بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

لعبة التضليل

قطر أحد أدوات واشنطن لنشر الفوضى الخلاقة في المنطقة العربية

شبكة البصرة
عمر نجيب

ضجت الكثير من وسائل الإعلام العربية والدولية في نهاية شهر أغسطس 2014 بأخبار عن تسوية خلاف السعودية والامارات العربية والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى، وذكر أن اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الذي إنعقد في ذلك الوقت قد جرى في أجواء ود وتفاهم، وأنه تم حل الخلاف، وذلك بتطبيق نص اتفاق الرياض حرفيا.

وقالت مصادر خليجية إن الزيارة التي أداها وفد وزاري سعودي رفيع المستوى إلى الدوحة والمنامة وأبوظبي قد وضعت اللمسات الأخيرة على اتفاق لعودة العلاقات بين الدول الخليجية الست إلى ما كانت عليه، وأن عودة سفراء السعودية والإمارات والبحرين إلى الدوحة ستكون خلال أسبوع.

وضم الوفد السعودي كلا من وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، ورئيس الاستخبارات العامة الأمير خالد بن بندر، ووزير الداخلية الأمير محمد بن نايف.

وفي سياق متصل، أكد وزير الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي يوم 30 أغسطس أن المشاكل بين السعودية والإمارات والبحرين وقطر قد حلت تماما مشيرا إلى أن الدول الثلاث ستعيد سفراءها إلى الدوحة.

ونقلت وسائل إعلام وخاصة أمريكية عن ما قالت أنه مصادر مطلعة أن الدول الخليجية عملت على تسوية الخلاف مع قطر للتفرغ إلى مواجهة التحديات الأمنية في المنطقة وخاصة ما تعلق بالأوضاع في العراق وسوريا وتوسع تنظيم "داعش"، فضلا عن الوضع المعقد في اليمن حيث يستغل الحوثيون المدعومون من إيران التركيز الإقليمي والدولي على "داعش” في العراق وسوريا، للتوسع شمال اليمن.

أوساط في الخارجية الأمريكية ذكرت أن البيت الأبيض تلقى بإرتياح كبير خبر تسوية الخلاف الخليجي مؤكدة أن الأمر سيساعد في إنشاء حلف عالمي واسع لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية".

مع بداية شهر سبتمبر 2014 كثرت الأخبار عن قرب إبعاد الدوحة لقيادات حركة الإخوان المصريين من أراضيها ووقف حملة التخريب والتضليل والكذب التي تقودها إعلاميا قناة الجزيرة القطرية ضد مصر وعدد من الدول العربية، وكذلك وقف الدعم بالسلاح والمال لتنظيمات مسلحة في منطقة الشرق الأوسط.

في منتصف شهر سبتمبر أعلنت وسائل إعلام أن سبعة من قيادات الإخوان المصريين الموجودين في الدوحة سيغادرونها إلى بلدان منها تركيا وبريطانيا. القضية إثيرت حولها ضجة كبيرة خارج قطر ولكن لم يجر الحديث عن مستقبل أكثر من 152 من المصريين الإخوان الذين تحتضنهم إمارة قطر وتطالب القاهرة بعدد كبير منهم في قضايا جنائية وتجسس.

يذكر أنه قبل عيد الأضحى نشرت أخبار عن إبعاد حكومة قطر قيادات من الإخوان، وتبين حينها أن الأمر فرقعة إعلامية تضليلية.

بعض المراقبين قابلوا كل هذه الضجة الإعلامية بحذر، حيث كان من الصعب تصور تحول وتخلي الدوحة عن الدور الذي كلفتها الولايات المتحدة بلعبه لتسهيل تنفيذ مشروع المحافظين الجدد للشرق الأوسط الكبير أو الجديد، والهادف إلى إعادة رسم حدود دول المنطقة وتقسيمها على أسس عرقية ودينية ومناطقية إلى ما بين 54 و 56 دولة مما يسهل على الولايات المتحدة تشديد قبضتها على ثروات المنطقة والتحكم فيها وإستخدامها لترسيخ هيمنتها في معركة النفوذ العالمية خاصة في مواجهة روسيا والصين.

نفس المراقبين أشاروا إلى أن واشنطن ومنذ بداية صيف 2014 مارست كل أنواع الضغوط على السعودية والامارات والبحرين لتمنعها من إتخاذ قرارت جديدة لمعاقبة سلوك الدوحة، وأنها هددت بأن مجلس التعاون الخليجي سينهار لأن الكويت وسلطنة عمان ستقفان إلى جانب قطر وستشكل هذه الدول تحالفا بديلا. كما أبلغ مسؤولون في المخابرات المركزية الأمريكية أن تقدير بعض الأوساط بأن عقوبات جديدة على نظام قطر ستقود إلى سقوطه داخليا نتيجة تمرد بعض القيادات وضباط في الجيش ضرب من الخيال لأن هناك احتياطات كبيرة لمنع ذلك خاصة عبر الوجود العسكري الأمريكي الكثيف في قاعدة العيديد.



تركيا وقطر

يوم الإثنين 15 سبتمبر 2014 إعلن عن إنشاء مجلس أعلى للتعاون الاستراتيجي، برئاسة أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان الذي قام بزيارة إلى الدوحة استمرت يومين، ويختص المجلس، الذي أعلن عن إنشائه، حسب وكالة الأنباء القطرية "قنا"، في بحث سبل تطوير العلاقات بين البلدين ومتابعة الموضوعات في المجالات كافة.

وكان أردوغان قد أعلن إن "رؤية تركيا وقطر للمسائل الإقليمية تتقاطع بشكل كبير، وشهدت علاقاتنا تطوراً كبيراً للغاية في السنوات الأخيرة، كما أنها آخذة في الازدياد"، لافتاً إلى أن زيارته إلى قطر، هي ثالث زيارة له خارجيا عقب زيارته جمهورية قبرص التركية وأذربيجان، بعد توليه منصب رئاسة الجمهورية.

ولفت أردوغان إلى زيارته الأخيرة إلى قطر في ديسمبر 2013، وكان رئيسا للوزراء، مضيفا: "زار صديقي العزيز أمير قطر تركيا، أربع مرات، آخرها كما هو معروف لدى حضوره مراسم تسلمي رئاسة الجمهورية".

ونوه بأهمية المهام التي ستتولاها شركات تركية، استعداداً لبطولة كأس العالم 2022 في قطر، من عمليات بناء المنشآت، وغيرها من التحضيرات، كالملاعب، وخطوط المترو والطرقات".

في نفس الوقت تقريبا ذكرت وسائل إعلام تركية أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صرح خلال عودته من قطر بأن بلاده ترحب بالقيادات البارزة لجماعة الإخوان المسلمين المصرية التي طلبت منها قطر المغادرة بعد ضغوط دول الجوار التي تطالب الدوحة بوقف دعمها للإسلاميين.

ونسبت وسائل الإعلام التركية إلى أردوغان قوله في ساعة متأخرة يوم الاثنين إن تركيا سترحب بالقيادات البارزة من جماعة الإخوان المسلمين المصرية المحظورة.

ونقلت محطات تلفزيونية تركية عن إردوغان قوله للصحفيين على متن طائرة عادت به من زيارة رسمية إلى قطر إن الشخصيات الإخوانية البارزة ستكون موضع ترحيب في تركيا إذا رغبت في المجيء.



لعبة التضليل نهاية وبداية

قبل أن يجف الحبر على توقيع إتفاق إنشاء مجلس أعلى للتعاون الاستراتيجي بين الدوحة وأنقرة اتهمت البحرين، قطر بأنها مستمرة في تجنيس مواطنين بحرينيين رغم تعهدها بوقف ذلك ضمن اتفاق مع جيرانها الخليجيين.

ونقلت وكالة الأنباء البحرينية الرسمية عن وكيل وزارة الداخلية لشؤون الجنسية والجوازات والإقامة قوله إن "دولة قطر ما زالت مستمرة في عملية تجنيس البحرينيين، ولم تلتزم بإيقاف ذلك وفقاً لما تعهدت به سابقا". وتجنيس البحرينيين من المسائل الخلافية بين قطر من جهة والسعودية والبحرين والإمارات من جهة أخرى.

من جانبه قال وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة كما نقلت عنه وكالة الانباء البحرينية الرسمية ان "هناك استياء عاما من التصرفات التي اقدمت عليها دولة قطر بإغراء المواطنين البحرينيين بالجنسية القطرية والطلب منهم التخلي عن جنسيتهم الأصلية".

وقال الشيخ راشد إن "مثل هذا السلوك يتنافى مع روح الإخوة التي كنا نأمل أن تسود بين الأشقاء، وتتعارض مع روح التعاون للاتحاد الخليجي الذي كنا نتطلع إليه فالبحرين ما زالت تدعو إلى الأخذ بالمواطنة الخليجية، وعاملت جميع الإخوة من دول مجلس التعاون وفق هذا المبدأ انطلاقا من أننا أهل، ويجمعنا نسب واحد وتربطنا أواصر العقيدة واللغة والتاريخ المشترك ونعمل سويا وفق منظومة مجلس التعاون ومظلة الجامعة العربية".

وتشهد البحرين منذ اكثر من ثلاثة اعوام حركة احتجاج يحركها الشيعية رافضين جميع دعوات الحكومة للجلوس إلى طاولة الحوار على ما يعتقدون انها مطالب مشروعة وبعيدا عن منطق المغالبة وتوظيف الاحتجاجات في سياق لعبة إقليمية خطرة تديرها ايران واسهمت في توتير تغذية نزاعات طائفية في أكثر من دولة عربية.

واوضح وزير الداخلية البحريني ان "استمرار قطر في تعاملها غير الودي والمهين وممارسة التحريض على ترك الجنسية البحرينية سوف يضطرنا لاتخاذ اجراءات معاكسة ما كنا نتطلع للجوء اليها"، ولكنه لم يوضح طبيعة هذه "الإجراءات".

واضاف "ندعو دولة قطر إلى وقف تلك الإجراءات غير المبررة".

للتأكيد أن الدوحة لا تنوي تطبيق ما التزمت به وفي نطاق تكرار المواقف المتطرفة، نفى وزير الخارجية القطري خالد العطية ممارسة بلاده أي ضغوط على فضائية الجزيرة المملوكة لها. وقال العطية في حوار مطول نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية إن بلاده "لن تمارس أي ضغوط على قناة الجزيرة". جاء ذلك ردا على سؤال بشأن مطالبات دول جوار بما وصفته الصحيفة بأنه "تكميم" لقناة الجزيرة المتعاطفة مع آراء الإخوان، ونفى العطية أن تكون الدوحة قد طلبت من قيادات في جماعة الإخوان المسلمين مغادرة البلاد، قائلاً إن "قطر ستبقى منصة للآراء المختلفة".

من جانبها، نفت شبكة الجزيرة الإخبارية صحة ما تردد من إشاعات بشأن إغلاق قناة "الجزيرة مباشر مصر". وقالت الشبكة في بيان: "تعد إشاعة إغلاق الجزيرة مباشر مصر في غضون شهر آخر قطرة في سيل الإشاعات التي تطول وما زالت الشبكة الإخبارية العربية الأقدم وقنواتها". وأضافت أن "الجزيرة مباشر مصر خاضت مسيرة طويلة في سبيل الكلمة، أغلقت مكاتبها، ودوهمت مقراتها، واُستهدف صحافيوها، فانتهى المطاف بها إلى نقل جميع طواقمها لبث رسالتها من الدوحة"، مشيرة إلى أن "القناة ستبقى تباشر عملها بمهنية وموضوعية".

في توقيت متواز اتهم رئيس الحكومة الليبية عبد الله الثني قطر والسودان، بإرسال سلاح إلى قوات "فجر ليبيا" الموالية لحركة الإخوان، محذرا الدوحة والخرطوم من قطع العلاقات الدبلوماسية معها، إذا "لم ينتهيا".

وقال الثني، في مقابلة مع قناة "سكاي نيوز عربية"، مساء الأحد 14 سبتمبر، إن "3 طائرات قطرية أوصلت سلاحاً إلى قوات فجر ليبيا"، مضيفا أن "الطائرة التي نزلت في الكفرة سودانية، وكانت متوجهة إلى مطار معيتيقة". وأوضح أن "هناك ثلاث طائرات قطرية قبل الطائرة السودانية أوصلت سلاحاً لتنظيم فجر ليبيا".

وقال الثني: "حذرنا قطر والسودان من التدخل في الشؤون الليبية، وسنقطع العلاقات الدبلوماسية معهم إذا لم ينتهوا".



جبهة ضد مصر

قطر رفضت الاتهامات الليبية، بالتدخل في الشأن الليبي وإرسال الأسلحة إلى قوات "فجر ليبيا" التي تخوض مواجهات عسكرية مع قوات اللواء خليفة حفتر، مستغربة أن يصب الثني غضبه على الدوحة دون أن يتطرق إلى القصف الجوي الذي تعرضت له مؤخرا الأراضي الليبية والذي ذكر البنتاغون الأمريكي أن مصر والامارات نفذته قبل أن يتراجع بشكل خبيث والقول أن هذا ما نشرته وكالات الأخبار.

وقال محمد بن عبد الله الرميحي، مساعد وزير الخارجية للشئون الخارجية، في تصريح نقلته وكالة الأنباء القطرية، إن الدوحة تؤكد "رفض واستهجان ما تضمنه تصريح السيد عبد الله الثني بتدخل دولة قطر في الشؤون الداخلية لليبيا" مؤكدا أن ما وصفها بـ"المزاعم والادعاءات المضللة ليس لها أساس من الصحة"، وأن سياسة دولة قطر "تقوم على مرتكزات واضحة وثابتة وهي الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى".

وشدد الرميحي أن الادعاءات في هذا الشأن "خطيرة" مضيفا أنه "كان من الأجدر بالسيد الثني تحري الدقة قبل إطلاق مثل هذه التصريحات، سيما وأنه لم ينبس ببنت شفة ضد قصف بلاده ومواطنيه بالطائرات مؤخرا، ولم يتعرض بالنقد حتى إلى التدخل المسلح في بلاده" على حد تعبيره.

يشار إلى أن فصائل ليبية مسلحة مصنفة كأجنحة لحركة الإخوان الليبية كانت قد اتهمت طائرات إماراتية ومصرية بتوجيه ضربات لأهداف تابعة لها في العاصمة طرابلس، الأمر الذي نفته القاهرة بشكل قاطع عبر بيان رسمي للخارجية.

وعلى نفس الصعيد، قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، في بيان عبر حسابه الرسمي بموقع "تويتر" إن محاولة إقحام اسم الامارات في الشأن الليبي "هروب من مواجهة نتائج الانتخابات والشرعية التي أفرزتها ورغبة الأغلبية في ليبيا للاستقرار والأمن".

وأضاف: "سيتضح جليا وقريبا أن من يستهدف الإمارات هو من يرفض نتائج الانتخابات ونهج بناء المؤسسات"، وتابع بقوله إن زج اسم الإمارات ومصر والسعودية "مصدره واحد"، وهو "تيار أراد من خلال عباءة الدين تحقيق أهدافه السياسية"، وختم بالقول: "الشعوب اكتشفت كذبهم وفشلهم".



تقاسم الأدوار

للتعمق في تحليل مخطط الفوضى الخلاقة الأمريكي من المفيد الخوض في لعبة تقاسم الأدوار

بين الأطراف المشاركة. قبل الاتهامات الليبية لقطر بحوالي الشهر تقريبا ويوم الأحد 24 أغسطس حذرت جماعة الإخوان المصرية من مغبة تدخل الجيش المصري في ليبيا، قائلة إن ذلك "يلوث سمعته ويعيد ذكريات التدخل" في اليمن، وطالبت الحكومة المصرية بطرد اللواء خليفة حفتر، الذي وصفته بـ"الانقلابي" وذلك بعد ساعات على نفي القاهرة أي دور لها بالصراع الليبي.

وقالت جماعة الإخوان في بيان لها إن هناك "جهات إقليمية ودولية تدفع نحو إجهاض الثورة الليبية" متهمة تلك الجهات بدفع اللواء خليفة حفتر الذي وصفته بـ"الإنقلابي المجرم" نحو "الانقلاب على الثورة وإيقاع الشعب والجيش الليبيين في أتون حرب أهلية".

وتابعت الجماعة بالقول إن الأنباء "تواترت حول دعم نظام السيسي الإنقلابي ورعاته الخليجيين للثورة المضادة في ليبيا" وحذرت من أن "توريط الجيش المصري والزج به في هذه الحرب لتحقيق أجندات خارجية يمثل أكبر خطر على الأمن القومي، ويلوث سمعة الجيش المصري ويصوره على أنه مجموعات من المرتزقة.

ونددت الجماعة بما قالت إنه: "قيام طائرات أجنبية قيل إنها مصرية بقتل الليبيين" ودعت القاهرة وكافة الدول العربية لإعلان" رفضها التام للتدخل الخارجي" محذرة من أن العمالة المصرية في ليبيا وعددها يقترب من مليوني عامل ومن خلفهم أسرهم، "سوف تعاني أسوأ المعاناة من الموقف الذي يتبناه النظام الانقلابي، وعودتها تمثل كارثة على الاقتصاد المصري في ظرف يقترب فيه الاقتصاد من حافة الانهيار".

وختمت الجماعة بدعوتها إلى "طرد حفتر من مصر ليلقى جزاءه العادل ومصيره المحتوم جزاء ما اقترفت يداه".

يذكر أن الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، كان قد تطرق إلى قضية اتهام بلاده بالمشاركة في الأحداث الليبية، وأكد خلال اللقاء الدوري مع رؤساء تحرير الصحف المصرية أن الجيش المصري "لم ينفذ أي عملية عسكرية ضد أهداف في ليبيا" مضيفا أن "ما تردده إحدى القنوات القطرية عارٍ تماما عن الصحة وغرضه إثارة البلبلة".

ولكن السيسي شدد في الوقت نفسه على أن مصر "مهتمة جدا بما يجري في ليبيا خاصة أن الحدود مع ليبيا تمثل قضية أمن قومي لمصر".

خلال شهر أغسطس 2014 اتهم وزبر التنمية الألماني جيرد مولر قطر بتمويل الجماعات الإرهابية في الشرق الوسط ومناطق أخرى من العالم وأكد أن التمويل يشمل مقاتلي داعش أو الدولة الإسلامية في العراق والشام. واشنطن قبل الدوحة غضبت من التصريح الألماني الذي إعتمد رغم نفي برلين الخجول على معلومات جهاز الاستخبارات الخارجي الألماني المشهود بكفائته. نفس الجهاز الألماني كان قد ذكر في عام 2003 بعد سقوط البوابة الشرقية للأمة العربية تحت الإحتلال أن أجهزة قطر الإعلامية والأمنية تعمل بالتعاون مع الأجهزة الأمريكية لضرب المقاومة العراقية وإصطياد قادتها وأن قناة الجزيرة أحد أهم مصادر تجسس أجهزة الإستخبارات الأمريكية في المنطقة العربية. قبل تصريح وزير التنمية الألماني كانت مصادر رصد قد ذكرت أن جهاز المخابرات الألماني "بي أن دي" قدم أدلة لحكومة برلين عن تمويل قطر لعمليات تجنيد الأوروبيين للقتال في سوريا، وكذلك تمويلها للحركات المتطرفة المسلحة في منطقة الساحل زيادة على وجود تنسيق بين الدوحة وبعض أجهزتها ومنظمات مسلحة متطرفة في منطقة المغرب العربي.

كما علم أن رئيس الجهاز غيرهارد شيندلر ونائبه نوردبرت شتير أبلغا عددا من المسئولين الأمنيين في المنطقة العربية خلال لقاءات مختلفة جرت خلال سنة 2014 أن لدى أجهزتهما معلومات عن تمويل قطري كثيف لحركات الإسلام السياسي وتنظيمات مسلحة.

هنا تجدر الإشارة إلى توتر العلاقات بين جهاز المخابرات الألماني والمخابرات المركزية الأمريكية سنة 2014 فقد أعلنت الحكومة الألمانية يوم 10 يوليو 2014 طرد ممثل الاستخبارات الأمريكية في ألمانيا في إطار قضية تجسس ألمان لصالح واشنطن. وذكر المتحدث باسم الحكومة شتيفن سايبرت في بيان إنه "طلب من ممثل الاستخبارات الأمريكية في سفارة الولايات المتحدة مغادرة ألمانيا". وأوضح النائب الألماني كليمنس بينينغر رئيس لجنة المراقبة البرلمانية لنشاطات الاستخبارات التي اجتمعت يوم 10 يوليو في برلين أن هذا الإجراء جاء "ردا على غياب التعاون منذ فترة طويلة في الجهود لتوضيح" نشاطات رجال الاستخبارات الأمريكيين في ألمانيا.

من جهتها، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ردا على سؤال "أعتقد أنه في هذه الأوقات التي تكون ملتبسة جدا، من الضروري أن تكون الثقة متبادلة بين الحلفاء"، مضيفة أن "مزيدا من الثقة يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الأمن".

وبعد كشف معلومات أولية عن عنصر في أجهزة الاستخبارات الألمانية يشتبه بتعامله مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه"، أعلنت النيابة العامة أنها تحقق في حالة جديدة. وأشارت وسائل الإعلام إلى وجود ضابط في الجيش الألماني يعمل لحساب واشنطن. وجاءت هذه القضية الجديدة بعد أيام على اعتقال عميل في الاستخبارات الخارجية الألمانية "31 عاما" للاشتباه ببيعه أكثر من 200 وثيقة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه".

وقال وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله في مقابلة إن الأمريكيين يبرهنون عن "غباء يثير البكاء" في هذه القضية. وأضاف "إن تجنيد الولايات المتحدة على أرضنا أشخاصا من الدرجة الثالثة هو غباء. وفي مواجهة مثل هذا الغباء لا يمكننا إلا أن نبكي، ولذلك هذا الأمر لا يسلي المستشارة".

وكانت مصادر إعلامية ألمانية قد كشفت مؤخرا أن تنظيم "داعش" يمتلك مكتبا غير رسمي في مدينة اسطنبول بشمال غربي تركيا وتنظم من خلاله عمليات دعم وإمداد داعش فى سوريا والعراق بالعناصر الأجنبية وبتمويل قطري. و أضافت المصادر أنه يوجد في منطقة فاتح باسطنبول مكتب غير رسمي يديره بعض الأتراك التابعين لداعش ويعمل على تسهيل انتقال المسلحين الأجانب القادمين إلى تركيا والراغبين في التوجه إلى سوريا والعراق للمشاركة ضمن صفوف التنظيم المسلح مقابل 400 دولار للفرد. وأشارت المصادر الألمانية إلى أن نحو 2000 شاب أوروبي انضموا إلى صفوف داعش خلال سنة 2014، وذلك بعد قدومهم إلى اسطنبول، ومنها إلى مدينة أنطاليا التركية المطلة على البحر المتوسط بحجة السياحة. وهناك يتولى مسئولو المكتب مهمة نقلهم عبر الحدود السورية والعراقية.

وكان التلفزيون الألماني "أ أر دي" قد ذكر في تقرير له أن هناك معسكرا لداعش فى مدينة "غازي عنتاب" جنوبي تركيا لتدريب مسلحي داعش ونقلهم فيما بعد إلى سوريا والعراق للقتال، مضيفا أن تركيا تعد أكبر سوق لداعش على الرغم من إنكار حكومة العدالة والتنمية. وتأتي هذه المعلومات بعد تنصت المخابرات الألمانية على تركيا منذ عام 2009 دون تحرك من قبل حكومة العدالة والتنمية أو اتخاذها أي تدابير أو خطوات ضد ألمانيا. وأوضح المحامي محمد آردوم، وهو تركي الأصل ويدافع أمام القضاء عن عائلات المسلحين فى داعش، أن الجوامع فى أوروبا لا يجب أن تكون أوكارا لعناصر داعش، مضيفا أن جهاز المخابرات التركي يقوم بأعمال التنسيق والتخطيط لكل شيء لصالح داعش. وأشار آردوم إلى أن المسلحين المنخرطين في داعش يتدربون في معسكر في غازي عنتاب بإشراف مؤطرين من قطر والولايات المتحدة ليتم نقلهم فيما بعد إلى سوريا والعراق للقتال هناك. وفى نفس السياق ذكر علي رضا شيشمك، وهو نائب بالحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني عن مدينة هامبورغ وتركي الأصل، أنه تم نقل العديد من المسلحين الجرحى من عناصر داعش من سوريا إلى المستشفيات التركية لتلقّي العلاج.

الحوادث السابقة تبين حجم تباين المصالح بين الحلفاء الغربيين وتفسر المساعدات الاستخبارية الألمانية لبعض الدول العربية.

شركة ألمانية متخصصة في تشفير الاتصالات وحمايتها من عمليات الإختراق كانت قد سجلت خلال عملها في عدد من دول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أنها وجدت معدات عالية القدرة على الرصد وأجهزة في مؤسسات قطرية بما في ذلك قناة الجزيرة لم يمكن توفرها خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين سوى لدى المخابرات الأمريكية والروسية.

omar_najib2003@yahoo.fr

شبكة البصرة

الخميس 23 ذو القعدة 1435 / 18 أيلول 2014

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط