يورد القران الكريم قصة مريم العذراء في عدة مواضع من القران الكريم. و يغفل الكثيرون الا من رحم ربي عن الانتباه للسياق الذي وردت فيه القصة. فقد راينا سابقا من وهم بان ورود القصة ذاتها في عدة سور من القران بسياق مختلف يدل على اختلاف الرواية القرانية في القصة الواحدة.
يقول البعض بان اليهود فد اتهموا مريم و هم يستدلون بالاية الكريمة :
{وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} (156) سورة النساء
و يقول اهل الكتاب بان القران مخطئ في هذا القول لان مريم كانت مخطوبة ليوسف النجار لذلك لم يتهمها اليهود.
و هكذا يدور الحوار في حلقة مفرغة
كل هذا نتج عن عدم الانتباه للسياق الذي وردت فيه القصة
فقد وردت قصة اتهام مريم في القران في زمنين مختلفين.
و حتى يدرك المتصفحون هذا الامر فساورد المناسبتين اللتين اتهمت فيهما مريم و ابين زمن كل مناسبة حسب الرواية القرانية:
الزمن الاول: عندما وضعت مريم مولودها.
لا اختلاف بين الرواية القرانية و بين العهد الجديد بان مريم لم تحبل بواسطة بشر. كما انه لا اختلاف بان هذا الحبل سبقته بشارة من الملاك لاخبار مريم بقضاء الله.
الاختلاف هنا اختلاف في جزئية صغيرة, هي مفاجأة اهل مريم بها تحمل الطفل:

{فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} (27) سورة مريم

و هنا اخطأ من فهم بان القران يقصد بقومها اليهود , و بالتالي فقد فسر الاية بانها اتهام من اليهود لمريم.
القران يقصد بقومها اهلها
فالقران الكريم يورد تتابع الاحداث من اختلاء مريم بنفسها قبل ظهور الملاك لها و بشارته لها بالحمل ({وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا} ثم لما تم الحمل في لحظة مخاطبة الملاك لها ({فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا} لتضع حملها,
و المنطقي انه بعد وضعها للطفل ن تعود لاهلها و بيتها فيكونوا اول من عرف قبل معرفة الاخرين للحدث.

المسيحيون يقولون بان اليهود لم يتهموا مريم لاتها كانت مخطوبة ليوسف النجار. و هم محقون بان اليهود لم يتهموا مريم.
و هو ايضا قول لم يقل به القران اي ان اليهود في زمن مريم عليها السلام قد اتهموها.
كما ان القران و هو القصص الحق محق في القول بان اهل مريم سالوها ( و في هذا الزمن لا يذكر القران شيئا عن اتهام اليهود لمريم , لانه لم يقع فعلا). فمن الطبيعي ان يدرك اهل مريم و اولهم يوسف النجار بان الطفل ليس له. يقول القران في هذه المناسبة:
{فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} (27) سورة مريم

و القران الكريم يبين بان تبرئة مريم امام اهلها حدثت فورا :
{فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} (29) سورة مريم
{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} (30) سورة مريم
فكلام الرضيع في المهد كان هو البراءة لمريم امام أهلها الذين يعرفون ان الطفل ليس من يوسف النجار.( و كلام الرضيع في المهد هو الذي كف اهل مريم عنها و هو لم يرد في العهد الجديد).
اذن فقد كانت المسالة شأن داخلي في الاسرة. و انتهت. لم يعلم اليهود بان مريم ولدت طفلها بدون اب, اذ يعلمون بامر خطبتها من يوسف بن هالي.

الزمن الثاني: يذكر القران الكريم بان أهل الكتاب سألوا نبينا الكريم (ص) ان ينزل عليهم كتابا من السماء:


{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا} (153) سورة النساء
و المقصود هنا باهل الكتاب هم يهود المدينة الذين عاصروا النبي(ص).
و يقول القران بان اهل الكتاب قد قالوا و فعلوا و على مر الزمن اكبر مما سالوا به النبي(ص)
1- سالوا موسى ان يريهم الله جهرة و عبدوا العجل ( زمن موسى عليه السلام).
2- نقضهم ميثاق الله و كفرهم و قتلهم لانبياء الله ( زمن الانبياء وهم اتوا بعد موسى عليه السلام).
3- انكارهم لاي رسول يبعثه الله بحجة ان قلوبهم غلف( زمن كل الانبياء بما فيهم عيسى و محمد عليهم الصلاة و السلام)
{فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} (155) سورة النساء
4- و قولهم على مريم بهتانا( زمن النبي صلى الله عليه وسلم وليس زمن نبي الله عيسى عليه الصلاة و السلام)
{وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} (156) سورة النساء
و القران الكريم دقيق التعبير فاورد الخبر بانه ( قول) مما يفيد بعدم وقوع القول في نفس زمن مريم عليها السلام .