لا يفهم من قولي أعلاه أنني أعادي العالمانية بذاتها من أجل العالمانيون العرب، أو الليبرالية بذاتها من أجل الليبراليون العرب، أو الاشتراكية بذاتها من أجل الاشتراكيون العرب، كما لم أعاد الإسلام السياسي من أجل الإسلاميون العرب.

كل الأفكار المذكورة أعلاه فيها القابلية والقدرة على تحفيز النهضة عند الأمة دون مسخ شخصيتها وجعلها تبعا للغير، كلها دون استثناء، من أقصى اليسار الشيوعي حتى أقصى اليمين القومي.

المشكلة ليست في الأفكار أعلاه، على أن فيها مشاكل، المشكلة هي في طريقة التعاطي مع الأمة والفكرة، التعاطي مع الفكرة التي قد تكون أتت من الغير بسلفية وتقديس مقرف، ومع الأمة على أنها جاهلة ضالة يجب أن يقودها غيرها.

كل فكرة من الممكن أن يتم استيعابها وإعادة انتاجها لتنسجم مع الأمة التي يراد لها أن تحملها، فنجد العالمانية الفرنسية تختلف كثيرا عن العالمانية الألمانية أو الإنجليزية أو الأمريكية، ونجد الشيوعية السوفيتية تختلف عن الشيوعية الصينية. لم تلغ أية فكرة مما سبق شخصية الأمة التي حملتها، بل نبغ فيها مفكرون خاصون مستقلون أوجدوا لونهم الخاص من الفكرة.

لكن ما يريده لنا هؤلاء هو مجرد التبعية والتلقي من الغير، يريدون منا مجرد التمطي عبيدا لمستبدين من جنسهم، وما خلافهم بينهم إلا كخلاف عبدة الأوثان على فضل أربابهم بعضهم على بعض، هذا يعبد السيسي وذاك يعبد مرسي، هذا يعبد داعش وذاك يعبد الأسد، هذا يعبد الخامنئي وذاك يعبد سارتر وفوكو، وخلافهم فيمن يجب أن يجعلوا الناس له عبيدا لا كيف يتحرر الناس ويصير لديهم الخيار بين الصح والخطأ، فيخطئ الإنسان لأنه يريد أن يخطئ، ولأنني لست وصيا عليه لأمنعه من الخطأ.