توجه عبد الفتاح السيسي إلى لجنة انتخابية ليدلي بصوته بما يسمى "الانتخابات الرئاسية المصرية" ، رافقت الرجل عدة سيارات مصفحة وانتشرت قوات الأمن في كل مكان ، ووصل الأمر لدرجة أن طائرة عمودية رافقت موكبه.
انتشرت صوره على المباني الحكومية المقابلة للجان ، وصدح نشيد جديد ، أغنية أسوأ من فضيحة "بشرة خير".
جاء قلة من الشباب وبعض كبار السن، لا لينتخبوا بل ليرقصوا فرحاً بما سماه السيسي العرس الديموقراطي. وما كان عرساً ولا ديموقراطياً، بل فضيحة للدكتاتور الذي قال" إن الإقبال سيكون جميلاً".
مرّ اليوم الأول وكان الإقبال ضعيفاً بطريقة لافتة، ولم يتغير الأمر في اليوم الثاني، ولنقل إنه ازداد سوءاً، إذ لم تصل نسبة المشاركة إلى سبعة بالمائة من مجموع من يحق لهم الانتخاب في مصر وهم ثلاثة وخمسون مليوناً.
وجّه السيسي وسائل الإعلام لبذل الجهود كلها في حث المواطنين على النزول والتصويت له، وهو الذي قد قال يوماً "إن الذي يسيطر على وسائل الإعلام يسيطر على الرأي العام". لكن الشعب المصري أثبت أنه أكثر وعياً مما مضى وأنه لم يعد يثق بوسائل الإعلام التي يديرها "الجنرال" نفسه أو فلول الحزب الوطني وحسني مبارك.
جيّش الإعلام المصري كل طاقاته لحث الشعب على التصويت دونما فائدة، وفي صورة أسوأ من صورة اليوم الأول نقلت الشاشات حتى المؤيدة له، صور مقار الصناديق وهي خاوية على عروشها تكاد تخلو من الناخبين. في مصورات أخرى كان أعضاء اللجان الانتخابية يشربون الشاي خارج مقر اللجنة ويبدو عليهم الملل في انتظار لا أحد.
جن جنون إعلام الانقلاب الذي حاول تكبير السيسي وهو صغير وتطويله وهو قزم، وصنع منه رجل المرحلة والرئيس الضرورة والمحبوب جماهيرياً. ولهذا بدأ مقدمو البرامج بالتوسل للجمهور كي يساهم في هذه الانتخابات ومن الأمثلة على ذلك ما قاله توفيق عكاشة بالحرف "أبوس رجلين أهليكم انزلوا وانتخبوا، عايزين إيه أقلع هدومي واطلع على الهوا".
قناة التحرير توسلت بدورها للجماهير المصرية على المشاركة في الانتخابات وقالت" إن المصريين الذين لا ينتخبون يضيعون مصر".
وائل الأبرشي غضب بسبب صور اللجان الانتخابية وهي فارغة، وحياة الدرديري، قالت "الله... هو فين الشعب، فين الناس، توكسوا".
كان كل ذلك أخف وطئاً مما قاله ، مصطفى بكري، " من لا ينتخب فهو خاين خاين خاين ويبيع البلد".
أما توفيق عكاشة فاقترح أن تضرب بالنار تلك المرأة التي تذهب إلى السوق وتعود إلى بيتها دون انتخاب.
لم تكتف سلطات الانقلاب بكل هذا التجييش والانتقال من هز البطن إلى قراءة القرآن، ولكنها مددت التصويت يوماً ثالثاً، وفرضت غرامة مالية قدرها 500 جنيه على الذين لا يصوتون، وهي غرامة قد لا يملكها كثير من المصريين.
في اليوم الثالث ومع كل الضغط التي تعرض له المصريين للخروج من منازلهم، لم ينزلوا ولم يشاركوا وبقي السيسي وحيداً. وهو الذي ادعى أن ثلاثين مليون مصري قد فوضوه لخلع الرئيس الشرعي،وأن الشعب قد طلب منه قيادة المرحلة وإنقاذ مصر.
أراد السيسي أن يثبت شعبيته فإذا به يؤكد شعبية الرئيس محمد مرسي، وأراد أن يثبت محبة المصريين له، فإذا به يؤكد أن غالبيتهم لا تقدره ولا تحترمه ولا تثق به.
يكفينا اليوم، أن نتذكر أن السيد الرئيس محمد مرسي قد حصل في الانتخابات الشرعية على ثلاثة عشر مليون صوت، وأن اللجان الانتخابية كانت تعمل دون توقف بسبب كثافة المشاركة
بينما اضطر السيسي لتمديد فترة الانتخابات يوماً ثالثاً ليس بسبب كثرة الناخبين، بل لقلتهم وعزوفهم عن هذه المسرحية.
مع كل ذلك، ومع كل هذه الفضائح يدعي عبد الفتاح حصوله على نسبة 96.6 بالمائة من أصوات المصريين. لا نشك على الإطلاق أن الرجل ماض في تسلطه على الشعب المصري، وماض في طريق الدكتاتورية والحكم بالحديد والنار متذرعاً بحربه على الإرهاب. فالمستبد لا يعنيه الشعب ولا يفكر بأحلام الجماهير، وإنما يفكر بتحصين نفسه وموقعه وثروته. إلا أن المؤكد أيضاً أن الرجل اليوم، وإن استمر في الكذب، قد عرف موقعه الصحيح في قلوب المصريين.
لا أعتقد أن رئيساً مرفوضاً لهذه الدرجة وشعباً حياً كالشعب المصري سيلتقيان في نقطة ما، بل ستسمر المظاهرات في مصر وستستمر ثورة 25 يناير، حتى إسقاط الطاغية الجديد
منقول