاف حول من يمتلك الحقيقة، فبدأت مسيرة تكفير التفكير والكلام بلسان الله والإفتاء بقتل المخالف في العقيدة والمذهب، ووصل الجهل مداه فطال التكفير حتى المخالفين في الرأي من أتباع نفس المذهب، فتعمّد التاريخ الإسلامي بالدم والحزن والدموع.

اليوم، لا يختلف المشهد كثيرا، فالجميع يقول أنه يؤمن بالله وقرآنه وسنة نبيه، ولا فرق في ذلك بين “سنة” و “شيعة”.. ويذكر التاريخ أن الشيعة هم أول من آمن بسنة الرسول (ص) كما نقلها عنه الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، بعد أن طورها فيما أصبح يعرف بـ’الفلسفة النبوية’. في حين أن “أهل الجماعة” تفرقوا إلى أكثر من 70 فريقا كل بما لديهم فرحون، فتفرقوا في الدين شيعا بإسم السنة ووهم الفرقة الناجية التي تمثلها “الجماعة”، وكان معاوية هو أول من أسس لمنطق الجماعة في استغلال فاضح للدين في السياسة بهدف الهيمنة على السلطة وتكريس الإستبداد والفساد.. وورثه على رأس “الجماعة” ابنه البار ‘اليزيد بن معاوية’ الذي دمر الكعبة المشرفة بالمنزنيق وحرقها بالزيت والنار، ومن مآثره التي تقشعر منها الأبدان أنه ذبح أسرة الرسول الكريم (ص) كما تذبح الخراف يوم العيد.. فكانت كربلاء كربا وبلاءا على المسلمين قاطبة، حيث استشهد ‘الحسين’ (ع)، فتحول الإسلام بإسم “السنة” من دين عقل وعدل إلى دين ظلم وإلغاء وقتل وتخلف وظلام.

اليوم ها نحن أما ذات المشهد الذي يكرر نفسه من جديد، حيث نجحت الوهابية بفضل المال الحرام في إلغاء كافة المدارس والمذاهب الإسلامية، بل وألغت سنة الرسول (ص) ودين الإسلام القويم، واستبدلت كل ذلك بعقيدة النبي الدجال ‘محمد بن عبد الوهاب’، وأصبح فقهاء الوهابية التلمودية يجادلون في الدين بغير علم، ويشرعون للناس بخلاف ما أقره الله في قرآنه، ويفتون في شؤونهم بما يخالف سنة النبي الكريم، متناسين أن الإسلام وفق مفهوم القرآن هو دين نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وكل الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله منذ نوح (ع) إلى محمد (ص) هبوطا، وأن لا وجود لدين في هذا الوجود غير الإسلام باختلاف الرسالات والرسل، وما سواه مجرد “جهل” سماه تعالى كفر في سورة ‘الكافرين’.

هؤلاء المنافقون المرتشون، يعلمون علم اليقين أن القرآن الكريم حين يتحدث عن الرسول الأعظم (ص)، فإنه يذكره بما هو أسمى من الفقه والسياسة ويركز على المبادىء والقيم والأخلاق.. وأن كل ما قاله الفقهاء والفلاسفة والمتكلمين عن الرسول الكريم (ص) هو مجرد تشويش، لأنهم من حيث يعلمون أو لا يعلمون حاولوا إختزاله في الزمن القرشي القديم، متجاهلين أن الله بعثه رحمة للعالمين، وأن لا علاقة لسنته بما يدعون من أضاليل وأباطيل.

ولو فهم الأعراب لماذا خلق الله قريش وبعث فيهم الرسول المُخلّص زمن الجاهلية الأولى، لما اجترّوا ثقافة الخيمة والنخلة والبعير، ولدفنوا ماضيهم الكئيب في رمال الصحراء، وطمسوا معه كل بشائر البداوة والجهل والغباوة، وتحرروا من سطوة سنة الفقهاء ومعتقل فكر الجماعة التي تساس بمنطق القطيع.

الوحي لم ينقطع عن الأرض كما يعتقد فقهاء الجهل والضلال، لأن الله معنا في كل زمان ومكان، يوحي للحجر والشجر والنمل والنحل والبشر في كل وقت وحين، وينير درب الصراط المستقيم لكل عباده الذين يعتبرهم خلفاء له في الأرض من دون وسيط، بدليل قوله تعالى (وما من دابة في الأرض إلا وهو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم) وحيث أن الله بكل شيىء محيط، فلا وجود في هذا الوجود إلا للصراط المستقيم، حيث يستحيل أن يخرج مخلوق عن صراطه فيتحدى إرادته أو يعاكس مشيئته، وعلى هذا الأساس شملت رحمته كل شيىء دون استثناء.

والكتاب هو عين آيات إعجازه في الكون والخلق، نقرأه نيابة عن الله الذي يتكلف وحده دون سواه ببيانه من خلال إلقاء فيض نور المعنى في الروع، فيتبدد الظلام ليطرد الجهل من فهمنا القديم، ويحل محله نور العرفان الذي يفتح أمامنا أبواب اليقين.. وهذا هو عين معنى تجدد الوحي في كل وقت وحين باختلاف الزمان والمكان. لأنه لو كان بالإمكان فهم القرآن بأدوات اللغة وآليات المنطقة كما اعتقد قديما فقهاء التفسير، لتحول القرآن من وحي دائم متجدد إلى كتاب تاريخ وأخلاق مغلق ينتمي للعصر الذي دُوّن فيه، ولفقد بذلك الإعجاز إن على مستوى المبنى أو المعنى.

رحل الرسول الإنسان إلى رحمة الله وترك فينا حبل الله المتين (القرآن)، ومعه نماذج راقية من أخلاقه السامية، بعد أن شهد له تعالى بالكمال من خلال قوله (وإنك لعلى خلق عظيم)، واتباع سنة الرسول (ص) هي التشبه بأخلاقه الحميدة لا بحياته كإنسان زمن قريش، ولا بتجربته الدنيوية الخاصة التي خلقه الله ليعيشها وفق ظروف زمانه وشروط مجتمعه.

ولو قرأت المأثور من السنة وفق ما يدعي العديد من الفقهاء وقارنتها بسيرة الرسول الأعظم (ص)، لإكتشفت أنها كالحرباء تتلون بلون الأحداث من طور إلى آخر، فتطمس ما قبلها لتتجدّد بشكل مستمر وفق الحاجة التي تعني “المصلحة”، مع الإصرار على إلحاقها بمأثور من قول أو فعل للرسول (ص) حتى لو تطلب الأمر إختراع أحاديث غريبة وتحميلها ما لا يحتمل، كتعارضها مع تعاليم السماء حينا، أو عدم انسجامها مع ظروف العيش وشروط الواقع أحيانا.

قبل القرآن حرّف اليهود التوراة التي جاء بها موسى (ع) باسم السنة تحديدا، فضاعت تعاليم السماء، وبعد الأنجيل زور بولس “الرسول” تعاليم المسيح (ع) ليضع للمسيحيين سنة مكملة للإنجيل، فأصبح للمسيحيين أربعة أناجيل يناقض بعضها بعضا، وعندما سُأل عن سبب لجوئه لإختراع أقاويل وإحالتها إلى عيسى (ع) قال: “إني أخدم دين الله بما ليس فيه”.. هذا ما قاله فقهاء السنة كذلك، خصوصا عندما تحالفوا مع الملوك المستبدين، فقالوا بضرورة اللجوء إلى السنة بدعوى أن القرآن لا يتضمن كل الأحكام ضدا في قوله تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيىء) وقوله كذلك (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ) وغيرها من الآيات المحكمات التي تكذب إدعائهم أن القرآن لم يأتي بكل الأحكام، وافترائهم على الله بما لا يليق بجلاله وكماله.

لكن المعظلة تجلت حين إكتشفوا أن السنة بدورها لا تسمح لهم بالتشريع وفق أهواء الساسة الفاسدين، فقالوا بضروة إضافة أصل ثالث للقرآن والسنة سموه “إجتهادا”، وأصبح الإجتهاد بالرأي يلغي في أحيان كثيرة المحكم من التشريع كما ورد في القرآن، كحكم قتل المرتد و الكافر و”الشيعي’ و “النصيري” بل وحتى المخالف لهم في الرأي ضدا في قوله تعالى: لا إكراه في الدين من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إن الله غني عن العالمين.. ورجم الزانية بالرغم من عدم ورود حكم الرجم في القرآن فاضطروا لإستنباطه من التلمود على سنة اليهود، وجهاد النكاح الذي هو عين الفاحشة، ونصرة المسلم ضد أخيه المسلم الذي ما أنزل الله به من سلطان، ولا وصية لوارث حيث ألغوا عشرات الآيات التي تتحدث عن الوصية والدين في منظومة “الإرث” بدعوى “الناسخ والمنسوخ” التي لا وجود لها إلا في عقل الأغبياء، لأن المنسوخ الذي يتحدث عنه الله تعالى في القرآن يتعلق بأحكام الأمم السابقة التي وردت في ظروف مخالفة لظروف بعثة الرسول محمد (ص)، ولا علاقة لها بأحكام القرآن، وإلا لتحول الله إلى مشرع لا يدرك ما يقول ويتراجع في كل مرة عما يشرعه، سبحانه وتعالى عما يقول الجاهلون علوا كبيرا… وغيرها من فتاوى الحكم والسياسة وخاصة حرمة الخروج على الحاكم المستبد وقتل المعارض وغيرها… والأمثلة أكثر من أن تحصى، ولا مجال للإستطراد في توضيحها حتى لا نخرج عن موضوع المقال.

هكذا إذن تحول شرع الله إلى كيمياء مركبة وهجينة أسموها “الشريعة الإسلامية” لتشمل السنة بما فيها بعض المكذوب على الرسول (ص) بالإضافة إلى الإجتهاد الذي يعني الإقتداء بالسلف الذي لم يكن كله صالحا، في إلغاء للفطرة السليمة وبداهة للعقل وقاعدة التمييز المنطقية.

فـي نقــــــد الإديولوجيــــــا

يقول عالم التاريخ والباحث المتخصص في الإديولوجيا، المسلم “السنّي” الدكتور عبد الله العروي في كتابه (السنة والإصلاح، الطبعة الأولى 2008، المركز الثقافي العربي ص: 201): “تتلاشى السنّة اليوم لأنها أخطأت التعريف. التأسّي بالنبي في كل ما يحدث يقود إلى تأسّي الإنسان بنفسه. فهو تعدّ على المرسل (بكسر السين) وتجنّ في حق المرسل (بفتح السين)، جعله لعبة تتقاذفها العوارض (…) وبعبارة أدق، إذا صحّ، كما تُقرّرُّ السنّة، أن عدالة الله ليست عدل البشر، فيجب، بالمقابل، أن لا نجعل من العدالة البشرية عدلا إلهيا. سهت السنّة عن هذا الإستنتاج، فساعدت على إحياء طغيان كسرى وقيصر، كذّبت بتصرُّفها ما تُردّده بلسانها: تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا”.

وهذا ما سنُفصّل القول في شرحه في الجزء الثاني من هذه المقالة حتى لا نستبدّ بوقت القارىء الكريم.
احمد الشرقاوي \ كاتب مصري
01-29-2014, 12:03 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
حقيقــة الهــلال الشيعـــي و القمــر السنـــي - بواسطة رحمة العاملي - 01-29-2014, 12:03 PM

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS