بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تحولات في إستراتيجية الحرب على الإرهاب.. مرة أخرى!!؛

شبكة البصرة
د. أبا الحكم

في حديث أدلى به "ديك تشيني" أحد المحافظين الجدد أشار فيه إلى أن مؤسسة (راند) البحثية الإستخبارية قد ذكرت بتقريرها الأخير (أن اعداد التنظيمات الإرهابية قد تزايدت من عام 2001 إلى عام 2013 بنسبة 58%، وهي منظمات تنتشر جغرافياً بشكل واسع) وأضاف (لا بد في البداية، أن يجري ادراك لطبيعة التهديدات عن تلك التنظيمات.. وإن استراتيجية "أوباما" لمحاربة الارهاب- داعش، هي اختبار مهم للرئيس "اوباما" لمعرفة ما إذا كان يسير في الطريق الصحيح أم أنه يحاول التعامل مع موقف واحد منعزل ولا يدرك طبيعة التهديدات التي تواجه امريكا).. هذا جزء مما قاله تشيني، يوضح بأن هناك تجريبية في سياسة "أوباما" الإستراتيجية الخاصة بمحاربة الإرهاب، ولا ضير في ما إذا أخفقت أو فشلت هذه الإستراتيجية، وليس من قبيل الإهتمام بأعداد القتلى والمجازر التي ستحصدها هذه الإستراتيجية التجريبية، لأن أمريكا لا يهمها ما تسفر عنه اختبارات أسلحتها بحق الشعوب من قتل وتدمير وتهجير.. لماذا؟ لأن، "أوباما" يجرب هذه الإستراتيجية لا غير وعلى الحكومات أن تنصاع لرغبات السيد المجرب لحمامات الدم دون وازع من ضمير ولا أخلاق!!

واضاف "تشيني" (أن داعش ستكون في وضع تكتسب فيه قوة وقدرات اضافية اكبر، وسيتمكن هذا التنظيم من السيطرة على مناطق اخرى ويزيد من اعداد المقاتلين الذين يجتذبهم من اوربا، وربما من الولايات المتحدة، ويكون قادراً على امتلاك ملاذات آمنة وقادراً على التخطيط والقيام بتنفيذ هجمات..إلخ)!! :

1- بعد سنتين سيخرج "أوباما" من البيت الأبيض وسيترك إرثاً إستراتيجياً للرئيس الأمريكي المقبل يسمى (محاربة الإرهاب- داعش)، كما هو حال الإرث الذي تركه "بوش الصغير" وتحمل أعبائه "أوباما"، الذي طور استراتيجية محاربة الإرهاب الكونية من محاربة (القاعدة) إلى محاربة (داعش).. والحبل على الجرار كما يقولون من هذه المسميات التي تعمل عليها المخابرات المركزية الأمريكية ومجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية الأمريكية.

الذين يعملون في السياسة والدارسون والمتخصصون يرجعون إستراتيجية أمريكا، كما شرحناها في مقالات عديدة سابقة، وبعض منها إلى مبادئ الرئيس القادم إلى البيت الأبيض.. فيما يكون أساس هذه الإستراتيجية يتوزع على مديات قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى، شرحناها في خضم الحديث عن طبيعة هذه الإستراتيجية.. بمعنى أن الرئيس الأمريكي في أي إدارة لا يخرج عن الاطار العام أو ما يسمى بالإستراتيجية العظمى أو الكبرى للولايات المتحدة الأمريكية كدولة، بغض النظر عن من يجلس في البيت الأبيض.

فعلينا أن ندرك ايضاً.. هنالك ترابط بين مبدأ رئاسي ومبدأ رئاسي آخر، وخاصة في مسائل الملفات.. بمعنى، أن يكمل الرئيس ما انتهى إليه الرئيس السابق.. لأن الملفات الخاصة بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة هي ملفات متداخلة تُسَلَمْ من رئيس إلى رئيس، ومن إدارة إلى إدارة، لتكمل مراحل العمل وبالأسلوب الذي تراه الإدارة الجديدة ممكناً.. ومن أجل أن لا يطول الحديث حول هذا الموضوع الحيوي يتوجب التذكير بسلسلة من مبادئ الرؤساء، وهم لا على التعيين (مبدأ ترومن ومبدأ جونسون ومبدأ نيكسون ومبدأ فورد ومبدأ ريغان ومبدأ كارتر ومبدأ بوش الأب ومبدأ بوش الأبن ومبدأ أوباما ومبدأ، ومبدأ.. إلخ)، هذه المبادئ تعبر عن طبيعة نظرة الرئيس للقضايا الخارجية ومفاصلها فضلاً عن رؤيته في معالجة القضايا الداخلية.. وحتى لا ندخل في تفاصيل هذه المبادئ وهي واسعة ومتشعبة وذات متاهات سياسية واقتصادية وعسكرية واستخبارية وسوسيولوجية وجيو- إستراتيجية، بمعنى التخطيط..إلخ، فأن مبدأ بوش الأبن يعد الأساس الذي يتحدث عن استراتيجية كونية سميت (محاربة الإرهاب الدولي).



فمسألة الحرب تشترط تبريرات وحجج وأغطية للتدخل الخارجي، كما تشترط إقناع الرأي العام المحلي والعالمي بحزمة الأهداف المرجوة للحرب والتعريف بوسائلها وضمانات نجاحها بأقل الخسائر الممكنة وعلى أن يكون ثمن الأهداف أكبر من ثمن التضحيات وليس العكس.. إذن: مبررات الحرب تصنعها السياسة وتنفذها أدواتها الحربية والإستخبارية والإعلامية وغيرها من الأدوات كالأداة الدبلوماسية على خط واحد.. ولما كانت أمريكا لا تستطيع أن تعيش من دون صراعات خارجية.. بمعنى أنها تحتاج إلى عدو خارجي حتى لو كان وهمياً، كما قال "هنري كيسنجر" وزير الخارجية الأمريكي الأسبق.. فقد خلقت عدواً خارجياً ورسمت له إستراتيجية أسمتها (محاربة الإرهاب)، منذ رحيل الجيوش السوفياتية عن أفغانستان، ومجيء نظام (خميني) إلى السلطة في طهران عام 1979.. ثم تبلورت هذه الإستراتيجية بعد الحادي عشر من سبتمبر- ايلول عام 2001، فضربت أفغانستان ثم ضربت العراق واحتلتهما وتركتهما نهباً لصراع المليشيات الطائفية والعرقية التي تتحكم بهما طهران بدواعي الوكيل الأقليمي.

وعلينا أن لا ننسى، أن أمريكا أرغمت الاتحاد السوفياتي على الانسحاب من افغانستان بأدة المعرضةالأفغانية وتحشيد المسلمين على أساس محاربة الكفار الروس.. فقد وجدت أمريكا في التيار الإسلامي القوة الضاربة لوجود الخصم السوفياتي وأي خصم يظهر ويتعارض مع مصالحها.. فاستخدمت مؤسسة دينية ظلامية في قم وطهران خير أداة بمعاونة بريطانيا الضليعة في هذه المؤسسة ورجالاتها الطائفيين.. فأسقطت الشاه الذي بات يتطاول ويفسد على امريكا وبريطانيا مخططاتها ويعرض مصالحهما في الخليج العربي إلى الخطر.. عندها ضربت أمريكا عصفورين بحجر، أزاحت الشاه واستخدمت مؤسسة (خميني) أداة لتوسيع استخدام الإستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الاوسط والبلقان ووسط وجنوب آسيا على وفق التخطيط الإستراتيجي العام الذي اكد عليه "زبيغنيو بريحنسكي" في كتبه التي انصبت على (آوراسيا) ورقعة الشطرنج..

هذا فقط للتذكير ليس إلا.

قال "ديك تشيني" نائب الرئيس الأمريكي بوش الصغير مؤخراً (ان كل هذا الذي تحدثنا عنه، الإرهاب سبقه)، بمعنى أن الارهاب كان موجوداً قبل افغانستان والعراق وما حل بالمنطقة الآن.. ولكن اذا كان الارهاب الدولي 1% أو حتى 3% بفعل تراكمات شتى منها الاحتلال والسيطرة الاستعمارية الاجنبية والاضطهاد والقمع السلطوي تشكل النسبة الاعظم في ردود الافعال التي تسميها امريكا (الإرهاب)، فأن نسبته قد زادت الى 58% عن ما كانت عليه قبل افغانستان والعراق وليبيا وسوريا واليمن.. والسبب الرئيس هو الاستعمار البريطاني والاحتلال الأستيطاني الأسرائيلي لفلسطين المحتلة منذ اكثر من ستين عاماً، والاحتلال الامريكي زائداً قمع النظم السياسية التي تساندها امريكا وبريطانيا وعموم دول الغرب.

نعود إلى مبدأ "بوش الصغير" وإستراتيجية (محاربة الإرهاب الدولي) حين قسم العالم إلى معي أو ضدي.. وهي سياسة فاشلة تحاول الهروب من مسببات الاضطرابات والعنف والتطرف الحقيقية، حيث استمرت هذه الاستراتيجية من 2001- 2009، تسلم "أوباما" ملف محاربة الارهاب.. وعليه أن يكمل إحدى صفحاتها بعد الصفحة الفاشلة والخاسرة التي تكبدت فيها أمريكا خسائر فادحة في الأرواح والمعدات العسكرية والأموال.. ويعمل على وقف تداعيات الوضع الاقتصادي الأمريكي الذي بلغ حدود الإنهيار الكامل.. مرحلة واحدة من استراتيجية محاربة الارهاب انتهت التي قادها بوش الصغير، وبمجيء "أوباما" استطاع سحب جيوشه مرغماً بفعل المقاومة الوطنية العراقية الباسلة، وتوكيل مهمة ضمان مصالحه النفطية لإيران المارقة بالإرهاب وغيره، ليعود إلى ترميم التصدعات ووقف الانهيارات في بنية النظام الاقتصادي والمالي والنقدي والعسكري والامني والاستخباري والاجتماعي الامريكي.. وبعد ست سنوات على انكفاء امريكا وسكوتها على الجرائم الوحشية التي ترتكب في العراق على يد ايران واحزابها الطائفية الدموية.. عاد "أوباما" إلى المنطقة والعراق على وجه الخصوص بإستراتيجية محسنة او تحمل لوناً جديداً او صفحة جديدة لها اسمها مستنسخة تماماً، ليباشر تأجيج نار الحرب التي بدأها بوش الصغير (محاربة الإرهاب الدولي – القاعدة)التي خفت وهجها (بمقتل) اسامة بن لادن، ويطلق على استراتيجيته (محاربة الارهاب الدولي – داعش)، ويقوم بتحشيد قوى العالم المختلفة في حملة تختلط فيها الاوراق بتعمد بين الثورة والارهاب، أو بين الارهاب والإرهابيين وبين الثورة والثائرين الوطنيين.. يركز فيها على الشراكة الاستراتيجية لـ(لناتو)، القوة الغربية الضاربة.. ويعلن أن هذه الاستراتيجية ستطول لسنوات قد تمتد لعقد من السنين يغطي ولآيتين لرئيس أمريكي جديد قادم إلى البيت الأبيض.. يتسلم هذا الملف بعد أن مهد "أوباما" لهذه الحرب مما تبقى من ولآيته.. وبهذا تحاول امريكا ان تخدع العالم باستراتيجية سخيفة لا يقبلها العقل ولا المنطق إذا ما تمت المقارنات الموضوعية بين معادلات القوة ومعادلات القوى في مناطق الصراع.. (40) دولة تحشد امكاناتها العسكرية والإستخبارية والسياسية لمقاتلة منظمة مسكوت عنها امريكياً وغربياً وتضطلع بحبائلها ايران والكيان الصهيوني، قوامها حسب تقديرات امريكية ما بين (20-31) ألف عنصر مقاتل بعد أن كان التخمين الغربي لا يتعدى أربعة ألاف عنصر موزعين في ساحتين سوريا والعراق.



أين تكمن الحقيقة؟! :

1- أمريكا تريد أن تستمر في احتلالها للعراق بأدوات طائفية وعرقية مدعومة بقوة من إيران المارقه.. مقابل اطلاق يد إيران في العراق على أن تضمن لأمريكا مصالحها النفطية.. بمعنى.. النفط مقابل النفوذ السياسي!!

2- أمريكا تحارب ثوار العراق وعشائر العراق المنتفضون الذين يريدون حقوقهم باقامة نظام وطني مستقل يخلو من أي وصاية أو تدخل خارجي يحكمه ابناءه الوطنيون بعيداً عن الحشد والحقن الطائفي من أي مصدر كان وبأي وسيلة كانت.

3- أمريكا تريد ان تستمر في نهجها الاستعماري ذي النزعة الإمبريالية، لتفرض ارادتها على الشعوب وتنهب ثرواتها باساليب الهيمنة والخداع وارهاب الدولة العظمى.



إذن.. أمريكا خلقت (الحرب على الإرهاب – القاعدة) استمرت هذه الحرب عقداً من السنين، ومثلت ولآيتين للرئيس الأمريكي بوش الصغير وسنتان تحضير لنسج ترابط ملف من إدارة إلى أخرى.. ثم خلقت أمريكا بولآية "أوباما" صفحة جديدة محدثة لإستراتيجية (الحرب على الإرهاب) ستستمر لعقد من السنين، ثمان سنوات لولآيتين أخريين لرئيس جديد يأتي إلى البيت الأبيض، وسنتان تحضير لنسج ترابط ملف محاربة الإرهاب الدولي قد يحمل تسميات لصفحة أخرى.. إلخ من صفحات (الحرب على الإرهاب)، فيما يبقى السبب أو الأسباب الرئيسة باقية على حالها.. الاحتلال الأمريكي والإيراني للعراق والإحتلال الإستيطاني الإسرائيلي لفلسطين والإحتلال الإيراني للجزر العربية ومياه الخليج العربي المهدده بالإجتياح الفارسي، فضلاً عن إطلاق يد المليشيات الإيرانية وأذرعها تعبث في المنطقة بدون رادع قانوني أو سياسي.

اطلاق يد المليشيات الإيرانية والسكوت على قادة القاعد في الأراضي الإيرانية وقواعد تدريباتهم وانتشارهم وتوزيعهم منها.. يمثل جوهر الصراع او بالاحرى معادل الصراع الاستراتيجي، بعد ان تم تحييد الجيوش النظامية لتحل محلها جيوش المليشيات المدربة والمؤدلجة، وهدفها يصب في خانة نظرية (الفوضى الخلاقة).

فهل ترون.. كيف يتم المسار الاستراتيجي الامريكي في كل ولآية رئيس، وكل مبدأ رئيس وكل ولآية يقضيها رئيس.. والمشكلة أن العالم مخدوع، والخديعة الكبرى تكمن في استراتيجية (محاربة الإرهاب الدولي).



ما العمل...؟

أولاً : الدعوة إلى مؤتمر دولي تتبناه الجمعية العامة للأمم المتحدة والمنظمات المتخصصة التابعة لها، يتم خلاله الخروج بمفهوم قانوني للإرهاب، محدد ودقيق وواضح لا لبس فيه ولا اجتهاد في تفسيره، تصادق عليه محكمة العدل الدولية بمشاركة محكمة الجنايات الدولية، للخروج بمفهوم ملزم للجميع ويصاغ بقرار أممي.. وذلك لغياب مفهوم واضح للإرهاب واختلاطه عمداً بأعمال التحرر من ربقة الإستعمار وسلطات الاحتلال البغيضة.

ثانياً : أن تتولى المحاكم الدولي دراسة ملفات الخرق للقوانين الدولية ولوائح حقوق الإنسان في ضوء الوثائق والمبرزات التي تتضمن الأدلة الجنائية والقرائن المادية لشكل الجريمة ونوعها وطريقة اقترافها ودوافعها ومسبباتها.

ثالثاً : العمل على مغادرة اساليب التعامل مع ملفات حقوق الإنسان بنمطيه بيروقراطية بطيئة ورتيبة عاف عليها الزمن.. وذلك بتشكل أليات عمل تحدد سقفاً زمنياً لمعالجاتها ولقراراتها.

رابعاً : أن يصدر قرار دولي يحريم أي نوع من تشكيل المليشيات على أراضي الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة وبأي صفة أو مسوغ، سواء كان تنظماً آيديولوجياً أو رديفاً لقوات الدولة النظامية.. وتحاسب حكومات الدول الأعضاء في حالة خرقها لهذا القرار بعقوبات جماعية صارمة... فإيران ترسل مليشياتها لتقاتل في خارج اراضيها، لتقول نحن لم نرسل جنوداً عسكريين للقتال، والذي يقاتل هم متطوعون.. وتأمر مليشيات (حزب الله في الجنوب اللبناني) للقتال في سوريا، وترسل مليشيات طائفية من العراق إلى سوريا للقتال هناك.. وتقول أنهم أفراد متطوعون.. ويمتد هذا النهج إلى اليمن وغيرها من الدول.. هذا النهج المسكوت عنه إقليمياً ودولياً يجب أن يتوقف بقرارات أممية تؤكد على حق الدول تشكيل جيوشها السيادية الدفاعية على أراضيها فقط، وخلاف ذلك تخضع لمساءلات دولية وعقوبات قانونية جماعية.

الأمر ليس سهلاً.. ولكن مسافة ألف ميل تبدأ من خطوة واحدة!!

11/9/2014

شبكة البصرة

السبت 18 ذو القعدة 1435 / 13 أيلول 2014

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط